عظات عيد الميلاد في لبنان.. عاصفة انتقادات تضرب السياسيين
اختفت عبارات التهنئة، وتحولت رسائل وعظات عيد الميلاد المجيد لدى الطوائف المسيحية المختلفة في لبنان، إلى هجوم حاد على الطبقة الحاكمة والفرقاء السياسيين.
هذا الهجوم الضار جاء بسبب تعطيل النخب الحاكمة انتخاب رئيس جديد للبلاد، دون أي بوادر حل يلوح في الأفق لانتهاء أزمة كاسحة لها تداعياتها السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وفق مراقبين.
وحملت رسائل وعظات عيد الميلاد مضامين سياسية وتحذيرية من "وجود مخطط ضد لبنان لإحداث فراغ رئاسي معقود على فراغ دستوري، بسبب "عقم أفكار السياسيين وأفعالهم"، إضافة إلى "مآرب شخصية وطائفية وخارجية".
ومنذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعيش لبنان فراغا رئاسيا عقب انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، ومنذ ذلك التاريخ فشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب خليفة لعون على مدار 10 جلسات عقدها لهذا الغرض.
وبدأ هذا الفراغ في الانسحاب شيئا فشيئا على مؤسسات وأجهزة البلاد التنفيذية.
وعقب استقالة حكومة نجيب ميقاتي إبان انتخابات برلمانية في مايو/أيار الماضي، حالت الخلافات السياسية في لبنان دون تشكيل حكومة جديدة برئاسته، بعدما كلفه البرلمان مجددا بهذه المهمة.
وفي عظة عيد الميلاد من الصرح البطريركي في بكركي، أشار البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى أن: "الكبرياء يمنع السياسيين من التلاقي والتحاور من أجل الخروج من أزمة انتخاب رئيس، فيما أنين الشعب الجائع والمقهور لا يبلغ آذان قلوبهم وضمائرهم".، سائلاً: "أين هم من وجه الرحمة الذي انكشف لنا في الميلاد؟".
ووجه حديثه للسياسيين، قائلا : "ليكفوا عن تعطيل انتخاب رئيس لكي تعود الحياة الطبيعية إلى المؤسسات الدستورية، وتخرج البلاد من أزماتها القاتلة الاقتصادية والمالية، والشعب من فقره وحرمانه وقهره".
وفي رسالة الميلاد، لفت البطريرك الماروني إلى أن:"شعبنا يعيش مضايق من كل نوع مادية ومعنوية وروحية وجوع وفقر وحرمان ومضايقات وابتزاز واضطهاد وحزن وقلق واستضعاف".
وأردف : "يحرمون دولتنا من رئيس من أجل مآرب شخصية وطائفية وخارجية ما يدعونا إلى الصمود بالرجاء".
وزاد : "كل المعطيات السياسية تؤكد وجود مخطط ضد لبنان لإحداث فراغ رئاسي معقود على فراغ دستوري".
ورأى "الراعي" أن "لا أولوية سوى انتخاب رئيس، ولا توجد دولة في العالم دون رئيس، والبطريركية المارونية مصمّمة على مواصلة نضالها في لبنان والمجتمع الدولي من أجل تسريع الاستحقاق الرئاسي".
وأكد متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، في عظة الأحد، أن "الحكم نزاهة وترفع واهتمام بشؤون الناس الصغيرة قبل الكبيرة، والسياسة البعيدة عن الفضائل مصيبة على المجتمع، لذا يرزح مجتمعنا تحت ثقل عقم أفكار السياسيين وأفعالهم".
وتابع : لقد طال انتظار شعبنا عودة العزة والسيادة والكرامة والحياة الهانئة فإذا بهم يعاينون كافة أشكال الذل والفقر والاستهانة بحقوقهم والتعدي على الكرامات وعلى الأملاك الخاصة والعامة، وعلى القريب والغريب، وعلى الدستور والقوانين، حتى يئسوا وملوا وخاب ظنهم بكافة المسؤولين، بمن فيهم النواب الذين انتخبوهم".
وأضاف: "ما عادوا الناس تتوقع إتمام انتخاب رئيس، وما عادوا ينتظرون جلسات الخميس الهزلية العقيمة، حتى العيد لم يعد مصدر فرح بسبب الضائقة المالية، وقصر ذات اليد وانهيار سعر الليرة".
وهاجم المطران عودة، طبقة السياسيين، قائلا "أما الطبقة السياسية المفروض أن تكون من النخبة التي تحسن إدارة البلاد ومعالجة الأزمات واتخاذ القرارات الصائبة، وأن تكون قدوة للمواطنين، فقد أصبحت لعنة عليهم، تكتفي بمشاهدة معاناتهم.. هل من يفكر بالعائلات المحرومة أدنى سبل الحياة، وبالأطفال الجياع، والمرضى بلا دواء، والمسجونين بلا محاكمة والحزانى والأيتام؟".
ووجه عدد من التساؤلات ، قائلا : "إلى متى السكوت عن تعطيل الدولة، والاستخفاف بالواجبات وقهر الناس؟، إلى متى التغاضي عن التجاوزات والتساهل مع التعدي على صلاحيات الدولة، والصمت عن السلاح المنتشر، وعن كل جريمة ترتكب؟ هل هكذا تبنى الأوطان وتحصن؟".
وواصل : "إلى متى نسكت عن شريعة الغاب تعم، وكل ينفذ مخططه؟، وإلى متى التآمر على التحقيق في جريمة المرفأ، وتهريب الحقيقة منعاً للعدالة؟ ".
ونوه : "صلاتنا في هذا العيد المبارك أن ينعم الله على الجميع بسلامه، وبرحمته ونعمه، وأن يغرس الصبر والرجاء في قلوب أبناء شعبنا الحبيب، وينير أذهان المسؤولين ويحيي ما تبقى من ضمائر، حتى نصل جميعنا معًا إلى الخلاص المرتجى، في هذا الدهر، وفي الآتي".
كما وجه بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان، رسالة عيد الميلاد، والتي جاءت بعنوان "الله الكلمة يتجسد في عائلة"، تناول فيها الأوضاع العامة في لبنان وبلاد الشرق الأوسط والعالم.
وقال يونان: "في لبنان، وكأنما التاريخ يعيد نفسه عند كل استحقاق رئاسي، إذ يتكرر تعطيل انتخاب الرئيس تحت حجج ومبررات واهية وغير مقنعة، ولا تزال تسبب مزيدا من الدمار في هيكلية الدولة، وإضعافا للمؤسسات، وإحباطا لثقة المواطنين، لا سيما فئة الشباب".
وتابع:"شجعنا اللبنانيين على المشاركة في الانتخابات النيابية والمساهمة في تغيير الطبقة الحاكمة ، يضيف - يونان - نبهنا من مغبة عدم انتخاب الرئيس في المواعيد الدستورية، غير أن الطبقة السياسية ذاتها التي عطلت الانتخاب سابقا تعاود الكرة اليوم، طمعا بالتسلط.
وزاد في هجومه، قائلا : "هذه الفئة المتسلطة هي غير آبهة بعذابات المواطنين ومآسيهم، ولا بالأزمة الاقتصادية المخيفة، ولا بالتدهور الجنوني في سعر صرف الليرة اللبنانية، فضلا عن استمرار حجز أموال المودعين في المصارف، دون أي بوادر حل يلوح في الأفق لانتهاء هذه الأزمة مع كل تداعياتها الاجتماعية والسياسية والتربوية.
وأضاف أن لبنان، أمس الحضارة، لبنان المدرسة والجامعة والمستشفى، بات اليوم لبنان الظلام والفقر والهجرة، مهددا بوجوده"، وفقا ليونان، الذي شدد على أنه "ما لم يرعو الذين يتولون المسؤولية فيه (لبنان) ويتوقفوا عن تعطيل الحياة السياسية، وعن حماية الفاسدين والسارقين، فسيحاسبهم شعبهم بجرم الخيانة العظمى، وسينبذهم التاريخ".
aXA6IDMuMTM1LjE5MC4yNDQg جزيرة ام اند امز