خبراء لـ«العين الإخبارية»: انتخابات البلديات بلبنان تختبر توازن القوى بعد الحرب

على أعتاب مرحلة جديدة ومحورية، يقف لبنان استعدادا لبدء الانتخابات البلدية والاختيارية التي تنطلق غدا الأحد.
انتخابات تمتد على أربع مراحل، إذ تبدأ من محافظة جبل لبنان، وسط تحديات أمنية وسياسية واقتصادية.
ذلك الاستحقاق الدستوري الذي يُجرى بعد غياب 9 سنوات، توافق خبراء ونواب وقيادات حزبية لبنانية في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، على "أهميته البالغة"، كونه "الاستحقاق الديمقراطي الأول" في عهد الرئيس جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، فضلا عن الغياب الجزئي لحزب الله.
وذهب الخبراء، إلى أن الانتخابات البلدية ليست مجرد "استحقاق عادي"، بل اختبار فعلي شامل للطبيعة السياسية والاجتماعية للبنان بعد الحرب، وحجم توازنات القوى في البلاد، خاصة في البلدات الكبرى.
وأشاروا إلى أن الاستحقاق الانتخابي سيكشف التأثير الفعلي لحزب الله على الأرض، بعد الضربات العسكرية التي تلقاها من إسرائيل، وسيختبر مدى قدرة الحزب على تعبئة ناخبيه في ظل الظروف الراهنة.
وتجرى الانتخابات البلدية في لبنان بشكل دوري كل 6 سنوات، ويبلغ عدد البلديات في البلاد 1039 بلدية موزعة على 8 محافظات.
وجرت آخر انتخابات بلدية في عام 2016، وكان موعد استحقاقها الدستوري في 2022، لكن تم تأجيلها عاما بعد آخر، حتى إعلان إجرائها غدا.
وجرى التأجيل في الأعوام الماضية لأسباب مالية وأمنية وسياسية وتشريعية ولوجستية، أو بسبب الظروف الاستثنائية الناتجة عن الحرب بين لبنان وإسرائيل.
اختبار لحجم التوازنات
ووصف الباحث والمحلل السياسي اللبناني طارق أبوزينب، انتخابات البلديات بـ"الحدث بالغ الأهمية"، خاصة في هذه المرحلة الحساسة عقب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.
ويرى أبوزينب، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "هذه الانتخابات ليست مجرد استحقاق إداري محلي، بل اختبار شامل للطبيعة السياسية والاجتماعية للبنان بعد الحرب".
وأوضح أن "الانتخابات سوف تشكل اختبارًا فعليًا لطبيعة التوازنات في لبنان بعد الحرب، حيث تسعى القوى السياسية إلى استغلالها لقياس شعبيتها، وتأكيد حضورها على الساحة، في ظل تغيرات طرأت نتيجة الحرب وتبعاتها".
كما يُنظر إلى الانتخابات، بحسب أبوزينب، على أنها فرصة لإعادة ترتيب التحالفات بين القوى المختلفة، سواء تلك التي تنتمي إلى محور إيران، أو التي تنتمي إلى المحور السيادي اللبناني، في ظل وجود رئاسة جديدة وحكومة حديثة التشكيل.
التحديات
لكن تنظيم هذه الانتخابات البلدية، لا يخلو من تحديات أمنية وسياسية واقتصادية.
وقال أبوزينب إنه، على المستوى السياسي، يبرز الاستقطاب الحاد الذي تعيشه البلاد كأحد أكبر التحديات، لأن لبنان يعتمد نظامًا طائفيًا يجعل الانتخابات ميدانًا للتنافس بين الطوائف، بدلًا من الأحزاب على أسس وطنية جامعة، مما يجعل من الصعب بناء تحالفات متماسكة، حيث تصبح الأولوية لتعزيز النفوذ المحلي بدلاً من تعزيز البرامج السياسية أو الإصلاحية.
أما على الصعيد الأمني فإن الأوضاع بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل ما زالت متوترة في ظل تنفيذ الأخيرة عمليات عسكرية في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت والانتهاك المستمر للقرار الدولي 1701، وفقا للمحلل اللبناني، الذي أكد أن هذه المخاطر قد تؤثر على سير العملية الانتخابية في بعض المناطق الجنوبية.
يشار إلى أن وزير الداخلية اللبناني أحمد الحجار، أكد أن وزارة الداخلية جاهزة للاستحقاق البلدي، لافتا إلى تشكيل غرفة عمليات مركزية لمتابعة الانتخابات.
وحول مواقف القوى السياسية الحالية، قال أبوزينب، إن "حزب الله وحلفاءه، مثل حركة "أمل"، سيعملون على محاولة تثبيت نفوذهم خاصة في مناطق الجنوب والبقاع التي تُعتبر معاقلهم التقليدية، فيما ترى القوى السيادية، مثل حزبي القوات والكتائب، في هذه الانتخابات فرصة لإظهار معارضة قوية لسياسات المحور الإيراني".
وتابع: "أما التيار الوطني الحر، الذي كان يواجه ضغوطًا شعبية نتيجة الفشل في إدارة الأزمات المالية والاقتصادية في عهد الرئيس السابق ميشال عون، فسوف يعمل على محاولة استعادة بعض شعبيته خصوصًا في المناطق المسيحية، في الوقت الذي ستبرز فيه الحركات المدنية والمستقلة كقوة جديدة تحاول تقديم بديل حقيقي عن القوى التقليدية، مستفيدة من النقمة الشعبية المتزايدة ضد المحور الإيراني".
غياب سوري إيراني
وفي ملمح يرتبط بالواقع السياسي الجديد، يقول الدكتور خالد العزي، المحلل السياسي اللبناني، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن انتخابات البلديات تأتي في ظل واقع جديد، يتمثل في غياب التأثير السوري والإيراني، في مقابل بسط شرعية ونفوذ الدولة على الأرض.
وفي هذا الصدد، أكد العزي أن طهران كانت تحاول في كل انتخابات محلية سابقة وصول شخصيات موالية لها، من أجل وضع يدها على محليات بعينها لتأييد مشروعها في البلاد.
لذا، يقدر العزي أن الانتخابات ستشهد تراجعا ملحوظا لتأثير ونفوذ حزب الله ومشروعه، في ظل غياب الدعم المالي الفاعل له.
تأثير البلديات
وأكد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية، شارل جبور، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الانتخابات البلدية لها دور أساسي على المستوى الإنمائي، باعتبارها أول ركن في التركيبة البنيوية السياسية، وتتمتع بدور فعال في تقديم الخدمات ومتابعة قضايا الناس والقرى والبلدات.
وأشار جبور إلى أهمية الانتخابات المقبلة في فرز كوادر وقيادات محلية جديدة، وهو أمر مطلوب سواء في الانتخابات البلدية، أو النيابية، مما يساعد على تغيير المشهد السياسي لكن على مراحل وليس تغييرا جذريا.
وأشار إلى أن الانتخابات تتداخل فيها عوامل تمثيلية مع أخرى عائلية عشائرية خاصة في البلدات ذات الحيز الأصغر، أما التمثيل الفعلي لكل فريق سياسي، والمؤشر السياسي فيتمثل في البلدات الكبرى، حيث إن الأخيرة تؤشر إلى مزاج الرأي العام بشكل عام، وتحمل شعارات وعناوين وأهدافا سياسية.
وقال القيادي في حزب "القوات اللبنانية"، إن حزبه يعول كثيراً على دور البلديات في الجانب الإنمائي لتوفير متطلبات الناس واحتياجاتها، آخذا في الاعتبار الواقع المحلي وتعقيداته.
مرحلة محورية
من جهته، قال النائب المستقل، بلال الحشيمي، إن "لبنان يقف أمام مرحلة محورية، حيث يمثل هذا الاستحقاق الاختبار الأول لتوازنات المشهد اللبناني ما بعد الحرب، في ظل حكومة يغيب جزئيا عنها حزب الله، وهو ما يغير قواعد اللعبة القديمة".
وأكد الحشيمي في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن عدم تأجيل الانتخابات، هو أمر في محله تماما؛ لأنه يعطي الثقة في العهد الجديد.
ونوه في هذا الإطار، إلى أن الاستحقاق القادم سيكون كاشفا لحجم التأثير الفعلي لحزب الله على الأرض، لا سيما مع الضربات العسكرية التي تلقاها من إسرائيل، واختبارا لمدى قدرة الحزب على تعبئة ناخبيه في ظل الظروف الراهنة.
وشدد على أن نجاح الانتخابات أو فشلها سيحدد شكل الحياة السياسية إلى حد ما في المرحلة المقبلة، وهو ما سينعكس على الانتخابات البرلمانية في المرحلة المقبلة.
aXA6IDMuMTM1LjI0OC4xNDQg جزيرة ام اند امز