81 عاما على الاستقلال.. لبنان بانتظار «المخاض الثالث»
من تحت ركام مدنه وقراه، تطل الذكرى الـ81 لاستقلال لبنان في عيد يمتزج بمرارة حرب يأمل الشعب في نهايتها بالمخاض الثالث وولادة لبنان الجديد.
حرب أشعلها حزب الله بجر لبنان إلى مواجهة مدمرة راكمت حملا ثقيلا من أزماته الخانقة في ظل أزمة سياسية حادة وأخرى اقتصادية غير مسبوقة.
لم تكن أوجاع لبنان المفتوحة لتتحمل ذر ملح الحرب عليها، وسط محن يكابدها واستنزفت سنوات من عمر استقراره وسلامه الداخلي، ولذلك جاءت مناوشات الحزب مع إسرائيل لتحيي الجراح وتفتح جبهة أوجاع جديدة كان في أشد الغنى عنها.
نال لبنان استقلاله عن الانتداب الفرنسي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1943، لكن الاضطرابات السياسية والأمنية لطالما عكرت صفو عصره الذهبي لتدفع ذلك البلد العربي الواقع عند الساحل الشرقي للبحر المتوسط نحو رمال متحركة تكاد تبتلعه.
في المرة الأولى، دخل لبنان زمن الاضطرابات جراء التجاذبات بفعل تداعيات القضية الفلسطينية، فاستعرت حلبة انقسام عنيفة بين يسار يتبنى رؤية أن يكون لبنان منطلقا لـ«الكفاح المسلح» لتحرير فلسطين، وبين يمين متشدد رافض لتحويل البلاد لساحة صراع إقليمي.
اضطرابات دفعت بلبنان، عام 1975، في أتون حرب أهلية لم تضع أوزارها إلا باتفاق الطائف الذي أسكت المدافع في 1990 ورسم خارطة طريق الاستقلال الثاني.
لكن حتى الاستقلال الثاني تأجل ليلوح بعد 15 عاما عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
غير أن حتى هذه المرحلة لم تمنح لبنان سلامه المنشود، حيث تأججت الانقسامات وظهرت أخرى جديدة في مقدمتها سلاح حزب الله، المعضلة التي عاقت المسار نحو الاستقلال الحقيقي.
رغم الحرب
رغم سواد الحرب والدمار المنبعث من كل شبر في لبنان، فإن «اللبنانيين مصرون على إحياء ذكرى استقلالهم».
هذا ما أكده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالقول في تصريحات أدلى بها أمس الخميس من مقر وزارة الدفاع، إن اللبنانيين «مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم، لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة والوحدة الوطنية، وبما تبعث في نفوسهم من رجاء بغد أفضل».
وبحسب ما نقلت عنه الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، أضاف أن «الجيش الذي يستعد لتعزيز حضوره في الجنوب، يقدم التضحيات من أرواح ضباطه وعناصره ذودا عن أرض الوطن وسيادته واستقلاله، معززا بثقة اللبنانيين بأنه الأمل والمرتجى».
وبعد تبادل القصف مع حزب الله مدة عام تقريبا، بدأت إسرائيل منذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي، حملة جوية واسعة تستهدف خصوصا معاقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها.
وأعلنت تل أبيب منذ نهاية الشهر نفسه بدء عمليات توغل بري في جنوب لبنان.
وأحصى لبنان مقتل 3583 شخصا على الأقل بنيران إسرائيلية منذ بدء حزب الله وإسرائيل تبادل القصف في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على وقع الحرب في غزة.
أزمة شغور
قبل الحرب، لم تكن يوميات لبنان هادئة بنسبة كبيرة، على الأقل في أروقة السياسة وكواليس الاقتصاد، حيث سقطت البلاد في جب الفراغ الرئاسي.
لكن ورغم معاناتهم، كان اللبنانيون قادرين على الأقل ممارسة حياتهم اليومية دون خوف من قصف أو صاروخ، ودون تحمل وجع الفقدان واليتم والهلع.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول 2022، فشل البرلمان اللبناني في العديد من الجلسات في انتخاب رئيس جديد للبلاد.
ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي يقع فيها لبنان بفخ الفراغ، حيث طبعت نهايات معظم العهود بالصراعات والفراغات، في نزاعات كان معظمها ينتهي بتسويات داخلية أو خارجية تؤدي لانتخاب رئيس جديد.
فعلى مدى 81 عاما منذ إعلان استقلاله عن فرنسا، لم تنتقل السلطة في لبنان من رئيس إلى آخر في سياق انتخابات طبيعية، إلا خلال عهدين فقط من أصل 13.
خيبة حزب الله
معاقله فجرت بيروت، خصوصا ضاحيتها الجنوبية، هناك حيث تحولت الشوارع إلى ركام تنبعث منه رائحة الموت والتشرد، ودمرت ملامح المدن والقرى في الشرق.
ومع أن حزب الله بات اليوم مرتبكا أمنيا ويعتريه الضعف سياسيا وتنظيميا، إلا أنه يراهن على ما يبدو، وفق مراقبين، على تكتيك حرب استنزاف طويلة المدى ترهق إسرائيل وتضطرها للانسحاب.
لكن ما حصل على الأرض خيّب -ولا يزال- حسابات الحزب وآماله، خصوصا بعد خسارته لمعظم قيادات الصفين الأول والثاني، ما يجعله منهكا تنظيميا عاجزا عن لملمة شتاته.
وما يحصل حاليا ليس سوى محاولة يائسة من الحزب اللعب على وتر تفنيد الحقائق عبر استعراض ميداني ضعيف إجمالا، في تكتيك يعكس صدمة تلقتها الجماعة التي لم تكن تضع في حساباتها الحرب المفتوحة.
كما أن أمل الحزب في أن يقود الضغط الأمريكي نحو إرساء قواعد لاتفاق أو تفاهم لوقف إطلاق النار تبخر في ظل توازنات على الأرض تشي بحجم الضربات والخسارات التي تكبدها، ما يضعف وزنه وشروطه في أي مسودة اتفاق محتملة.
لكن، وفي ظل حسابات الربح والخسارة، يُسقط الحزب بندا بالغ الأهمية وهو معاناة السكان من حرب لم يختاروها، بل فرضت عليهم، وكانوا هم أول من يدفع فاتورتها من دمائهم وسلامهم.
فبأي حال يعود عيد الاستقلال في لبنان؟