رئاسة برلمان لبنان.. انتخابات هزت عرش حليف حزب الله
تنطلق الثلاثاء عجلة البرلمان اللبناني الجديد مع تغيّرات بتركيبته أفقدت حزب الله وحلفاءه خاصة رئيسه نبيه بري الأكثرية رغم ضمانته الموقع.
أولى تجليات هذه التغيّرات عدم ضمان رئيسه من 1991 نبيه بري الأكثرية، رغم ضمانة الرئاسة بسبب النظام الطائفي المعتمد في لبنان والذي يحصر رئاسة البرلمان بنواب الطائفة الشيعة، والذي يسيطر عليهم بري مع حليفه حزب الله.
المفارقة أن بري بنفسه الذي كان ينادي بالميثاقية الطائفية لأي رئيس مؤسسة دستورية يبدو هذه المرة غير مكترث بها، وذلك بعد عدم سيطرته على عدد من الكتل التي أفرزتها الانتخابات والتي أتت بأغلبيتها ضده.
وإلى جانب معركة الاستقطاب التي تجري على رئاسة مجلس النواب، تجري أخرى مماثلة ربما تكون أشدّ قساوة على مستوى نيابة رئاسة المجلس، التي أصبحت ملعباً للبازارات في السياسة والأصوات.
وإن كانت رئاسة المجلس محصورة بشخص واحد والمعركة تدور حول عدد الأصوات، فإن معركة نيابة الرئاسة تأخذ طابعاً مختلفاً في ظلّ التفتّت الحاصل بين الكتل النيابية.
وإذا سارت الأمور كما هو حاصل حتى اللحظة فليس هناك أيّ مرشح لهذا المنصب حاصل على دعم أكثر من كتلتين نيابيتين، لا تؤمنان له الأكثرية في أي حال من الأحوال.
والاختلاف المستمر بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ونبيه بري أيضاً سيقلل من حظوظ مرشح "التيار "، الذي من المرجح أن يكون النائب الياس بوصعب، إما إذا نجح "حزب الله" في وساطة يجريها بين الفريقين وجرى تبادل للأصوات بين الرئاسة ونيابتها، فهذا سيضع مرشح بالمقدمة.
وعقدت مجموعة "قوى التغيير" النيابية اجتماعاً مساء أمس، لمناقشة الموقف من انتخاب نائب الرئيس وسط الكلام عن إمكانية ترشيح أحد أعضائها (النائب ملحم خلف)، لكنها لم تنجح بالوصول إلى نتيجة وبقي القرار معلقاً لمزيد من البحث.
كذلك ترفض كتلة القوات اللبنانية التصويت لبري، وما تزال تدرس إمكانية ترشيح النائب غسان حاصباني لنيابة رئاسة المجلس، على الرغم من أن حظوظ نجاحه شبه معدومه، لانحسار النواب المؤيدين له في الوقت الحاضر.
ووفق ذلك، بدا واضحاً أن الأسماء التي تصدّرت المشهد فور إعلان نتائج المجلس الجديد، أي إلياس بوصعب وغسان حاصباني وملحم خلف، قد تراجعت حظوظها أو انتفت، لتظهر أسماء بديلة، كانت في الظلّ، أولها النائب سجيع عطية، الذي أضحى لديه كتلة من تسعة إلى 11 صوتا تدعمه، وهي الكتلة التي اتخذت قرارها بدعم بري لرئاسة المجلس.
بالإضافة كذلك إلى اسم الدكتور غسان سكاف، الذي ينطلق من صفته المستقلة وبإمكانه التواصل مع الجميع وهو على علاقة جيدة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي يمكن أن يستفيد من اللحظة للدفع به وتحقيق مكسب كبير في السياسة لم يحصل عليه في عز قيادته السياسية لمرحلة طويلة من تاريخ لبنان.
رئاسة البرلمان
وفي هذا السياق قال الكاتب والمحلل السياسي رضوان عقيل "لم نشهد بتاريخ انتخابات رئاسة البرلمان وهيئته على الأقل منذ عام 1992 هذه الضجة التي ترافق هذه العملية، خصوصاً أن نبيه بري هو رئيس المجلس في الدورات السابقة".
وأضاف عقيل في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية": "في هذه الدورة يبدو أن المشهد اختلف نتيجة جملة من الاعتبارات أولها دخول لون جديد يتمثل بوصول النواب التغييريين (المجتمع المدني) إلى المجلس الذين يرفضون انتخاب بري لرئاسة المجلس، إضافة إلى أكبر كتلتين مسيحيتين يتمثلان بالقوات اللبنانية التي ترفض بالمطلق انتخابه والتيار الوطني الحر الذي حتى الساعة أيضاً له موقف رافض رغم الاتصالات معه من حزب الله لمحاولة ترك الحرية لنوابه للتصويت لبري لمن أراد".
ونقل عقيل عن بري تأكيده أنه لم يتصل بأحد، وأن الاتصالات مقطوعة بينه وبين التيار الوطني الحر حتى ما قبل الانتخابات النيابية رغم وجودهم على قوائم انتخابية مشتركة.
وقال "المسألة أضحت أبعد من عدم وجود كيمياء بين بري وباسيل إنما وجود خلافات سياسية جذرية بين هؤلاء وهما لم يلتقيا منذ اليوم الأول لانتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، والذي في حينها اعتبر بري أننا أمام رئيسين للجمهورية هما عون وباسيل".
وتابع المحلل السياسي اللبناني أنه "إذا صمم باسيل على عدم انتخاب بري سيكون للأمر جملة من الارتدادات على العلاقة بين حركة أمل والتيار الوطني الحر".
وعن انتخابات نهار الثلاثاء، أشار عقيل إلى أن "بري يضمن تأييد نواب الطائفة الشيعية جميعهم الـ27، وعلى الضفة الدرزية هناك تأكيد من قبل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن النواب الدروز سينتخبون بري بالإضافة إلى عدد لا بأس به من النواب السنة، حيث تجري لقاءات مع عدد كبير منهم بعيدة عن الإعلام، وبتقديري سيصل إلى رقم مقبول من تأييد النواب السنة".
وتابع: "أما على المستوى المسيحي فهو يتواصل مع بعض النواب المسيحيين الأصدقاء ولكن في حال التيار الوطني الحر لم يمنح أصواته لبري فهو سيحصل على نسبة قليلة من هذه الأصوات".
ويرى عقيل أن "بري لم يتوقف عند الرقم الذي سيناله على أهميته، ورغم أنه كان يتمنى أن يحصل على رقم كبير، لكن ما يهمه من عملية الانتخاب بالوقت الحاضر هو وضع عجلة أساسية أمام المجلس نظراً لجملة الضغوط المالية والسياسية والاقتصادية التي يواجهها لبنان".
ورأى أن "دعوة بري إلى جلسة انتخابات من دون تسويات مع أحد أتت وكأنه يقول بشكل غير مباشر إنه هو المرشح الوحيد، وسأفوز بالتزكية سواء حصلت على عدد أصوات قليل أو كثير وعلى الجميع التعاطي مع هذا الأمر".
نيابة رئاسة المجلس
كشف عقيل أنه بالنسبة إلى نيابة رئاسة المجلس، فالأمور مفتوحة حتى الآن، فالقوات اللبنانية لم تعلن رسميا ترشيح غسان حاصباني، ولا التيار الوطني الحر أعلن بشكل فعلي السير بالنائب إلياس أبوصعب للموقع، لكن هناك اتصالات تحصل بين الفرقاء، وهناك أكثر من نائب أرثوذكسي يطمح للوصول إلى احتلال موقع نائب الرئيس، الذي له أهمية كبيرة داخل البرلمان، والجميع يعلم أن بري يتعاون بشكل كبير مع نائبه إذا كان على اتفاق معه.
وفي حال عدم تأمين النصاب من قبل النواب كقرار اعتراضي، فيرى عقيل أننا نكون دخلنا في أزمة حكم نشهدها للمرة الأولى ففي حال لم يتم انتخاب هيئة مكتب المجلس، وإطلاق عجلة العمل التشريعي.
وأردف: أول الضحايا ستكون الحكومة الجديدة المفترض تأليفها، لأن عدم اكتمال هيئة السلطة التشريعية تؤدي إلى عدم الدعوة لاستشارات النيابية لتأليف حكومة جديدة، ونحن على بعد أقل من ستة أشهر من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وإذا دخلنا في هذا النفق نكون في أزمة حكم حقيقية لم يشهدها لبنان في تاريخه، بمعنى أن رئاسة المجلس معطلة والحكومة هي حكومة تصريف أعمال ولا رئيس للجمهورية.
وبالعودة إلى رئاسة المجلس كشف عقيل أن بري تعهد أمام زواره بوضع جميع الأمور الإشكالية على طاولة البحث، إذا كانت سياسية أو اقتصادية أو مالية، ليجري البحث بها تحت قبة البرلمان.
وهنا حذر عقيل من استمرار الخلاف بين بري وباسيل ما سيؤثر على انتخابات الرئاسة، خصوصاً أن باسيل يطمح لهذا الموقع، ما سيدفع بري إلى معارضته بطريقة شرسة.
نواب التغيير
أما بالنسبة لمجموعة النواب التغييريين التي دخلت حديثا إلى المجلس، فاعتبر أن هذه المجموعة لن تكون محل ترحيب عند نواب الأحزاب اللبنانية أو الشخصيات التقليدية، لأنهم يعترضون على الجميع، ولا شك أنهم تمكنوا من هز عروشهم، ووجهوا رسائل سياسية مهمة إلى جميع القوى السياسية في البلاد من الشمال إلى الجنوب، ولكن من باب الملاحظات على أداء هذه المجموعة بأن "هناك سذاجة سياسية عند البعض".
وأردف: "على سبيل المثال هناك تصريحات من قبلهم أنهم لن يقترعوا للرئيس بري وهذا حق لكل نائب، لكن في ظل نظام طائفي وقواعد ومعايير مذهبية تتحكم في المؤسسات على الأقل منذ 1943 حتى الآن، وعرفاً في جميع العهود رئيس مجلس النواب هو من الطائفة الشيعية، وفي حال تم انتخاب أي شخص من خارج هذه الطائفة ستكون له ارتدادات سلبية على مستوى الطائفة والبلاد".
وختم: "بعض النواب الجدد كالنائب مارك ضو (فاز بالمقعد الذي كان يشغله طلال أرسلان)، قال إنه يريد أن ينتخب رئيساً للمجلس من خارج الطائفة الشيعية، وهو في الوقت عينه فاز لأنه من الطائفة الدرزية، فلا يجوز اللعب على هذه التوازنات".
دورة مختلفة
بدوره رأى الكاتب والمحلل السياسي جورج العاقوري أن "انتخابات رئيس المجلس النيابي لهذه الدورة 2022 مختلفة عن سابقاتها منذ الطائف حتى اليوم، لأنه للمرة الأولى سيصل نبيه بري إلى الرئاسة بشق الأنفس، وبأصوات هزيلة، وهذا بحد ذاته مؤشر ورسالة".
وقال العاقوري لـ"العين الإخبارية": "مؤشر بأن النمط الذي كان قبل 17 أكتوبر انكسر، أي النمط المتعلق بتدوير الزوايا والتوافقات والمساوامات من جهة، وهو رسالة بأن التغيير لا بد أن يأتي ولا بد أن يخترق البيئة الشيعية كما خرق بيئات أخرى من جهة ثانية".
ويرى العاقوري أن "المسألة لم تعد تقتصر على أن الأصوات الهزيلة التي سينالها بري، والتي ستكون ضعيفة من خارج البيئة الشيعية، بل ترهلّ الأصوات يعود إلى الضربة التي تلقتها السرايا السياسية لحزب الله، كعدم وصول نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي وطلال أسلان وفيصل كرامي".
وتابع: "الرسالة الاعتراضية الأخرى ستكون بحجم الأوراق البيضاء التي تنهمر في الصندوق".
واستبعد العاقوري عملية عدم تأمين نصاب الجلسة، لأن أغلبية الكتل أبدت استعدادها للحضور بغض النظر عن التصويت.
وبرأي العاقوري أن الخلاف بين بري وباسيل هو خلاف ظاهري، وينتظم بحسب الاستراتيجية التي يحددها حزب الله، وقد رأينا ذلك من خلل التحالف الانتخابي بين الطرفين، أما المناوشات الكلامية لا تعدو كونها قنابل دخانية لشد عصب الفريقين.
وشدد على أنه في حال وصلنا إلى يوم الانتخابات ورأى حزب الله أنه لم يتم الأكثرية لبري فحتماً سيلزم باسيل بتأمينه أسوة بما حدث في عام 2018، عندما رفضت كتلة باسيل التصويت لبري لكنها غيرت رأيها في اللحظات الأخيرة ورفدته بعدد كبير من الأصوات تحت ستار ترك الخيار للنواب.
aXA6IDMuMTQuMjQ2LjUyIA== جزيرة ام اند امز