حزب الله وإسرائيل.. هل يمتلك «لبنان المنهك» نَفَس التحضير لحرب؟
بعد كل قصف إسرائيلي على جنوب لبنان تهرع فرق الدفاع المدني بآليات وإمكانات محدودة تختزل تهالك مؤسسات الدولة جراء انهيار اقتصادي مزمن.
وتشهد المنطقة الحدودية تبادلاً للقصف خصوصاً بين حزب الله وإسرائيل منذ شنّ حركة حماس في السابع من الشهر الحالي هجوماً غير مسبوق على إسرائيل التي ترد بقصف مركز على قطاع غزة المحاصر.
ويقول رئيس مركز النبطية (جنوب) الإقليمي في الدفاع المدني، حسين فقيه، الذي يشرف على 21 مركزاً محلياً، لوكالة فرانس برس: "منذ أن بدأ القصف نتدخل في عمليات الإطفاء والإنقاذ والإسعاف بصعوبة، كون إمكاناتنا على غرار أي إدارة موجودة في الدولة اللبنانية، متواضعة جداً".
ومنذ عام 2019، يعاني لبنان من أزمات متتالية: انهيار اقتصادي إضافة إلى جائحة كورونا، مرورا بانفجار مرفأ بيروت الذي دمّر نصف العاصمة، وصولاً إلى شلل سياسي ينعكس شغوراً في سدة رئاسة الجمهورية منذ عام، وتعطيل لمؤسسات الدولة.
ويخشى كثيرون عدم قدرة الدولة اللبنانية على مواجهة أعباء توسع الحرب، ويقوم السكان بالتموّن بمواد غذائية وأدوية ومحروقات أو يبحثون عن منازل للإيجار بعيداً عن مناطق قد تتحول لاحقاً إلى ساحة قتال أو هدفاً للقصف والغارات كما حصل في حروب سابقة بين حزب الله وإسرائيل.
«سنصبح أضعف»
وينبّه فقيه "إلى أن إمكاناتنا المتواضعة، في ظل الأوضاع الراهنة، تكفينا، لكن إن تطورت أكثر، فستصبح أضعف بكثير ولن نكون قادرين على تلبية كل المهام".
ويقول "نحتاج إلى تجديد أسطولنا ومعداتنا، فالآليات الموجودة في مراكزنا تعمل لكن لا نعرف متى تتوقف (..)، إذ إن عمر أقل سيارة نحو 30 عاماً".
وفي غياب الصيانة الضرورية، يخشى فقيه وعناصره من أن تطرأ أعطال على الآليات، سواء شاحنات الإطفاء أو سيارات الإسعاف أو الجرافات.
ويوضح "حتى إذا أصاب ثقب عجلة السيارة، لا يمكن أن نأتي بعجلة أخرى".
ولا تقتصر المعاناة على الصيانة فحسب، بل تشمل أيضاً مسألة توفير المياه لإطفاء الحرائق التي اشتعلت مراراً جراء القصف الإسرائيلي في المنطقة الحدودية الغنية بالأحراج وحقول الزيتون.
وتعتمد فرق الدفاع المدني بشكل أساسي على الآبار الارتوازية لضخّ المياه الى عرباتها، لكن مع الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، لم يعد ذلك الخيار متوفراً بسهولة.
ويحذّر أنيس عبلة، رئيس مركز مرجعيون التابع لمركز النبطية الإقليمي، من أن تندلع الحرب من دون أن تتمكن فرق الإنقاذ من "تأمين المياه للآليات، أو حتى الاحتياجات الأساسية كالغذاء للعناصر".
ويشكو عبلة من غياب معدات الحماية الرئيسية لعناصره مثل الدروع والخوذ، ويقول "نحن خط الدفاع الأول، ورغم ذلك ليس لدينا ما نحمي به أنفسنا لنساعد الناس".
دولة غير جاهزة
أسفر التصعيد عبر الحدود عن مقتل 62 شخصاً، بينهم 47 مقاتلاً من حزب الله، إضافة إلى مقاتلين من فصائل فلسطينية وأربعة مدنيين بينهم مصور في وكالة أنباء رويترز. وقُتل أربعة أشخاص على الأقل في الجانب الإسرائيلي.
كما دفع بنحو 29 ألف شخص للنزوح، وفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، خصوصاً من جنوب لبنان أو من بيروت وضواحيها خشية توسّع الحرب إلى تلك المناطق كما حصل في حرب يوليو/ تموز عام 2006.
وفي حاصبيا، لم يكن أمام البلدية سوى تحويل مبنى قيد الإنشاء كان يفترض أن يصبح فندقاً وسط أشجار الصنوبر، إلى مركز لإيواء 150 نازحاً. ولولا مساعدات ودعم تتلقاه من منظمات غير حكومية ومغتربين، لما كانت قادرة على توفير احتياجاتهم الرئيسية.
ويقول رئيس بلدية حاصبيا لبيب الحمرا الذي يشرف على خمسة مراكز لإيواء النازحين، لفرانس برس، إن "أكبر مخاوفي أن تتكرر تجربة العام 2006"، مستدركا "سيكون اليوم أسوأ".
ويضيف "الدولة اللبنانية اليوم، لا البلديات فقط، غير مؤهلة لمواجهة كارثة من هذا النوع على الصعيد الوطني".
ووضعت الحكومة خطة طوارئ في حال تمدّد الحرب إلى لبنان. ولو أن الإعلان عن هذه الخطة أثار سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بين المواطنين الذين لا يثقون بالدولة.
وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الاثنين لفرانس برس أنه يقوم بما في وسعه "لأن تكون الدولة وأجهزتها المتواضعة حاضرة" لتوفير احتياجات المواطنين.
"دولة ماتت"
جراء الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة، يعيش معظم السكان تحت خط الفقر وهم غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية على وقع ارتفاع هائل في أسعار المواد الأساسية ومنها المحروقات.
وباتت مرافق الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات، فيما يرزح القطاع الصحي الذي يشكل العمود الفقري لأي خطة استجابة في زمن الحرب، تحت أعباء النقص في التجهيزات وحتى الطواقم بعدما اختار أطباء وممرضون الهجرة بعيداً عن الانهيار الاقتصادي والفساد والأزمات المتلاحقة.
ويقول وزير الصحة فراس أبيض لفرانس برس "في العام 2006، لم تكن لدينا أزمة دواء أو معدات طبية، ولم تكن لدينا هجرة أدمغة في القطاع الطبي أو أزمة اقتصادية خانقة".
وتحتاج وزارة الصحة وحدها بين 30 و40 مليون دولار لخطة الطوارئ الخاصة بها، وفق أبيض الذي يقول إن "لبنان يفعل ما بوسعه لزيادة مستوى الجهوزية" برغم الصعوبات.
إلا أن طمأنة المسؤولين لا تشفي غليل لبنانيين منهكين لا يثقون بطبقة سياسية يحملونها مسؤولية الانهيار الاقتصادي.
ويقول علي عواضة (74 عاماً) الذي نزح خلال حياته مرات عدة من قريته الجنوبية الخيام خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان ثم حرب العام 2006، من غرفة متواضعة في مركز إيواء في حاصبيا: "دولتنا انهارت وماتت وما من اقتصاد".
ويضيف "اليوم أسوأ توقيت (...) فنحن غير قادرين حتى على شراء الخبز".
aXA6IDE4LjExNy4xMDYuMjMg
جزيرة ام اند امز