الانتخابات اللبنانية.. خلطة غريبة قد تفسد السباق

يتوجه اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع، منتصف مايو/أيار المقبل، في انتخابات برلمانية تحدد مصير بلادهم لسنوات.

وللانتخابات المقررة في 15 مايو/أيار، أهمية كبيرة، إذ تأتي مع تطورات ومتغيرات سياسية هائلة أثّرت في الواقع اللبناني الداخلي وعلى صعيد علاقاته مع الخارج، كما أنها تسبق اقتراعا رئاسيا.

في 10 يناير/كانون الثاني الماضي، فُتح باب الترشيحات، وفي مطلع فبراير/شباط الجاري، بدأت الحملات الانتخابية لكن بوتيرة ضعيفة، وسط عدم ثقة بإجراء الانتخابات في بلد متفجر اقتصادياً وسياسياً، ويمكن لأية مجموعة فيه- وفق مراقبين- خلق أزمة سياسية أو حدث أمني يطيح بهذه الانتخابات.

خلطة غريبة

ومن المفترض أن يختار الناخبون اللبنانيون في السباق التشريعي المرتقب، 128 نائباً يتوزعون على 15 دائرة انتخابية، وفق قانون انتخابي يعتمد على النسبية على أساس اللوائح المقفلة، مع إعطاء صوت تفضيلي واحد من كل ناخب لمرشح ضمن اللائحة.

ويعتبر القانون الانتخابي الذي تم إصداره في 2017 واُعتمد في انتخابات 2018، فريداً من نوعه ولا يُعتمد في أي بلد من بلدان العالم.

فهذا القانون جمع على الطريقة اللبنانية، الأكثرية مع النسبية مع الطائفية في خلطة غريبة، واعتمد تقسيمات تعتمد على الطابع الطائفي أكثر منه على الوطني.

خلطةٌ أسفرت عن تقسيمات غير متجانسة، فهناك دوائر تنتخب 3 نواب، وأخرى 8 نواب، وأخرى 10 وهناك دوائر تتكون من قضاء واحد أو اثنين أو ثلاثة حاكها السياسيون اللبنانيون بحسب مصالحهم الانتخابية، بشكل يضمن عودتهم إلى مواقعهم.

فمثلا تم جمع كل من قضاء الشوف وعالية في دائرة انتخابية واحدة، حيث توجد فيهما أكثرية من الطائفة الدرزية تسمح لوليد جنبلاط بالتحكم بالدائرة، فيما تم ضم مرجعيون وحاصبيا (أكثرية مسيحية ودرزية)، إلي بنت جبيل (أكثرية شيعية)، ليتحكم "حزب الله" وحليفته "حركة أمل" بتمثيل القضاءين بسبب الأكثرية الطاغية.

الغائبون

في المقابل تشهد هذه الانتخابات تغييرات كبيرة على المستوى السياسي الداخلي، فهي لأول مرة منذ 1992 ستجرى بغياب تيار "المستقبل"، الذي أعلن زعيمه سعد الحريري تعليقه العمل السياسي.

انسحابٌ يمكن أن يؤثر على التركيبة السياسية بشكل كبير وخصوصاً أن "المستقبل" هو من أكبر التيارات في لبنان ولديه انتشارا على مساحة البلاد ككل، كما أنه الممثل شبه الوحيد للطائفة السنية في هذا البلد، إذ تشير آخر الدراسات الانتخابية إلى أن انسحاب الحريري قد تؤثر على أكثر من 72 مقعداً نيابياً من حيث التصويت والتحالفات.

كما خلق انسحاب الحريري، إرباكا على مستوى حلفائه وخصومه، ولم تتوضح الصورة حتى الوقت الحاضر عن الشخصية التي يمكن أن تحل مكانه وتملأ الفراغ، وسط جهود تقوم بها بعض الشخصيات السنية بالتعاون مع دار الفتوى لمحاولة تحصين الساحة السنية اللبنانية من اختراق "حزب الله" مستفيداً من قرار الحريري، لكنها لم تتبلور حتى الساعة.

حراك الشارع.. أي تأثير؟

مؤشر ثان وأساسي سيكون له الحضور في الانتخابات النيابية المقبلة، وهو خوض المجموعات المدنية التي انبثقت عن حراك 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 هذه الانتخابات ضمن لوائح بوجه الطبقة السياسية بمختلف تكويناتها، حيث بدأت بتأليف لوائحها.

ورغم بعض الخلافات بين أعضاء هذه المجموعات في الوقت الراهن إلا أنه من المتوقع أن تصل في النتيجة من تشكيل جبهة قبيل الانتخابات، تؤدي إلى إدخال وجوه جديدة للبرلمان سيكون لها تأثيرا على عمله.

أما المؤشر الثالث، فهو ارتفاع الخطاب السيادي الرافض لحزب الله، الذي يختلف عن أية انتخابات ماضية حيث كانت تلجأ القوى السياسية إلى تحييد السلاح عن خطابها السياسي، أما اليوم فأغلبية الكتل المدنية التي تشكلت حتى اللحظة ترفع ضمن برامجها الانتخابية رفض السلاح والدويلة، بالإضافة إلى القوى المناوئة للحزب التي تخوض الانتخابات في خطاب سياسي واضح وهو ضد سلاح "حزب الله" كالقوات اللبنانية والكتائب، والناخبين المؤيدين للمستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي.

 والمؤشر الرابع هو الخلافات التي تعصف بين القوى السياسية الممثلة حالياً في البرلمان، حيث يواجه "حزب الله" معضلة تجميع حلفائه في جبهة واحدة.

فحتى الساعة يرفض "التيار الوطني الحر" المشاركة في لوائح مشتركة تضمه مع "حركة أمل" الحليفة الطائفية للحزب، بالإضافة إلى رفض سليمان فرنجية زعيم تيار المردة التحالف مع "التيار الوطني الحر"، ما سيؤدي إلى ضعف في هذه الجبهة وذهابها إلى الانتخابات مفتتة وبالتالي خسارتها الكثير من حضورها إذا لم ينجح الحزب في إعادة ترتيب الأمور.

كما تبقى الأنظار على الدوائر التي تقع تحت السيطرة المطلقة لحزب الله في الجنوب والبقاع، مع بدء ظهور تيارات معارضة ومجموعات منتفضة على الواقع، مع استبعاد تحقيقها خروقات تذكر بسبب القبضة الأمنية والعسكرية الحديدية التي يطبقها "حزب الله" في هذه الدوائر ويعمل على ترهيب وضرب أي صوت معارض في هذه البيئة بالذات.