"الانفجار الكبير" عنوان لبنان في 2020.. مآس لا تمحى من الذاكرة
مرّ أكثر من 4 أشهر على انفجار مرفأ بيروت، الذي صُنِّف على أنه واحد من أعنف الانفجارات وأكبرها في التاريخ.
ولا تزال مشاهد المأساة التي حلّت بالعاصمة اللبنانية وأبنائها راسخة في الأذهان، بل وتحوّلت إلى كابوس يقلق أيامهم ومستقبلهم.
وإذا كان مشهد الدمار الذي قضى على أكثر من نصف العاصمة قابل للترميم، فإنَّ الجروح العميقة في النفوس التي تركتها هذه الكارثة لن تنسى وستبقى آلامها على مدى العمر، لا سيما بالنسبة للعائلات التي لم يعثر بعضها حتى على أشلاء أبنائها.
أسقطت الكارثة الكبرى أكثر من 200 قتيل وجُرِح ما يربو على 6 آلاف شخص، ولم تعلن حتى الساعة نتائج التحقيقات أو المسؤولين عن الحادث.
ومع اقتراب عام 2020 من نهايته، تستعرض "العين الإخبارية"، أبرز قصص انفجار مرفأ بيروت المثقلة بالحزن والأسى وأخرى شكّلت بعض النور في هذه الظلمة.
أبطال الإطفاء
كان أبطال مركز الإطفاء في بيروت ضمن صفوف المواجهة الأمامية بالانفجار الذي هزّ العاصمة بيروت.
هرعوا لتلبية واجبهم من أجل إخماد حريق لم يدركوا أنه سيحرق شبابهم وينهي حياتهم خلال دقائق.
10 عناصر بينهم الشابة سحر فارس، العروس التي كانت تتهيّأ للزواج، غلبتهم النيران وفارقوا الحياة وعائلاتهم من دون وداع.
صورتهم الأخيرة التي التقطوها لحظة انطلاقهم من مركز الإطفاء وهم يبتسمون بقيت كتذكار أخير لعائلاتهم وأحبائهم علّها تذكّر المسؤولين بضرورة البحث عن حقيقة من غدر بهم وبالشعب اللبناني وتسبّب بهذا الانفجار.
أما الفاجعة الأكبر فكانت تلك التي أصابت عائلة "حتّي" اللبنانية التي خسرت 3 من أبنائها، هم: نجيب حتّي وابن عمه شربل وصهره صودف، ولسوء الحظ فجميعهم كانوا موجودون بالمركز لحظة استدعائهم، فكانت المأساة بفقدانهم ومن ثم وجود جثثهم تحت الأنقاض.
فراشة بيروت
"فراشة بيروت" أو "فراشة الثورة" هي الطفلة ألكسندرا نجار، التي تبلغ 3 سنوات، أصغر ضحية في انفجار بيروت.
ألكسندرا التي انتفضت على الواقع اللبناني باكراً وكانت تشارك والديها في التحركات الشعبية في وسط المدينة فارقت الحياة وتركت الجرح عميقاً ليس فقط في عائلتها وإنما في كل لبنان.
صورة ألكسندرا وهي محمولة على كتف والدها في التظاهرات وابتسامتها البريئة التي انطفأت فجأة، تختصر حياة الأطفال المهددة دائماً في لبنان.
وتحدثت عائلة ألكسندرا في الإعلام، مشيرة إلى أنَّ ابنة الثلاث سنوات هرعت إلى الشرفة لترى ما حصل عند وقوع الانفجار الأول لتلحق بها والدتها لتبعدها عن الزجاج المحطم في المنزل فما كان إلا أن وقع الانفجار الثاني الذي اقتلع ألكسندرا من بين ذراعي والدتها.
أصيبت الطفلة بكسور وجروح في جسدها فحملها والدها إلى أقرب مستشفى ليكتشف أنه خرج عن العمل نتيجة تضرره الكبير، وانتقل إلى مستشفى آخر محاولاً إنقاذ ابنته لكن القدر كان أسرع منه وفارقت الحياة.
شباب فقدوا حياتهم.. وعائلات تواجه الفراق الصعب
قصص الشباب والشابات الذين سقطوا في انفجار بيروت لا تعد، بعضهم كان يعمل بحثاً عن لقمة العيش وبعضهم صودف مروره في المكان وآخرون سقطوا وهم داخل منازلهم.
حمد العطار، ابن الـ 28 عاماً، الذي يعمل كسائق في المرفأ ووالد طفلتين صغيرتين، عرفه اللبنانيون من عبارة والدته التي كانت تطلقها وهي تبحث عنه في المستشفيات، واصفة إياه بالقول "ابني حلو وعيونو عسلية"، وهي الجملة التي تحوّلت إلى أغنية بصوت الفنان فارس إسكندر، تحكي قصة حمد ومعظم الضحايا الذين سقطوا ظلماً وغدراً في الانفجار.
وإذا نجحت عائلة حمد في العثور على جثته بعد وقت قصير فإن الشاب إبراهيم الأمين وغيره كثر بقوا أياماً تحت الركام قبل أن تعرف عائلاتهم شيئاً عن مصيرهم.
4 أيام ظلت خلالها عائلة الأمين تتنقل من مكان إلى آخر ومن مستشفى إلى آخر إلى أن أتى الخبر المؤلم بالعثور على جثة ابنها الذي كان يعمل حمّالاً في المرفأ مقابل دولارات قليلة يومياً.
ولم تكن مأساة عائلة الفتى إلياس الخوري، 15 عاماً، أقل وطأة، فهو الذي أصيب في انفجار بيروت في منزله في بيروت، لم يقو على آلامه أكثر من 15 يوماً ليعود ويلحق بقافلة الضحايا.
مأتم خوري الذي شيعّه زملاؤه في المدرسة كان كفيلاً بدوره أن يعكس الواقع الذي يعيشه أطفال لبنان وهم لا يستطيعون حتى التفكير أو الحلم بمستقبل آمن، فيما لم يبق لعائلته إلا صورته التي ملأت المشهد في وداعه الأخير وهي تظهر وجهه الملائكي المبتسم والتي أبكت ليس فقط عائلته بل لبنان بأكمله.
حكايات أمل رغم الظلمة
في مقابل كل الصور والقصص الحزينة التي تركها انفجار بيروت، كان لبعض حكايات الأمل مكانها في "لحظات انفجار بيروت".
ومن هذه الصور الممرضة اللبنانية الشابة باميلا زينون التي انتشرت وهي تحمل بين ذراعيها ثلاثة رضّع (اثنان بينهم توأم) في أحد المستشفيات التي أصابها الدمار نتيجة الانفجار، والتي التقطها المصور اللبناني بلال جاويش.
وتحدثت باميلا في الإعلام عما حصل في هذه الليلة، مشيرة إلى أنّه بعد وقوع الانفجار وتضرّر المستشفى ولا سيما قسم حديثي الولادة حيث تعمل كان همها أن تنقذ الأطفال فحملت هي ثلاثة وصديقتها طفلاً رابعاً، وركضا بهم برفقة طبيب إلى أقرب مستشفى حيث نجحوا في وضعهم في مكان آمن قبل أن يتصلوا بعائلاتهم ويطمئنوهم عنهم.
مشهد آخر كان له وقع مختلف تمثل بمقطع فيديو لولادة الطفل جورج خنيصر لحظة وقوع الانفجار حيث كان والده يسجّل صرخته الأولى فإذا به يوثق الكارثة التي حلّت بالمدينة وأطاحت بالغرفة وزجاجها وبالتيار الكهربائي.
لكن انقطاع الكهرباء لم يقف حائلاً دون قدوم جورج، فكان أن قرّر الطبيب استكمال مهمته على أضواء الهواتف المحمولة ليخرج جورج إلى الحياة ويكون "النور في الظلام" كما يحلو لوالده القول.