هل يتكرر سيناريو 82؟ «حقائق قاسية» تعوق خطة أمريكا لتمرير رئاسة لبنان
بعد مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله، رأت الولايات المتحدة أن هناك فرصة للإصلاح السياسي في لبنان بانتخاب رئيس بعد عامين من الفراغ، إلا أن طموحاتها اصطدمت بـ«حقائق قاسية».
ففي السنوات التي سبقت غزو إسرائيل الحالي للبنان، كان النظام السياسي في البلاد في حالة جمود، بتنافس حزب الله وحلفائه مع خصومه على من ينبغي أن يكون رئيساً للبلاد.
والآن، مع «إضعاف الجماعة وقطع رأس قيادتها»، تريد الولايات المتحدة كسر هذا الجمود، لكن مبادراتها لم تفلح إلا في إظهار الاستقرار الهش في لبنان، بحسب صحيفة «واشنطن بوست».
حقائق «قاسية»
وأشارت إلى أن الدعوة الأمريكية لاختيار رئيس لبناني جديد سلطت الضوء على الوضع السياسي الهش والمضطرب في البلاد، وعلى موقف حزب الله «المترسخ».
ففي هذا الأسبوع، أبلغ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مبعوث البيت الأبيض عاموس هوكستاين في اجتماع عقد في بيروت أن لبنان يرفض انتخاب رئيس تحت ضغط الحرب، مؤكداً موقفه بأن وقف إطلاق النار يجب أن يأتي أولاً، وفقاً لمسؤولين لبنانيين سابقين وحاليين مطلعين على المحادثات.
وفقًا لمسؤول كبير في إدارة جو بايدن، فإن مساعي أمريكا التي لم تكن في المتناول، أصبحت الآن بعيدة المنال بعد غزو القوات الإسرائيلية لجنوب لبنان في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتراجع أكثر مع توسع أهداف الحرب الإسرائيلية.
فلقد سلطت الضغوط الأمريكية «العبثية» على البرلمان اللبناني، للتحرك وانتخاب رئيس للجمهورية الضوء على حدود نفوذها في المنطقة، فضلاً عن الانقسام والهشاشة التي يتسم بها النظام السياسي في لبنان، بحسب مسؤولين أمريكيين، أكدوا أنه حتى في الوقت الذي يترنح فيه حزب الله تحت وطأة سلسلة من الضربات المدمرة، يكافح خصومه السياسيون من أجل التوحد تحت مظلة واحدة، أو إيجاد طريق للمضي قدماً لا يؤدي إلى تفاقم الصراعات الأهلية.
ولقد أدى نظام تقاسم السلطة القائم على الطوائف في لبنان، والذي نشأ بعد الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في الفترة من 1975 إلى 1990، إلى حالة من الجمود السياسي بشكل منتظم. وقد أدى عجز البرلمان عن اتخاذ قرار بشأن رئيس الجمهورية إلى خلق فراغ متزايد الاتساع لا تملك أي كتلة قوة كافية لملئه بمفردها.
هذا الفراغ استغله حزب الله لتعزيز وجوده، وقد أصرت الجماعة اللبنانية وحلفاؤها على اختيار مرشح قريب من إيران وسوريا، في حين دعا آخرون إلى اختيار مرشح يميل إلى الغرب.
في هذا الأسبوع، قال سامي الجميل، زعيم حزب الكتائب وأحد الأصوات البارزة المناهضة لحزب الله، لصحيفة «واشنطن بوست»: «نحن بحاجة إلى بعض الوقت». وهو يريد عقد مؤتمر كبير في مكان محايد، حيث يمكن لأغلبية أعضاء البرلمان وضع خطة لتخلي حزب الله عن أسلحته، وتمكين الجيش اللبناني من السيطرة على الجنوب.
الجميل أضاف: «نحن ننتظر اللحظة المناسبة لإشراك الجميع. من المبكر جدا بالنسبة للعديد من الأشخاص في الوسط، وإذا كان التوقيت سيئا، فقد تكون النتيجة عكسية».
موازنة «مستحيلة»
ويقول المحللون إن اتخاذ مثل هذه الخطوة وسط الغارات الجوية المستمرة وأزمة النزوح الجماعي يتطلب عملية موازنة صعبة وربما مستحيلة. ورغم أن المعارضة دعت حزب الله إلى نزع سلاحه لعقود من الزمان، فإن المضي قدماً في تحقيق هذا الهدف بينما يقاتل مقاتلوه القوات الإسرائيلية في الجنوب سوف ينظر إليه كثيرون في لبنان، وخاصة القاعدة الشيعية للحزب، على أنه «خيانة وطنية»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وفي حين تحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكن علناً عن أن مستقبل السياسة اللبنانية سيكون في أيدي اللبنانيين وحدهم، فإن المناورات الهادئة التي تقوم بها الإدارة خلف الكواليس خلقت مخاوف بين أحزاب المعارضة من أن يُنظر إليها على أنها أدوات لخطة هندستها الولايات المتحدة بدعم من إسرائيل.
وبحسب دبلوماسي مطلع على الأمر، فإن المرشح المفضل لدى الولايات المتحدة لتولي منصب الرئيس هو الجنرال جوزيف عون، قائد القوات المسلحة اللبنانية. والتقى هوكستاين مع عون خلال زيارته، وناقش الاثنان «الوضع العام في البلاد وسبل دعم الجيش اللبناني»، بحسب بيان للجيش.
فهل يتكرر سيناريو 82؟
يقول مايكل يونج، المحلل السياسي اللبناني في مركز كارنيغي للشرق الأوسط: «إذا ضغطت من أجل رئيس الآن والطبقة السياسية منقسمة، فإن هذا سيخلق صدى لعام 1982 عندما جلب الإسرائيليون بشير الجميل إلى السلطة». اغتيل بشير، قائد الميليشيا وعم سامي الجميل، بعد أقل من شهر من انتخابه.
يونج أضاف أن «الأمريكيين في بعض الأحيان لا يأخذون في الاعتبار الحقائق في بلد معين - فهم يريدون فقط تحقيق أهدافهم».
وخلال اجتماع بري مع هوكستاين يوم الإثنين، وهو الأول لهما منذ الغزو البري الإسرائيلي، أكد رئيس مجلس النواب على أنه لا يمكن انتخاب رئيس إلا بعد انتهاء القتال، بحسب مسؤولين لبنانيين. ووصف مسؤول أمريكي الاجتماع بأنه «مفصل ومثمر للغاية».
وقال مسؤول لبناني كبير سابق مطلع على المحادثات إن بري، المتحالف مع حزب الله، رفض اقتراحا أمريكيا بانسحاب مقاتلي الحزب إلى شمال نهر الليطاني، على بعد نحو 30 ميلا من الحدود الإسرائيلية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، حاول سمير جعجع، زعيم الحرب المسيحي أثناء الحرب الأهلية والذي عمل منذ ذلك الحين على وضع نفسه كزعيم للحركة المناهضة لحزب الله، تنظيم مؤتمر وطني للمعارضة.
وبينما تجمع أعضاء البرلمان وغيرهم من الشخصيات المؤثرة في المقر شديد الحراسة للقوات اللبنانية ـ الحزب المسيحي اليميني الذي يتزعمه جعجع ـ في قرية معراب الجبلية، وصفوا اللحظة بأنها «فرصة ذهبية وأخيرة لإنقاذ لبنان من الدمار».
لكن باستثناء أعضاء القوات اللبنانية، لم يحضر أي زعيم حزبي أو ديني أو كتلة أخرى. ولم يكن سامي الجميل حاضراً، ولا أي من اللاعبين الأساسيين الآخرين اللازمين لتحقيق اختراق سياسي، مثل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
وقرأ جعجع، الذي كان محاطاً بملصقات تسرد قرارات الأمم المتحدة التي صدرت منذ سنوات والتي تدعو المليشيات إلى التخلي عن سلاحها وانسحاب حزب الله من الحدود الإسرائيلية، قائمة أمنيات «نبيلة»، بدءاً من التنفيذ الكامل للقرارات 1559 و1680 و1701 وانتهاءً بإنهاء الحرب.
ترسانة حزب الله
وعندما سألته صحيفة «واشنطن بوست» عن سبب ثقته في أن حزب الله سيوافق على أي من هذه الشروط، أقر جعجع: «لست كذلك».
وعندما سُئل عن سبب استعداد الحزب لنزع سلاحه بعد عقود من بناء ترسانته، أجاب: «لأن هذا منطقي. بعد كل ما حدث؟ هذا هو الشيء الأكثر منطقية».
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن مسألة كيفية إقناع حزب الله بحل جناحه العسكري والتحول إلى حركة سياسية بحتة دون إغراق لبنان في حرب أهلية أخرى ظلت تشغل المعارضة لسنوات؛ ففي عام 2008، عندما حاولت الحكومة إغلاق شبكة اتصالات حزب الله، استولى الحزب لفترة وجيزة على جزء من بيروت.
وفي مقابلة أجريت معه في مقر إقامته في قرية بكفيا الجبلية يوم الثلاثاء، كان الجميل، زعيم حزب الكتائب، يقضي أول يوم «عمل من المنزل»، كما وصفه مساعدوه. وقال الجميل إنه تلقى خلال الأيام القليلة الماضية معلومات من مصادر استخباراتية أجنبية تفيد بأن حزب الله قد يبدأ في استهداف شخصيات المعارضة. والآن، يعمل على تشديد إجراءاته الأمنية.
وأضاف أن «حزب الله يحتاج إلى إظهار قوته. وإذا لم يتمكن من القيام بذلك مع إسرائيل، فسوف يحتاج إلى القيام بذلك داخليًا (..) بدأ الناس يفكرون في اللحظة التي ستلي حزب الله».
ولم يستجب حزب الله لطلب التعليق. وقال شخصيات معارضة بارزة أخرى لصحيفة «واشنطن بوست» إنهم لم يتلقوا أي معلومات حول تهديدات محتملة من الجماعة.
وقال جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، إنه في الوقت الذي يتعرض فيه التوازن الطائفي الهش في لبنان للضغوط، «نحن لا نريد إلغاء أو عزل أحد»، مضيفاً أن الضغط من أجل انتخاب رئيس جديد لا علاقة له بالضغوط الأمريكية.
وأشار إلى أن «حزب الله يجب أن يكون حزبا سياسيا مثل أي حزب لبناني آخر».