الاحتمالات مخيفة للشعب اللبناني الصبور ولثورة شبابه ونضالهم من أجل إقامة دولة قائمة على العدل والإنصاف والقانون عابرة للطوائف
لبنان على حافة سقوط الدولة الوطنية وإعلانها دولة فاشلة في خلال النصف الأول من هذا العام، إن لم تحدث معجزة سماوية!
وحيث إننا في عصر لم تعد فيه المعجزات متوفرة وحاضرة في حياتنا فإن لبنان العزيز ذاهب إلى ثلاثية «الإفلاس المالي، الاضطرابات الاجتماعية، الصدامات الأمنية الدموية».
لا يوجد صراع سياسي حقيقي أو تناقض فكري في المضمون، لكن يوجد -بالفعل- صراع على السلطة بهدف الحصول على حصص في المال العام
هذه الثلاثية تؤدي تقليدياً إلى 3 احتمالات:
1 - حرب أهلية تبدأ ولا تنتهي، مثل: أفغانستان، الصومال، اليمن.
2 - أو تدخُّل قوى محلية مثل الجيش أو مليشيا بدعم شعبي لإعلان الأحكام العرفية وإقامة نظام جديد بالقوة المسلحة.
3 - تدخُّل قوة إقليمية عسكرياً أو قوات دولية بقرار أممي لفرض إرادة دولية على القوى المحلية.
إذن نحن أمام:
1 - الفراغ.
2 - أو الدماء.
3 - أو التدخل الخارجي.
كافة الاحتمالات مظلمة، مخيفة، ظالمة للشعب اللبناني الصبور ولثورة شبابه ونضالهم من أجل إقامة دولة قائمة على العدل والإنصاف والقانون عابرة للطوائف والأحزاب والعائلات المتوارثة للسلطة والمال والبلاد والعباد.
منذ عام 1943 يكتشف نادي الفساد السياسي والمالي العائلي الطائفي، الذي يمسك بالسلطة منذ إعلان الاستقلال حتى هذه اللحظة، أن هناك قوى تم تغييبها قهراً لمدة 80 عاماً هي «الناس».
الشعب في لبنان لم يكن أبداً حاضراً في قصور السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في البلاد.
حركة الإصلاح والفساد في اتجاهين متضادين، لذلك يقول الإمام محمد عبده: «الفساد يهبط من أعلى إلى أدنى، أما الإصلاح فيصعد من أدنى إلى أعلى».
الشعب لم يكن الموضوع الأول والأخير في مجلس الوزراء.
الشعب لم يكن ممثلاً في برلمان الشعب.
تم احتكار السلطة بالقهر والقوة والوعود الكاذبة والمماطلة، وشراء الوقت من قبَل الطبقة السياسية الحاكمة.
نادٍ من 5 آلاف لاعب ولاعبة من العائلات التقليدية يتقاسمون السلطة، ويتبعون نظام محاصصة الفساد، تحت شعارات حماية الطوائف والمناطق والأحزاب، بينما الحقيقة أن المسألة من بدايتها إلى نهايتها مسألة توزيع واقتسام خزانة الدولة ونهب المال العام.
لا يوجد صراع سياسي حقيقي أو تناقض فكري في المضمون، لكن يوجد -بالفعل- صراع على السلطة بهدف الحصول على حصص في المال العام.
تم نهب الأراضي المشاع ووضع اليد عليها من كبار العائلات، تم نهب مشروعات بالأمر المباشر، وحدثت عمليات سمسرة بالمليارات في سفن ومولدات كهرباء، والشراء المباشر للطاقة، ومنح موانئ خاصة على المتوسط وإعطاء امتيازات حصرية لطوائف في المحاجر والجمارك والمطارات والكسارات والأملاك البحرية.
كل شيء عام تمت استباحته مثل الصحة والاتصالات والأشغال العامة والغاز والسلاح والطائرات.
وتكوّن داخل هذا المجتمع تحالف مقدس وحديدي بين السلطة ورجال المال والمصارف والطوائف.
سلطة، مال، طوائف.. ثلاثية تعمل ليل نهار من أجل مص دماء الشعب الذي أصبح حلمه إيجاد ربطة خبز، وسرير علاج، ومقعد دراسي، وشربة ماء نظيفة، وعدة ساعات من التيار الكهربائي ومازوت وبنزين للسيارة والعمل.
الفساد في لبنان في الأرض والماء والهواء، مما يذكرنا بعبارة نجيب محفوظ: إننا نستنشق الفساد مع الهواء، فكيف نأمل في أن يخرج من المستقبل أمل حقيقي لنا؟!
وفي الوقت الذي تقدر معه ثروات لبنان المهربة للخارج القائمة على النهب والفساد بما يزيد على 250 مليار دولار أمريكي في 30 عاماً، أي بمعدل 8 مليارات دولار في العام أي نحو 750 مليون دولار -على الأقل- كل شهر، هناك من يناضل ليجد فرصة عمل أو أن يحصل على أدنى أجر ممكن في اليوم الواحد!
الصراع الآن واضح، والتناقض الآن رئيسي وحاد للغاية بين طرفين، طبقة سياسية حاكمة رافضة تماماً للاستجابة أو التغيير، وشارع شعبي كفر بها وقرر أن يموت في الشارع دفاعاً عن الحياة بدلاً من الموت من النهب والإهمال السلطوي.
هذه المعادلة ستنتهي -إن لم تحسم بقوى مرجحة أو غالبة- إلى الانفجار السياسي والصدام الدموي، الذي يؤدي حتماً إلى سقوط مشروع الدولة والقفز إلى المجهول المخيف.
اتضح الصراع المدمر المرير الآن: سلطة ترفض التغيير حتى الموت، وحركة احتجاج وغضب مستعدة لفعل أي شيء بعدما تساوت لديها الحياة مع الموت.
إنها نهاية لبنان كما كنا نعرفه دائماً.
نقلاً عن " الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة