إنقاذ اقتصاد لبنان.. كل الطرق تذهب بعيدا عن "حزب الله"
لبنان يحتاج بشكل عاجل إلى ضخ جرعات نقدية من الخارج، بما لا يقل عن 30 مليار دولار لتكون الخطوة الأولى لإنقاذ الوضع المتأزم
يؤكد الخبراء أن أي حل لأزمة الاقتصاد اللبناني يجب أن يكون بعيدا عن حزب الله وأفكاره التي أدت لتخريب الأوضاع الاقتصادية، وساهمت في تدني الحياة المعيشية للشعب اللبناني.
تشهد الأزمة اللبنانية تفاقما غير مسبوق على الصعيد الاقتصادي الذي بات مرتبطا بشكل وثيق بالتطورات السياسية، وآخرها إفشال حزب الله تشكيل حكومة واعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب، السبت الماضي، ما انعكس على سعر الليرة التي تراجعت أمام للدولار.
يأتي ذلك وسط أزمة اقتصادية ضربت لبنان والقطاع المصرفي على حد سواء ما انعكس على الوضع الاجتماعي، بالإضافة إلى كارثة انفجار مرفأ بيروت في شهر أغسطس/آب الماضي الذي يعتبر أهم مرفق بالنسبة للبنان وبوابته إلى العالم.
ويؤكد الخبراء أن إعادة النهوض باقتصاد لبنان يتطلب في المقام الأول إنقاذه سياسيا وتحريره من سيطرة حزب الله على السلطة، بجانب السرعة في ضخّ السيولة بالدولار لتأمين المواد الأساسية اليومية من المأكل والمشرب والدواء والمحروقات.
ويتجه مصرف لبنان لرفع الدعم عن هذه السلع، وبالتالي فأسعارها ستشهد ارتفاعا غير مسبوق نتيجة وصول سعر صرف الدولار إلى أعلى مستوياته بعدما كان مستقرا لعشرات السنوات عند حدود الـ1500 ليرة لكل دولار ولكنه اليوم كسر حاجز 8 آلاف ليرة، وهو ما أدى إلى تأمين مصرف لبنان الدعم له منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفيما يتوقع أن يُعقد مؤتمرا لمساعدة لبنان هذا الشهر بحسب ما أعلن رئيس الحكومة الفرنسي إيمانويل ماكرون، يتفق مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية في بيروت، الدكتور سامي نادر، والخبيرة الاقتصادية فيوليت بلعة على أن وقف انهيار لبنان يحتاج في الوقت الحالي إلى مدّ البلاد بالسيولة النقدية، على الأقل لتمويل الأساسيات من المواد الغذائية والدواء والمحروقات، من دون الحديث عن المتطلبات الأخرى من الثياب وغيرها، وتقدر كلفة هذه المتطلبات العاجلة عشرات المليارات من الدولارات.
وفي هذا الإطار تقول الخبيرة الاقتصادية فيوليت بلعة لـ"العين الإخبارية" إن حاجات لبنان كبيرة ومتعددة ولا بدّ أن تبدأ بضخ جرعات نقدية من الخارج، بما لا يقل عن 30 مليار دولار لتكون الخطوة الأولى لإنقاذ الوضع وتساهم في حماية القدرة الشرائية للمستهلك اللبناني وتضبط أرقام التضخم "المُنفلتة" في الوقت الحالي وتعيد الثقة في القطاع المصرفي.
وتؤكد أن توفير السيولة النقدية بهذا الكم الكبير، لن يتم إذا لم يُرسل لبنان إشارت الثقة إلى المجتمع الدولي، وأولها تشكيل حكومة اختصاصيين توحي بالثقة، وبمهمة محددة هي الإنقاذ وإنجاز الإصلاحات.
وتضيف أنه إذا نجح لبنان في إرسال هذه الإشارات سيكون المؤتمر الذي ستعقده فرنسا هذا الشهر الخطوة الأولى لإنقاذ اقتصاد لبنان على أن يلي هذا الأمر إعادة فتح قناة التفاوض مع صندوق النقد الدولي ومن ثم الدفع باتجاه إعادة تفعيل مقررات مؤتمر "سيدر"، للسير نحو طريق إنقاذ البلاد.
وفي موازاة ذلك، تؤكد بلعة "أن السياسة التي ينتهجها الحكم في لبنان وعلى رأسها حزب الله باتجاه إيران، تؤدي إلى خسارة كبيرة للبنان وتذهب به إلى اقتصاد معزول معاقب لا سبل أمامه للنجاة في ظل عدم امتلاكه الموارد الطبيعية التي يمكن أن يعتمد عليها، وهو ما قد يؤدي باقتصاد لبنان إلى "الموت النهائي".
مليارات الإنقاذ
من جهته، يوضح الدكتور سامي نادر لـ"العين الإخبارية" أن لبنان بحاجة إلى نحو 21 مليار دولار لتأمين هذه الأساسيات التي لا بدّ أنها ستشهد ارتفاعا نتيجة رفع الدعم عنها بعد ارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستوى غير مسبوق، وبقي مصرف لبنان طوال الأشهر السابقة يسد هذه الثغرات، لكن في المرحلة المقبلة من المستحيل أن يبقى الوضع على ما هو عليه.
وفي ما يتعلق بقطاع الإنتاج الذي يعتمد في مواده الأولية كافة على الاستيراد، فهو وبعدما كان يحتاج إلى ما يقارب الـ20 مليار دولار، يحتاج الآن بحسب نادر إلى ما لا يقلّ عن نصف المبلغ للحفاظ على الحد الأدنى من الإنتاج ومنعه من الانهيار، وهو بذلك سيحتاج إلى نحو 5 سنوات لإنقاذه.
وتابع "مع العلم أن رفع الدعم عن المواد الغذائية والمحروقات بات أمرا شبه حتمي في ظل الوضع النقدي والاقتصادي الذي يعاني منه لبنان، ووفق المعلومات قد يتخذ القرار بشأنه مع نهاية هذا العام، ومن هنا بدأت الصرخات النقابية تصدر من قبل قطاعات عدة.
وحذّرت الأربعاء نقابة مستوردي المواد الغذائية من انكشاف الأمن الغذائي للبنانيين مبدية تخوفها من ارتفاع إضافي لسعر صرف الدولار نتيجة فشل تشكيل الحكومة، فيما دعا اتحاد النقل البري السائقين العموميين للجهوزية للتحرك رفضا لرفع الدعم عن صفيحة البنزين.
من جهة أخرى، يتحدث نادر عن الدعم المطلوب لقطاعات البنى التحتية والكهرباء وإعادة تأهيلها ما من شأنه أيضا تعزيز النمو وتأمين الوظائف للشباب، وهو يقدّر بـ19 مليار دولار ، وهو ما نص عليه مؤتمر سيدر الذي عقد في فرنسا عام 2008 لكنه ربط تقديمها بتنفيذ الإصلاحات ومحاربة الفساد وهو ما لم يتحقق، ومع ذلك يرى نادر أن هذا المبلغ الذي قدّر عام 2018 لم يعد يكفي اليوم مع الفجوة التمويلية التي ظهرت في العامين الأخيرين.
الإصلاح أولا
ويربط المجتمع الدولي وفرنسا التي تدخل رئيسها بشكل مباشر على الخط في لبنان بعد انفجار بيروت، مقدما مبادرة لتشكيل الحكومة بين تحقيق الإصلاحات وتقديم المساعدات للبنان.
وقالت فرنسا إن لبنان يواجه خطر الانهيار إذا لم يغير مساره، فيما أقرّ الرئيس اللبناني أن البلاد تسير نحو "الجحيم" إذا لم تشكل حكومة جديدة، علما أنه حتى الساعة لا تظهر أي مؤشرات لإمكانية تأليف حكومة في المدى القريب نتيجة الانقسام السياسي وعرقلة حزب الله ومن خلفها إيران.
وقد سقط عدد كبير من اللبنانيين في براثن الفقر مع انهيار الاقتصاد وخرج الآلاف منهم إلى الشوارع في العام الماضي مطالبين بالتغيير.
ويحتاج لبنان إلى سيولة مالية وبسرعة بعد أن عجز عن سداد التزامات الدين السيادي الضخم بعد أن أصابت الأزمة البنوك بالشلل.
وأضاف انفجار مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة نحو 200 فرد، عبئا ماليا جديدا على البلاد يقدر بنحو 4.6 مليار دولار.
ويستخدم البنك المركزي احتياطيات النقد الأجنبي المتناقصة لدعم الواردات الرئيسية مثل القمح والوقود والأدوية.
وسيؤدي إلغاء الدعم الذي قال البنك المركزي إنه لا يمكن أن يستمر لأجل غير مسمى إلى مزيد من المعاناة وربما يؤجج التوتر.
وقد وعد المانحون بتقديم مليارات الدولارات لمساعدة لبنان في مؤتمر باريس 2018 عندما عجزت البلاد عن تنفيذ إصلاحات، وجعل المانحون من تغيير المسار شرطا للمساعدة.
رسالة شديدة اللهجة
ووجه ماكرون رسالة قوية في بيروت في الأول من سبتمبر/ أيلول الجاري قائلًا "إذا فشلت طبقتكم السياسية فلن نهب لمساعدة لبنان".
وكانت فرنسا وضعت خارطة طريق تفصيلية للحكومة الجديدة، إذا ما شكّلت، من استئناف المحادثات سريعا مع صندوق النقد الدولي إلى إطلاق مناقصات للبدء في إقامة محطات كهرباء جديدة.
وقالت فرنسا إن من الضروري أن تبدأ الحكومة في معالجة الفساد المستشري بسرعة لضمان الحصول على الأموال الموعودة في مؤتمر آخر للمانحين قالت باريس إنها على استعداد لعقده في النصف الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول.
وهذا معناه أن أي حكومة جديدة سيكون أمامها فترة قصيرة جدا لإنجاز المطلوب. وربما يتعذر ذلك على ساسة لبنان المتشبثين بمواقفهم الذين أخفقوا في تشكيل الحكومة في الوقت المناسب.
aXA6IDE4LjE4OC4yMTkuMTMxIA==
جزيرة ام اند امز