عوائق الداخل وثقة الخارج.. الحريري أمام مهمة إنقاذ لبنان
يقف رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري على مفترق طريق في ظل أكبر أزمة يعيشها هذا البلد، بعد عودته للمنصب رغم استقالته قبل عام.
لكن الحريري، الذي تم تكليفه الأسبوع الماضي بعد استقالة حكومة حسان دياب، قرّر خوض هذه المغامرة واضعا أولويات أمام عينيه، ومدركا للتحديات والعوائق التي قد تواجهه من الداخل والخارج.
أما المستقيل دياب فقد فشل في تحقيق أي إنجاز، رغم الوعود الكبيرة وكذلك السفير مصطفى أديب الذي اعتذر عن استكمال مهمة تأليف الحكومة.
خارطة طريق
من هنا، فإن الحريري حدّد منذ اليوم الأول لتكليفه خارطة طريق، من حيث شكل حكومة الاختصاصيين المستقلين، وأولويات إنقاذ لبنان، عبر تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الواردة في المبادرة الفرنسية والعمل على إعادة إعمار بيروت.
يعني ذلك أن ينظر إلى تكليف الحريري كفرصة أخيرة من الممكن أن تخرج لبنان من أزمته، خاصة إذا نفّذ وعوده في تطبيق الإصلاحات التي لطالما طالب بها المجتمع الدولي وفرنسا مقابل تقديم مساعدات إلى لبنان، إذا لاقى تسهيلا وتعاونا من الفرقاء الآخرين.
والأربعاء، أعلن رئيس البرلمان نبيه بري، أن تأليف الحكومة سيكون خلال 4 أو 5 أيام إذا بقيت الأجواء إيجابية.
ومنذ أن بدأ مشاوراته السياسية، يحرص الحريري على إنجاز مهمته بالكتمان، باستثناء بعض المعلومات التي تسرب من هنا وهناك.
وقد أعلن إثر لقائه الأول مع رئيس الجمهورية ميشال عون بعد تكليفه أن المشاورات الحكومية إيجابية وهو الأمر نفسه الذي أعلنته الرئاسة دون الدخول في أي تفاصيل أخرى.
كما عقد بين اليوم والأمس لقاءان بعيدا عن الإعلام بين عون والحريري واكتفت رئاسة الجمهورية بوصف أجوائهما بالإيجابية.
أولويات وتحديات
وما بين هذا وذاك، جدد النائب السابق والقيادي في تيار المستقبل، مصطفى علوش، التأكيد على أن الأولويات بالنسبة للحريري هي إعادة إعمار بيروت، واستئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وبدء العمل بمخرجات مؤتمر سيدر الذي عقد في باريس عام 2018 ووعد بتقديم المساعدات للبنان، إضافة إلى إصلاح قطاع الكهرباء.
وفيما يتعلق بالتحديات، فإنه ورغم الأجواء الإيجابية التي يحرص الجميع على بثّها، قال علوش لـ"العين الإخبارية": "لا شك أنه ورغم إبداء الجميع حماسة واستعدادا للتعاون إنما الواقع السياسي في لبنان يؤكد أن الأمور ليست بهذه السهولة".
وتابع: "لا شك أن الشروط والشروط المضادة، من رفض المداورة بالوزارات بين الطوائف التي يشترطها الحريري، والتمسك بالوزارات، تحول حتى الساعة دون تشكيل الحكومة رغم الإيجابية التي يبديها الجميع".
وفيما لا تنتهي مهمة الحريري عند تشكيل الحكومة، لفت علوش إلى الخطوات الدستورية التي قد تشكل عوائق، إذ أن تشكيل الحكومة يتطلب توقيع رئاسة الجمهورية وثقة البرلمان بناء على البيان الوزاري.
وبالتالي فإن عدم رضا الرئيس عون والكتل النيابية الرئيسية على هذه التشكيلة قد يحول دون حصول الحكومة على الثقة، أي عرقلة مهمة الحريري.
ورغم الانتقادات التي توجه إلى الحريري خاصة بشأن توجه الأحزاب لتسمية وزراء غير حزبيين، أضاف علوش: "في النهاية هذا الواقع اللبناني حيث الديمقراطية المشوهة وحكومة كهذه أفضل من أن تأتي حكومة وتمنع من العمل".
ومضى في حديثه: "إذا شكل الحريري الحكومة يصبح لدينا أمل بالإنقاذ أما إذا حصل عكس ذلك فإننا ذاهبون إلى الانهيار الحتمي، وبالتالي هذه فرصة نأمل الاستفادة منها".
من جهته، أكد المحلل السياسي محمد نمر أن الحريري يعمل على تشكيل حكومة تنسجم مع الواقع اللبناني على مختلف الصعد ولا سيما انطلاقا مما فرضته الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وأضاف: "أول العوائق التي يمكن أن يواجهها هي وجود قوى سياسية في حالة انفصام عن الواقع وتريد العمل بأسلوب ما قبل 17 أكتوبر/تشرين الأول".
واستدرك: "لكن يبدو حتى اليوم أن الأجواء إيجابية خصوصا بعدما اعتمد الحريري أسلوب التكتم الشديد في عملية التشكيل كي لا تتحول إلى تراشق سياسي والطائفي، والتزامه بالدستور بالتنسيق مع رئيس الجمهورية".
ويرى أن "العنوان الذي وضعه الحريري هو حكومة اختصاصيين غير حزبيين، وبالتالي سيضع الأسماء التي تؤمن تشكيلة حكومية تستطيع تجاوز امتحان ثقة البرلمان لتبدأ رحلة عملها بناء على المبادرة الفرنسية، وبالتالي العمل على تفكيك ألغام طريق حكومته سواء نحو توقيع رئيس الجمهورية أو الحصول على ثقة النواب".
ونبه إلى أنه "بات مؤكدا أن نجاح فرض معادلة حكومة اختصاصيين من غير حزبيين، يعني غياب كل الطاقم القديم عنها وطبعا منهم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي فشل في إسقاط تكليف الحريري".
أما عن أولويات الحريري يعتقد نمر أنها "ترتكز على أمرين أساسيين هما وقف الانهيار وإعادة اعمار بيروت، والهدفان يحتاجان أيضا إلى وسيلتين، هما الإصلاحات والمصالحة مع المجتمعين العربي والدولي".
وتابع: "وبالتالي كل ذلك يحتاج من الطبقة السياسية الخروج من الأساليب القديمة والابتعاد عن عمليات التعطيل والأجندات الخارجية".
واستطرد: "على التيار الوطني الحر مثلا التوقف عن العمل وفق حسابات طائفية ورئاسية والتفكير بكيفية إنقاذ لبنان، وعلى حزب الله أن يبتعد عن الأجندة الإيرانية والخروج من الدول العربية والتفكير بمصلحة لبنان، وعلى القوى الأخرى لجم أطماعها القائمة على المحاصصة".
وأشار إلى أن "كل ذلك الهدف منه هو وقف الانهيار وإنقاذ لبنان وإدارة مرحلته الصعبة"، لافتاً إلى أنه "إذا تمت عرقلة مهمة الحريري، فإن ذلك يعني أن على الجمهورية السلام، ولبنان سيواصل حينها غرقه إلى القاع حيث لن يستطيع أحد انتشاله".