بعد وقف النار.. لبنان على موعد مع «الحلقة الأصعب»
مع سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله كان هناك ارتياح شعبي، ممزوجا بقلق حول ما ينتظر لبنان خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وعلى الرغم من أن الهدنة وعدت بتهدئة العنف الذي عصف بحياة آلاف الأشخاص الذين عادوا إلى منازلهم في المناطق التي دمرتها الغارات الإسرائيلية على مدى أكثر من شهرين، لكن وسط هذا الشعور بالارتياح والابتهاج، كان هناك أيضا قلق بشأن ما قد تنبئ به الصفقة بالنسبة للبنان، الدولة الهشة التي ظلت رهينة لفترة طويلة لقيادتها المنقسمة وتعاني شغورا رئاسيا.
ومع تراجع التهديد الخارجي من جانب إسرائيل يقول المحللون والمسؤولون والدبلوماسيون إن الصراع الداخلي لم يبدأ بعد، ذلك أن العديد من البنود الرئيسية في الاتفاق تفتقر إلى توجيهات واضحة بشأن كيفية تنفيذها، الأمر الذي يترك المجال مفتوحاً أمام انهيار الاتفاق أو أمام الجهات السياسية الفاعلة في لبنان لاستغلال الثغرات لتحقيق مكاسبها الخاصة.
فـ«لقد بدأ الجزء الصعب الآن»، هكذا صرح أحد المسؤولين اللبنانيين لصحيفة «فاينانشال تايمز» بعد الإعلان عن الاتفاق، مضيفا «لقد كنا مشلولين سياسياً لسنوات الآن، لكن.. يتعين علينا أن نعمل معاً لحمل حزب الله على احترام الاتفاق حتى لا نعطي إسرائيل الأعذار لبدء قصفنا مرة أخرى».
لا خيارات
وقال المسؤول «سيكون الأمر صعبا للغاية لكن ليس لدينا خيار آخر»، مشيرا إلى تاريخ العداء بين حزب الله المدعوم من إيران والزعماء السياسيين الطائفيين الآخرين في لبنان.
ولقد خلفت حملة إسرائيل ضد حزب الله خسائر فادحة، فقد قتلت أكثر من 3800 شخص وشردت نحو 1.2 مليون آخرين من منازلهم، معظمهم في الشهرين الماضيين بعد تصعيد إسرائيل هجومها، كما قُتل أكثر من 140 إسرائيليا.
ويبدأ الاتفاق، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، بوقف إطلاق نار مبدئي لمدة 60 يوما، وهي الفترة التي يتعين على إسرائيل خلالها الانسحاب من الأراضي اللبنانية ويتعين على حزب الله سحب قواته من معقله الجنوبي إلى الشمال من نهر الليطاني، الذي يمتد على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود المشتركة.
وسوف يتحرك الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى المنطقة لتأمين الحدود ومنع حزب الله من إعادة تجميع قواته وإعادة تسليحها في الجنوب.
ورغم الكلمات «العدائية» من قبل العديد من المعارضين السياسيين المسيحيين لحزب الله، فإنهم يريدون استغلال الفراغ في السلطة ودفع مرشح لمنصب الرئاسة الشاغر الذي يعارضه حزب الله.
وبحسب الصحيفة البريطانية فإن الهدنة ستفتح أيضا جراحا قديمة، ومن المرجح أن تتفاقم التوترات الطائفية التي كشفت عنها الأشهر الأربعة عشر الماضية، حيث يلوم كثيرون في لبنان حزب الله على قيادة البلاد إلى ما اعتبروه حرباً لا معنى لها، ويصبون غضبهم على قاعدته الشيعية التي هجرها أغلب سكانها.
وتقول ريم ممتاز الخبيرة في شؤون لبنان في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: لقد أشعلت إيران وحزب الله حرباً عبثية ألحقت أضراراً جسيمة بلبنان فقط لتنتهي بقبول صفقة أسوأ من تلك التي عرضها عليهما الوسطاء الفرنسيون الأمريكيون قبل عام.
واقع جديد
وقد عكست مشاعر العديد من اللبنانيين، يوم الأربعاء، الذين يتأملون ببطء واقعاً جديداً، حيث قد تستمر إسرائيل في مراقبة سمائهم والتدخل إلى أجل غير مسمى ضد الانتهاكات المزعومة.
وفي إعلانهما عن وقف إطلاق النار، الثلاثاء، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل ستحتفظ بالحق في توجيه ضربات داخل لبنان إذا اعتقدت أن حزب الله يشكل تهديدا وشيكا.
لكن المسؤولين اللبنانيين رفضوا ذلك، حيث قال وزير الدفاع موريس سليم يوم الأربعاء إن ذلك «يتناقض» مع محتوى الاتفاق المكون من 13 نقطة، الذي تقوم عليه الهدنة.
ويخشى أشخاص مطلعون على المحادثات من أن يؤدي منح إسرائيل الحرية لمواصلة الضربات داخل البلاد إلى ترجيح كفة الاتفاق لصالح المصالح الأمنية الإسرائيلية على حساب الواقع السياسي في لبنان.
لكن بالنظر إلى «المكاسب العسكرية» التي حققتها إسرائيل، يقول المحللون إن البلاد قد لا يكون أمامها خيار آخر.
وبعد أن دخل الاتفاق حيز التنفيذ، طلبت إسرائيل من المواطنين اللبنانيين عدم العودة إلى المناطق الحدودية التي لا يزال جيشها موجودا فيها، وأفادت بأنها أطلقت النار على مجموعات من الناس الذين عادوا إلى ما أسمتها «المناطق المحظورة»، وهي علامة أخرى على مدى صعوبة تنفيذ الاتفاق.
حقول ألغام
وبعيداً عن التنفيذ، تظل القضايا البنيوية دون معالجة، وفقاً لدبلوماسيين ومحللين، فكيف سيتمكن جيش لبنان الذي يعاني نقص التمويل والموارد من الوفاء بولايته دون مساعدة دولية ضخمة لم يتم الإعلان عنها بعد؟ وهل الدول المساهمة بقوات مستعدة لدعم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؟ وماذا سيحدث لشريط الأرض على طول الجانب اللبناني من الحدود، الذي فجرت إسرائيل عشرات القرى منه إلى حد كبير في الأسابيع الأخيرة؟ وهل سيتمكن السكان اللبنانيون من العودة إلى جميع مناطق الجنوب والشرق دون عوائق؟
وتقول ريم ممتاز إن «كل جزء من اتفاق وقف إطلاق النار هذا يمثل حقل ألغام، مع وجود خطر كبير بالانهيار في كل مرحلة". إن تجهيز وتمويل الجيش اللبناني سيكون حيوياً للسماح للدولة اللبنانية بالحصول على فرصة قتالية لكسر قبضة حزب الله وإيران الخانقة على السيادة اللبنانية»، مضيفة أن «الأمر ما زال بعيدا كل البعد عن الانتهاء».
وبحسب الصحيفة البريطانية فإن الكثير من الأمور ستقع على عاتق حزب الله، ففي حين نجحت إسرائيل بلا شك في إضعاف الجماعة، من خلال انتزاع قياداتها العليا وتدمير الكثير من بنيتها التحتية العسكرية، فإن حزب الله يظل القوة الأكثر فاعلية في البلاد، وهو ما بدا واضحا من هجماته الصاروخية المتواصلة على إسرائيل حتى الساعات الأخيرة من الصراع، ما يعني أنه يحتفظ بترسانة من نوع ما.
وهناك مخاوف من أن يلجأ حزب الله إلى استخدام أسلحته في الداخل لإعادة تأكيد هيمنته، كما فعل في الماضي، ومع مقتل أغلب قيادات الحزب هناك مخاوف أيضا من أن يصبح الجيل الجديد من القادة في الجماعة أكثر جرأة وتطرفا.
لكن وسط الدمار الهائل الذي حل بالضاحية الجنوبية لبيروت كان هناك بعض الارتياح في الوقت الحالي على الأقل، يقول الحاج أمين، 56 عاماً، وهو كاتب عدل ومؤيد لحزب الله «دعونا نتحدث عن السياسة غداً، اليوم.. أحتفل بالنصر».