الليرة اللبنانية تواجه أصعب اختبار منذ 22 عاما
تصاعدت المخاوف إزاء احتمال تدهور عملة لبنان في ظل شح الدولار وإصدار وكالات التصنيف الائتماني مراجعات سلبية لديون البلاد السيادية
تواجه الليرة اللبانينة أصعب اختبار لها منذ 22 عاما، حيث تصاعدت المخاوف خلال الأسابيع الأخيرة في لبنان إزاء احتمال تدهور قيمة العملة المحلية، مع شحّ الدولار في السوق وإصدار الوكالات العالمية للتصنيف الائتماني مراجعات سلبية لديون لبنان السيادية.
أسباب المخاوف
وخلال الأسابيع القليلة الماضية قلصت البنوك من عمليات بيع الدولار، الذي يمكن استخدامه في لبنان بالتوازي مع الليرة في العمليات المصرفية والتجارية كافة.
وأثار الأمر حالة خوف لدى المواطنين الذين ارتفع طلبهم على الدولار، كونهم يسددون أقساطاً وفواتير عدة بهذه العملة، ولدى أصحاب محطات الوقود ومستوردي الدقيق والأدوية، الذين يدفعون فواتيرهم بالعملة الخضراء.
وتسبب الإقبال الشديد على الدولار إلى ارتفاع سعره في السوق الموازية.
وكان سعر صرف الليرة اللبنانية تم تثبيته منذ عام 1997، على خلفية تدهور قيمة العملة مرات عدة، آخرها بعد عامين من انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).
ويبلغ سعر الصرف الرسمي للدولار حالياً 1507,5 ليرة مقابل الدولار الواحد، لكنه ارتفع منذ مطلع أغسطس/آب ووصل في السوق الموازية إلى 1600 ليرة للمرة الأولى منذ 22 عاماً.
دولار البنوك
ويقول الخبير الاقتصادي جاد شعبان "خلق شحّ الدولارات المودعة في المصارف نوعاً من الهلع بين المستهلكين والمواطنين".
ودفع ذلك قطاعات عدة إلى رفع صوتها والتلويح بالإضراب احتجاجاً، كما تظاهر شبان غاضبون في وسط بيروت احتجاجاً على الوضع الاقتصادي المتردي.
وكان أصحاب محطات الوقود هددوا بالإضراب تنديدا بتداعيات الأزمة عليهم، إذ يتحتم عليهم الدفع للموزعين بالدولار.
غير أنهم علقوا قرارهم بعد التوصل إلى اتفاق مع الحكومة، أُعلن عنه في وقت متأخر مساء السبت، يسمح لهم بالدفع بالليرة اللبنانية، إذ يجيز للشركات المستوردة للنفط والغاز الحصول من المصارف على المبالغ التي تحتاج إليها بالدولار بسعر الصرف الرسمي لدفع ثمن وارداتها.
عوامل ضاغطة
ويصرّ مصرف لبنان (المركزي) على أن الليرة بخير ولا أزمة تلاحقها، وربط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الخميس، ارتفاع سعر صرف الليرة بجملة أسباب، أبرزها زيادة حجم استيراد بعض المواد الأساسية.
وقال "لا نعرف إذا كان كل هذا الاستيراد للاستهلاك المحلي"، وسط تقارير عن عمليات تهريب متزايدة إلى سوريا، التي تشهد نزاعاً مدمراً منذ 8 سنوات، وتتعرض لعقوبات اقتصادية خانقة.
وسمح مصرف لبنان، في تعميم أصدره الأسبوع الماضي، بتوفير الدولار للمصارف التجارية لدعم استيراد المشتقات النفطية والقمح والأدوية للحد من تداعيات الأزمة.
ويتحدث شعبان عن سياسة مصرفية متعمدة في هذا الصدد، تقوم على وضع "ضوابط على رؤوس الأموال والعملات" أو "رقابة من المصرف المركزي للحدّ من التحويلات إلى الدولار في المصارف وسحب مبالغ كبرى بالدولار".
وجاءت هذه التطورات بينما يشهد لبنان ارتفاعا بمعدلات البطالة، وتراجع تحويلات المغتربين والاستثمارات الخارجية، وتراكم الديون إلى 86 مليار دولار، أي ما يعادل 150% من إجمالي الناتج المحلي، وهو من أعلى المعدلات في العالم.
وتعهد لبنان العام الماضي بإجراء إصلاحات هيكلية وخفض العجز في الموازنة العامة، مقابل حصوله على هبات وقروض بقيمة 11.6 مليار دولار أقرها مؤتمر "سيدر" الدولي الذي عقد في باريس.
وخفضت وكالة "فيتش" في 23 أغسطس/آب تصنيف لبنان درجة واحدة من "بي سلبي" إلى "سي سي سي"، بينما أبقت وكالة "ستاندارد آند بورز" تصنيف لبنان كما هو "بي سلبي/بي".
مؤشرات إيجابية
ورغم هذه المؤشرات يعتبر كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في مجموعة بنك بيبلوس نسيب جبريل أنه "لا يوجد اليوم أي خطر جدي بانهيار قيمة" الليرة.
ويرى أن "مصرف لبنان يملك الأدوات اللازمة للحفاظ على الاستقرار" النقدي، في إشارة إلى الاحتياطي بالعملات الأجنبية الذي يخوله التدخل في سوق الصرف كشار أو بائع أساسي للحفاظ على سعر صرف الليرة.
وبلغ حجم هذا الاحتياطي 38.5 مليار دولار نهاية سبتمبر/أيلول، بزيادة مليارين عن يونيو/حزيران، وفق أرقام رسمية، وهو ما يعادل تقريباً 4 أضعاف احتياطيات البلاد في عام 2005.
ومن بين المؤشرات الإيجابية أيضاً، وفقا لمروان بركات كبير الاقتصاديين في بنك عودة، أن الودائع المصرفية، التي تسمح لمصرف لبنان بتجديد احتياطياته بالعملات الأجنبية، ارتفعت خلال 3 أشهر متتالية بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب.