حزب الله 2020.. هيمنة على الخراب تفاقم أزمة لبنان
يهيمن على مفاصل الدولة اللبنانية، وينخر أعمدتها مراهنا على أقصى درجات الخراب خدمة لأجندة إيران الخبيثة.
حزب الله؛ المليشيا التي تغلغلت في دوائر القرار ببلد ينهار تحت أقدامها، وسط سلسلة من الأزمات المدمرة التي أسقطت عنها البروباجاندا (الدعاية) الكاذبة، لكن فاقمت – في المقابل- من نكبات بلد يغرق تحت وطأة اقتصاد ينهار ووضع طائفي هش.
هيمنة على الخراب
منذ 2005، آثرت المليشيا، عقب استشهاد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، الدخول في الحكومات بعد ما كانت ترفض ذلك سابقا، بعلة أنه حزب مقاوم ولا يتدخل في الشؤون الداخلية.
وحتى بعد دخوله الحكومات، كانت مشاركته تقتصر على الوزارات غير الأساسية وغالباً ما كانت وزارات دولة أو غير سيادية، مبرراً ذلك بالخوف على وجوده، باعتبار أن رئيس الحكومة وأغلبية القوى السياسية معادية له، زاعما أن التواجد في الحكومة يستهدف الوقوف بوجه قرارات يمكن أن تؤثر على "عمله المقاوم".
ذرائع سرعان ما فندتها الأجندة الحقيقية للمليشيا، وذلك عقب فوزه -مع حلفائه في "التيار الوطني الحر- بالانتخابات النيابية الأخيرة التي شهدها لبنان.
وتزامن ذلك مع تنامي الحصار على إيران وشح التمويل المادي، لتتغير مرة أخرى استراتيجية الحزب، فطالب بالاشتراك بالحكومة على أساس حصة وازنة بوزارات خدماتية تجيّر خدماتها لجمهوره، بعدما كان يتبجح بعدم عوزه للدولة وأمولها.
وبتجسيد مخططها، باتت المليشيا متحكمة بمفاصل القرار اللبناني، بحكم السلاح وقوة الأمر الواقع، وبات شريكاً في المغانم السلطوية على مستوى الخدمات والمحاصصات الحزبية والطائفية الضيقة، في مسار استكمله في 2020.
عام عبث فيه حزب الله بقوت اللبنانيين وأمنهم، منتعشا من سقوط حكومة سعد الحريري على وقع انتفاضة 2019، لكنه لم يخل أيضا من نكبات ضربت المليشيا وأسقطت عنها قناعها الزائف، من ذلك الاحتجاجات المطالبة بإسقاط الطبقة الحاكمة، ثم انفجار مرفأ بيروت، علاوة على ورطة العقوبات ومفاوضات الترسيم مع إسرائيل.
لبنان ينفلت
في 22 يناير/ كانون ثان الماضي، أعلن رئيس الوزراء المكلف حينها، حسان دياب تشكيل حكومة "اختصاصيين"، ولكن في الواقع لم تكن كذلك، بل حكومة "حزب الله" الذي كان الميسّر والمدبر الأساسي، خصوصاً أن تلك التشكيلة جاءت في ظل انتفاضة شعبية متوهجة، وانكفاء جميع القوى المعارضة للحزب والتي كانت تعرف بـ "قوى 14 آذار" عن المشاركة فيها.
كان "حزب الله" يطرح، عبر مندوبه مساعد أمينه العام حسين الخليل، الأسماء ويقدّم التسويات التي ترضي حلفاءه، ويستبدل الحقائب الوزارية والأسماء، حتى نجح في النهاية في إخراج تشكيلة احتفظ فيها بوزارتي الصحة والصناعة، فيما حصل حليفه رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل، نبيه بري، على وزارات المال والزراعة والثقافة.
لكن محاولة تغليف هذه الحكومة بغطاء الاختصاصيين غير الحزبيين لم تنطل على اللبنانيين ولا على المجتمع الدولي الذي رفض التعامل معها، في وقت كان لبنان في أحوج أيامه إلى مساعدة دولية للخروج من أزمة اقتصادية خانقة تعتبر الأقسى في تاريخه.
غير أن استمرار سيطرة المليشيا على الحكومة، أدت إلى استمرار المقاطعة وبالتالي تعميق الأزمة اللبنانية ومفاقمة الانهيار.
وكان لتوّلي "حزب الله" وزارة الصحة أيضاً نتائج كارثية على الشعب اللبناني، خصوصاً في ظل جائحة كورونا التي ضربت البلاد كما دول العالم، ذلك أن تولي وزير من حزب الله مهام وزارة الصحة، جعل المنظمات العالمية تتعامل معها، ما أجبر بيروت على التوجه نحو المنظمات غير الحكومية لتقديم المساعدات الصحية والمالية التي كانت الدولة بحاجة ماسة اليها في ظل الجائحة.
وكانت السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا حاسمة في هذا الإطار، حيث قالت إن الولايات المتحدة لم تدعم حكومة حسان دياب لأن حزب الله هو الذي شكّلها.
لكنها وقفت إلى جانب الشعب اللبناني، ولفتت إلى أن شرط واشنطن لمساعدة لبنان في مواجهة كورونا هو الابتعاد عن وزارة الصحة بسبب قرب وزيرها من حزب الله من جهة، والتعامل مع مؤسسات صديقة وموثوق فيها من جهة أخرى.
سقوط "البروباجاندا"
رغم الانهيارات، أصر حزب الله وحكومته على الاستمرار، قبل أن يسدد له انفجار مرفأ بيروت، في 4 أغسطس/ آب الماضي، الضربة القاضية.
فشلت المليشيا في الوقوف أمام مد الغضب الشعبي، والهيمنة التي كان يتبجح بها باتت نقمة عليه أمام جسامة مسؤولية الكارثة.
انفجار المرفأ وسقوط الحكومة تطلب تدخلا دوليا سريعا، ترجم بزيارتين قام بهما الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وطرح مبادرة تقضي بتشكيل حكومة حيادية تنفذ إصلاحات اقتصادية وسياسية يطلبها المجتمع الدولي لمساعدة لبنان.
واجتمع ماكرون بالقوى السياسية التي وافقت على مبادرته، وهو ما ترجم في المرحلة الأولى بتكليف سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب بتشكيل الحكومة في 31 أغسطس.
لكن حزب الله عاد وانقلب على المبادرة عبر فرض شروط على الرئيس المكلف لا تتوافق مع معايير المبادرة، وتصلّب في موقفه عبر الإصرار على وزارة المال لشخصية مقربة منه ومن رئيس مجلس النواب، إضافة إلى مطالبته بتسمية أربع وزارات دون مشاركة أحد، وهو ما دفع أديب إلى الاعتذار عن تشكيل الحكومة في 26 سبتمبر/ أيلول.
واستمر "حزب الله" بفرض سيطرته وعرقلته لأي حل لا يرضيه على مستوى تشكيل الحكومة، إذ ورغم الاتفاق بين أغلب القوى السياسية على تسمية سعد الحريري، والاتفاق المبدئي معه، إلا أن المليشيا لم تسمه.
وبعد تكليف الحريري في 22 أكتوبر/ تشرين أول الماضي بتشكيل الحكومة وقبول الحريري بإبقاء وزارة المال مع مقربين منه، لا يزال حزب الله يلعب دوراً سلبياً بوقوفه إلى جانب حليفه جبران باسيل.
ويلعب باسيل دورا أساسيا في عرقلة تشكيل حكومة الحريري، لا سيما بعد فرض العقوبات الأمريكية عليه لأسباب مرتبطة بالفساد وبتحالفه مع حزب الله، عبر طلبه الحصول على الثلث المعطل في الحكومة (سبعة وزراء) منفرداً، ما يعطل تشكيلها حتى الساعة.
تعطيل متعمد يأتي في وقت يحتاج فيه لبنان – أكثر من أي وقت مضى- حكومة تقوم بإصلاحات تفتح الأبواب أمام المساعدات الدولية وتدخل صندوق النقد الدولي، ما أظهر الوجه القبيح لمليشيا كانت حتى وقت قريب ترتدي أكثر من قناع لاستقطاب التأييد الشعبي، قبل أن تسقط إحداثيات الواقع جميع عناوينها الكاذبة والبروباجاندا الزائفة.