لبنان أمام امتحان كورونا الأصعب.. هل يتجه إلى السيناريو الإيطالي؟
بدأ لبنان، الخميس، إجراءات إغلاق عام أكثر تشددا تتضمن منع تجول تام لنحو أسبوعين، في محاولة للحد من معدلات الإصابات القياسية بكورونا.
ويشير المشهد داخل المستشفيات وخارجها، إلى أن لبنان بات أمام السيناريو الإيطالي في انتشار وباء كورونا، حيث ينتظر المرضى على الأرصفة، في الوقت الذي دخلت فيه البلاد، الخميس، الامتحان الصحي الأصعب في مرحلة جديدة من الإقفال التام علّها تخفّف عن عبء الطواقم الطبية وتؤدي إلى تراجع بسيط في الإصابات اليومية.
مئات الأسرّة في عشرات المستشفيات بمختلف المناطق امتلأت بالمرضى بينما ينتظر آخرون دورهم علّهم يحصلون على مكان ما داخل جدرانها ليعودوا إلى عائلاتهم سالمين، في مشهد يختصره رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاصم عراجي بالقول "نعم فقدنا السيطرة ونخشى من الأسوأ والسيناريو الإيطالي بات واقعا في لبنان".
والأربعاء، سجل عدّاد "كورونا" رقما غير مسبوق في عدد الوفيات، إذ أعلنت وزارة الصحة العامة في لبنان عن تسجيل 35 حالة وفاة خلال 24 ساعة و 4988 إصابة جديدة رفعت العدد التراكمي للحالات المثبتة إلى 231936 حالة.
ويوضح عراجي لـ "العين الإخبارية" قائلا إن "الفرق بين السيناريو الإيطالي وبين ما يحدث في لبنان حاليا هو أنه في إيطاليا انتشر الوباء في بداية انتشاره حول العالم، حيث كان الفيروس جديدا بالنسبة إلى الأطباء ولا يعرفون جيدا الأدوية التي يفترض اعتمادها بالعلاج فسجلت إيطاليا عددا كبيرا من الوفيات، أما في لبنان فالحمدلله أن عدد الوفيات لا يزال أقل بعدما بات يستخدم بعض الأدوية للعلاج".
وأضاف أن المشكلة تكمن في الارتفاع الكبير بعدد الإصابات في وقت امتلأت فيه غرف المستشفيات ولم تعد قادرة على استقبال المرضى الجدد، ما أدى إلى فقدان السيطرة على الوضع.
وفيما يعتبر عراجي أن الدولة والشعب أمام امتحان جدي هذه المرة مع بدء حالة الطوارئ الصحية الخميس والإقفال التام، يرى أن هذا القرار أتى متأخرا وكان يجب اتخاذه قبل ذلك بكثير، حيث أوصت لجنة الصحة النيابية بذلك مرات عدة وكانت ضد فتح البلاد خلال فترة الأعياد لكن ذلك لم يحدث وأدى إلى الفوضى وانتشار الوباء بحيث باتت تصاب عائلات بأكملها وهذا سببه التجمعات العائلية والسهرات التي أقيمت خلال الأعياد.
وأكد أنه إضافة إلى عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية فإن المشكلة الأساسية في لبنان تبقى في الزيارات العائلية.
وينتقد عراجي أيضا ما حصل في لبنان من زحام وتهافت الناس على شراء المواد الغذائية قبل الإقفال، ما قد يؤدي أيضا إلى نتائج عكسية قد تبدأ بالظهور بعد 15 يوما من الآن، مع تشديده على ضرورة عدم التراخي بعد انتهاء الإقفال والحرص على الانتقال إلى الفتح الجزئي وليس الكلي.
ويعتبر عراجي أن المشكلة في لبنان هي أن من يلتزم بالإجراءات يدفع ثمن عدم التزام غيره في وقت لا يزال هناك من يعتبر أن "كورونا" كذبة، بينما المرضى باتوا يموتون في منازلهم لعدم إمكانية توفر سرير في المستشفى لعلاجهم.
وحذّر في الوقت نفسه من وضع وواقع أكثر خطورة إذا لم يتم الالتزام بالإجراءات في فترة الإقفال التي تمتد على 11 يوما، "علنا نستطيع بدء السيطرة على الوضع لاسيما مع بدء وصول اللقاح إلى لبنان".
ويلفت إلى أنه وبعد تسجيل أكثر من 30 ألف إصابة في الأسبوع الأخير، من المتوقع أن يسجل ارتفاع في عدد الإصابات في الأسبوع المقبل، وهذا يشكل قلقا بالنسبة إلى القطاع الطبي والمستشفيات لا سيما وأن عددا كبيرا من الممرضين أصيبوا أيضا بكورونا أو أنهم في مرحلة الحجر الصحي بحيث بات الجهد يتركز على عدد لا يكفي الحاجة المطلوبة للعناية بالمرضى.
وهنا يلفت عراجي إلى أن هناك 90 مستشفى في لبنان معظمها في القطاع الخاص، تستقبل مرضى كورونا في وقت لا يزال عدد من المستشفيات يرفض أو يؤخر فتح أقسام للمصابين بالفيروس تحت تهديد وزارة الصحة باتخاذ إجراءات ضدها.
ولا تختلف مقارنة نقيب المستشفيات في لبنان هارون هارون عما يقوله عراجي، ويرى هارون في حديث مع "العين الإخبارية" أنه من الصعب التقدير كيف سيكون عليه الوضع بعد مرحلة الإقفال العام وعما إذا هذه الفترة كافية، مع تأكيده أنه كان يفضل أن يمتد الإقفال إلى ما لا يقل عن 3 أسابيع وعدم الاكتفاء بـ11 يوما.
ويؤكد هارون أن العبرة تبقى في التنفيذ، لا سيما وأن مراحل الإقفال السابقة لم تكن إجراءاتها متشددة، مع تأكيده كذلك أن الخطر الأكبر في لبنان هو التجمعات في المنازل التي تشكل أكثر الأماكن خطورة لانتقال العدوى بحيث أن التقاط أي فرد للفيروس سيؤدي إلى إصابة معظم أفراد العائلة.
واليوم مع وصول عدد الإصابات اليومي في لبنان إلى أكثر من 5 آلاف، يؤكد هارون أن المستشفيات تخطت قدرتها الاستيعابية وباتت غير قادرة على استقبال المزيد من المرضى.
وأضاف أن المسؤولية الأكبر تبقى، إضافة إلى الأجهزة المعنية بمراقبة الإجراءات، على المواطن اللبناني الذي عليه الالتزام وإلا وصلنا إلى مرحلة خطرة.
ويلفت هنا إلى أن عدد الأسرّة الخاصة بكورونا في المستشفيات تتوزع بين 800 غرفة عادية و580 عناية فائقة مع استبعاده أن يتم زيادتها في المرحلة المقبلة.
وكان وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن قال في حديث تلفزيوني إنّ أحد أهداف المرحلة المقبلة هو "تحويل كامل أقسام العناية في المستشفيات الحكومية إلى أقسام خاصة لعلاج مرضى كورونا"، على أن تزيد المستشفيات الخاصة من سعتها.
هذا في وقت لا تزال وزارة الصحة تناشد منذ بدء الأزمة المستشفيات الخاصة التي تشكّل أكثر من 80% من قطاع الاستشفاء في لبنان، المشاركة بشكل أكبر في تحمّل أعباء التصدي للفيروس، بينما تنتظر تلك المستشفيات دفع مستحقات مالية متأخرة لها منذ سنوات رافضة استقبال مصابي كورونا أو زيادة عدد الأسرة المخصصة لهم لديها.
وفيما تتجه الأنظار إلى ما ستكون عليه نتيجة هذه المرحلة من الإقفال، ينتظر اللبنانيون بدء وصول جرعات اللقاح إلى لبنان بعدما اعتبر البعض أن المعنيين تأخروا في تنفيذ الإجراءات المطلوبة.
وهنا يؤكد عراجي أن المسار القانوني للحصول على اللقاح بات منجزا عبر الاتجاه إلى إقرار القانون الخاص به يوم غد الجمعة في البرلمان.
وأكد "أن هذا القانون سيتيح للشركات الخاصة وليس فقط الدولة اللبنانية شراء اللقاح وسيفتح باب التفاوض مع كل الشركات من دون استثناء".
ويتوقع عراجي أن تبدأ وصول أولى دفعات اللقاء في شهر فبراير المقبل، لكنه يرى أنه إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها من المفترض أن يحصل حوالي 60% من الشعب اللبناني على اللقاح مع بداية العام 2022.
وكان المجلس الأعلى للدفاع أعلن إثر اجتماع استثنائي عقده الإثنين الماضي برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الرئاسي بحضور عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين، حالة "طوارئ صحية".
واتخذ سلسلة تدابير مشددة لأول مرة أهمها فرض حظر تجول بدءاً من صباح الخميس حتى 25 من الشهر الجاري، مع استثناءات تطال العاملين في القطاع الصحي ومرافق ومنشآت حيوية والعسكريين والصحفيين، على أن تغلق الشركات الخاصة وفروع المصارف والمؤسسات والمدارس أبوابها.
ونصت الإجراءات أيضا على تقليص حركة المسافرين في المطار، وفرض قيود على الوافدين من عدد من الدول كما منع دخول الوافدين عبر المعابر الحدودية البرية والبحرية، باستثناء العابرين ترانزيت.
وطلب المجلس من الوزراء المعنيين تشديد الإجراءات لـ"إلزام المستشفيات الخاصة باستحداث أسرّة عناية فائقة مُخصصة لمعالجة مرضى كورونا تحت طائلة الملاحقة القانونية والإدارية والقضائية".
aXA6IDE4LjExNi44MS4yNTUg جزيرة ام اند امز