"حكومة تكنوقراط".. مشاورات يعرقلها حزب الله ولبنان المحتج يتمسك بها
مصادر وزارية مقربة من رئاسة الجمهورية رجحت أن يتم تحديد يوم الإثنين أو الثلاثاء موعدا للاستشارات النيابية، وهناك نية لإنهائها في يوم واحد
تجرى مشاورات مكثفة في لبنان لتحديد موعد للاستشارات النيابية وتسمية رئيس الحكومة الجديد، وسط مخاوف من عرقلة مليشيا حزب الله حكومة تكنوقراط تحد من نفوذها التي اكتسبته على مدار السنوات الماضية.
والاستشارات يقوم بها رئيس الجمهورية مع الكتل النيابية في البرلمان، لتسمية مرشحها لتولي رئاسة الحكومة، ووفق نتائجها يتم تعيين الشخصية التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات للبدء بمسار تشكيل الحكومة واختيار الوزراء.
يأتي ذلك في ظل غموض يلف المشهد السياسي في لبنان، حيث لا يزال المتظاهرون في الشوارع متمسكين بمطالبهم للأسبوع الثالث على التوالي من احتجاجات غير مسبوقة، بدأت 17 أكتوبر/تشرين أول الماضي وأجبرت رئيس الوزراء سعد الحريري على تقديم استقالته الثلاثاء الماضي.
ومنذ يوم أمس بدأت فعليا المباحثات السياسية بين الفرقاء السياسيين، تمهيدا لتحديد رئيس الجمهورية ميشال عون موعدا للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس للحكومة.
وفيما رجّحت مصادر وزارية مقربة من رئاسة الجمهورية أن يتم تحديد يوم الإثنين أو الثلاثاء موعدا للاستشارات النيابية، وهناك نية لإنهائها في يوم واحد، لفتت لـ"العين الإخبارية" إلى أن المشاورات بين الفرقاء السياسيين تحصل بشكل مكثف، وعلى ضوئها سيتحدد الموعد النهائي.
وأصدر الرئيس اللبناني ميشال عون وفي خطوة نادرة تكليفا للحكومة المستقيلة بتصريف الأعمال، دون أن يحدد موعدا للاستشارات النيابية، على خلاف ما كان يحدث في السابق، حيث كان البيان نفسه يتضمن الاثنين معا.
واعتبرت مصادر مطلعة أن الهدف من التأخير كان لأسباب عدة، أهمها أن الهدف المهم هو التكليف والتأليف السريع واختصار فترة تصريف الأعمال، إضافة إلى الوضع الأمني في الأيام الماضية، حيث كان هناك إغلاق لعدد كبير من الطرقات وشلل تام في البلاد.
وفيما جدّدت المصادر التأكيد على أن رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري هو أبرز المرشحين لترؤس الحكومة المقبلة أو يكاد يكون المرشح الوحيد، أشارت إلى أن التركيز والعمل اليوم هو على تحقيق الشرط الذي وضعه الحريري بتشكيل حكومة تكنوقراط، وهو الأمر الذي يتطلب موافقة جميع الفرقاء.
وأضافت أنه مع مجرد الاتفاق على شكل الحكومة عندها تأخذ الأمور مسارها الدستوري الطبيعي بتحديد موعد للاستشارات، ومن ثم تكليف رئيس الحكومة لتبدأ عملية اختيار الوزراء.
وفيما كان معظم الفرقاء أعلن تأييده لحكومة "تكنوقراط" يبدو الاعتراض الأساسي حتى الآن من قبل مليشيا حزب الله، وهو الذي اعتبر استقالة الحريري بمثابة انقلاب، بعدما أعلن صراحة أمين عام حزب الله حسن نصر الله رفضه إسقاط الحكومة التي يعتبرها "حكومته"، وله الكلمة الفصل فيها عبر الكتلة الوزارية الأكبر التي تضم وزراءه ووزراء حلفائه.
ويرى حزب الله أن أي حكومة مقبلة، خاصة إذا كانت غير حزبية، من شأنها أن تبعد دوره الأساسي في السلطة خلال السنوات الماضية.
وتتجه الأنظار بشكل أساسي على موقف حزب الله، الذي من المتوقع أن يعلن عنه أمينه اليوم مساء، وعما إذا كان حلفاؤه (حركة أمل والتيار الوطني الحر برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل) سيؤيدونه، ما قد يؤدي بالتالي إلى الإطاحة بهذا التوجه.
3 مطالب من الحكومة الجديدة
وقالت حركة "لحقي" اللبنانية في بيان الجمعة "من جديد تقابل قوى السلطة مطالب الناس بوعود فارغة وخطابات منفصلة عن الواقع لا ترتقي إلى مستوى تطلعات الناس، لتؤكد أن الضغط الشعبي في الشارع هو الطريقة الوحيدة التي ترضخ من خلالها قوى المنظومة للإرادة الشعبية".
وأوضحت "بعد تحقيق المطلب الأول باستقالة الحكومة مستمرون في مسار التغيير الدستوري حتى تحقيق كامل المطالب.. فلن تثنينا المحاولات الممنهجة لترويج الفتن والطائفية، ولن تردعنا المحاولات القمعية لفض الاعتصامات السلمية من القوى الأمنية".
وأضافت "فلنكمل اليوم الجمعة التحركات الشعبية، ولنملأ الشوارع والساحات في المناطق كافة، حتى تحقيق باقي أهداف الثورة".
وطالبت بـ"استشارات نيابية فورية من أجل تشكيل حكومة مؤقتة ذات مهام محددة، حكومة للناس من خارج مكونات الطبقة الحاكمة".
وأشارت إلى أن مهام الحكومة المقبلة تتمثل فيما يلي "إدارة الأزمة المالية، وتخفيف عبء الدين العام، وإقرار قانون يحقق العدالة الضريبية، وانتخابات نيابية مبكرة تنتج سلطة تمثل الشعب، والقيام بحملة جدية لمناهضة الفساد، ضمنها إقرار قوانين استقلالية القضاء واستعادة الأموال العامة المنهوبة".
الحكومة الرابعة للحريري
وفي حال جرى تسمية الحريري مجددا رئيسا للحكومة ستكون الرابعة له، حيث دخل السياسة بعد اغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق.
رفيق الحريري
وورث الحريري والده سياسيا وشكّل ما يعرف باسم تحالف 14 آذار مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والرئيس التنفيذي للقوات اللبنانية سمير جعجع، وهو التحالف الذي قاد إلى ما عرف باسم ثورة الأرز، التي كان من نتائجها خروج الجيش السوري من لبنان.
تلا ذلك انتخابه نائبا في البرلمان لدورة عام 2005 عن مقعد السنة في دائرة بيروت الأولى، والذي كان يشغله والده في الدورات السابقة، واستطاع أن يحصل على أكبر كتلة نيابية في هذه الدورة.
أعيد انتخابه لدورة البرلمان لعام 2009 على المقعد المخصص للسّنة بدائرة بيروت الثالثة، واستطاع مع حلفائه في تحالف 14 آذار الحصول على الأكثرية النيابية لدورة نيابية جديدة.
في 27 يونيو/حزيران 2009 كلفه الرئيس ميشال سليمان بتشكيل الحكومة الجديدة الأولى له التي تلت الانتخابات، وذلك بعد الاستشارات النيابية وتسميته من قبل 86 نائبا يمثلون نواب تحالف 14 آذار الـ71 ونواب حركة أمل وحزب الطاشناق.
وفي 7 سبتمبر/أيلول وبعد شهرين ونصف من تكليفه بتشكيل الحكومة قدّم إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان تصورا لتشكيل الحكومة، إلا أن المعارضة رفضت هذه التشكيلة.
وفي 10 سبتمبر/أيلول أعلن بعد لقائه رئيس الجمهورية اعتذاره عن تشكيل الحكومة.
وفي 16 سبتمبر/أيلول أعاد رئيس الجمهورية بتكليفه لتشكيل الحكومة، بعد أن أعاد أكثرية نواب مجلس النواب تسميته لرئاسة الحكومة بالاستشارات النيابية، حيث سماه نواب تحالف 14 آذار الـ71 ونائبو حزب الطاشناق، وحصل بذلك على 73 صوتا، وبعد حوارات ومناقشات ومفاوضات شاقة استطاع أن يعلن تشكيل حكومته الأولى بتاريخ 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2009.
واجهت حكومته صعوبات عديدة، خصوصا بعدما بدأ يقترب صدور القرار الظني بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وإصرار وزراء حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر على طرح موضوع شهود الزور بالقضية، وطلب إحالتهم للمجلس العدلي.
أدى كل ذلك إلى إعلان وزراء تكتل الإصلاح والتغيير وحركة أمل وحزب الله في 12 يناير/كانون الثاني 2011 استقالتهم من الحكومة، وذلك بعد وصول محاولات تسوية مشكلة المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال الحريري الأب إلى طريق مسدود، مع رفضه عقد جلسة لمناقشة القضية.
وبعد انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية قامَ الأخيرُ بتكليفِ الحريري رسميا برئاسَة الحكومة، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2016, ونال الحريري 110 أصوات من نواب البرلمان البالغ عددهم 126 بعد استقالة أحدِ النواب، وشكّل حكومته الثانية بعد 40 يوما من التكليف.
وبشكل مفاجئ قدّم استقالته من الرياض في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، مهاجما مليشيا حزب الله، مؤكدا أن إيران لم تضع يدها في أي مكان في الوطن العربي إلا وحل فيه الخراب والدمار قبل أن يتراجع عن استقالته في 22 من الشهر نفسه عقب وساطات عديدة.
وفي مايو/أيار 2018 انتخب الحريري نائباً مجدداً للمرة الثالثة، لكنه فقد الأغلبية البرلمانية بحصوله على 21 (من أصل 128 هم إجمالي عدد مقاعد المجلس).
وفي ذات الشهر، كلف الرئيس اللبناني ميشال عون الحريري بتشكيل حكومة جديدة بعد استشارات برلمانية نال فيها الحريري تأييد 111 نائبا من أصل 128 إجمالي أعضاء مجلس النواب (البرلمان).
وعقب 9 أشهر من إجراء الانتخابات تمكن الحريري نهاية يناير/كانون الثاني الماضي من تشكيل الحكومة، في أعقاب اتفاق الأحزاب السياسية المتنافسة على التشكيلة الوزارية التي غلب عليها تابعون لحزب الله.
إلا أن الحكومة الجديدة لم تستطع الصمود أمام درجة الغليان التي بلغها الغضب الشعبي من تردي الأوضاع، ومن المسار الذي تصنعه المليشيات الإيرانية للبنانيين.
aXA6IDMuMTQuMjQ2LjUyIA== جزيرة ام اند امز