لبنان «يستصرخ» العالم لحماية المدنيين من «بيجر» جديد.. تحديات ومخاوف
في أعقاب التفجيرات المتزامنة لأجهزة اتصالات حزب الله، التي راح ضحيتها عشرات القتلى وآلاف المصابين، طالب لبنان بسن قوانين دولية لتحييد الوسائل التكنولوجية المدنية عن الأهداف العسكرية والحربية.
مطلب جاء على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال ترؤسه جلسة للحكومة، يوم الجمعة، قائلا، إنه أوعز إلى وزير خارجيته أن «يبادر في كل الاجتماعات التي سيعقدها في الأمم المتحدة إلى البحث في طلب لبنان بسن قوانين دولية لتحييد الوسائل التكنولوجية المدنية عن الأهداف العسكرية والحربية، لأن ما حصل في لبنان هذا الأسبوع من عدوان موصوف هو إبادة جماعية تستهدف الشعب اللبناني بأسره».
فهل يمكن تحقيق المطلب اللبناني؟
المطلب اللبناني اعتبره خبراء في القانون الدولي استطلعت «العين الإخبارية»، «بادرة هامة من أجل حماية المدنيين في النزاعات المسلحة»، إلا أنهم أكدوا أنه يواجه تحديات عدة.
فرغم أن التعاطي العملي معه سيضع حدًا لاستخدام أدوات التكنولوجيا المدنية «كسلاح مبرمج قاتل» في المستقبل، فإن «التعريف الدقيق للوسائل التكنولوجية المدنية في ظل تداخلها المتزايد مع التطبيقات العسكرية، وكذلك آليات الرقابة والتنفيذ لضمان التزام الدول بهذه القوانين»، وغيرها، تقف عقبات في طريق شق المقترح طريقه إلى التطبيق، بحسب الخبراء.
ما أهمية الاقتراح اللبناني؟
اعتبر الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام، تحييد الوسائل التكنولوجية المدنية عن الأهداف العسكرية، «خطوة هامة في اتجاه تعزيز حماية المدنيين في النزاعات المسلحة المعاصرة».
وأوضح مهران في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن مقترح رئيس حكومة لبنان، يأتي استجابة للتطورات التكنولوجية السريعة التي غيرت طبيعة الحروب وزادت من مخاطرها على السكان المدنيين، مشيرًا إلى أن فكرة تحييد الوسائل التكنولوجية المدنية تستند إلى مبدأ التمييز في القانون الدولي الإنساني، الذي يلزم أطراف النزاع بالتمييز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية.
فـ«هناك بعض الاتفاقيات والمبادئ الدولية التي تشير بشكل غير مباشر إلى فكرة تحييد الوسائل التكنولوجية المدنية في النزاعات، رغم عدم وجود اتفاقية محددة تتناول هذا الموضوع بشكل مباشر»، يقول أستاذ القانون العام، مشيرا إلى البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 والذي يحظر في المادة 52 الهجمات على الأعيان المدنية، وهو ما يمكن تفسيره ليشمل البنية التحتية التكنولوجية المدنية.
يأتي هذا بالإضافة إلى اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة لعام 1980 والتي تضع قيوداً على استخدام بعض الأسلحة التي قد تسبب أضراراً مفرطة، وهو مبدأ يمكن تطبيقه على الهجمات السيبرانية، فضلا عن دليل تالين حول القانون الدولي المطبق على الحرب السيبرانية لعام 2013، بحسب مهران، الذي قال إنه رغم كونه غير ملزم قانوناً، إلا أنه يوفر إطاراً مفاهيمياً لتطبيق القانون الدولي على النزاعات السيبرانية.
الأمر نفسه، أشار إليه مجيد بودان الخبير التونسي في القانون الدولي، المقيم بفرنسا، في حديث لـ«العين الإخبارية»، الذي قال إن طلب لبنان أمام الأمم المتحدة بسن اتفاقية دولية لتحييد الوسائل التكنولوجية المدنية والابتعاد عنها وعن استعمالها كأهداف عسكرية وحربية، يتماشى مع مسار طالب به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأسبوع الجاري بأن يقع العمل على اتفاق دولي أو معاهدة دولية يكون هدفها ألا يقع استعمال وسائل الاتصال أي التليفونات وغير ذلك كأدوات عسكرية وألا يتم تفخيخها، ولا يقع استعمالها أو التحكم فيها عن بعد وتفجيرها.
هذا التحرك «الهام»، وفقا لبودان، يأتي لـ«حماية المدنيين، كون أدوات ووسائل الاتصال موجودة في كل بيت ومكتب، وبين أيدي الناس وفي جيوبهم، ولا يمكن حمايتهم، ما لم يكن هناك اتفاقية دولية ملزمة لمنع استعمال هذه أدوات عادية ومدنية وتحويلها إلى أدوات عسكرية».
قتل مبرمج
بدوره، اعتبر الدكتور طارق وهبي، الباحث اللبناني في العلاقات الدولية، والمقيم في فرنسا، تحرك الحكومة اللبنانية «بمثابة بادرة هامة تسعى لعدم استخدام الأدوات اليومية والإلكترونية كسلاح قاتل في المستقبل، عبر استحداث آليات يكفلها القانون الدولي، من خلال الأمم المتحدة».
وفي حديث لـ«العين الإخبارية»، ثمن وهبي التحرك اللبناني، قائلا إن ما حدث في 17 و18 سبتمبر/أيلول الجاري بأن يكون هناك استعمال لأدوات إلكترونية عادية كسلاح للقتل المبرمج غير مسبوق، مطالبًا بضرورة وضع حد لهذا الأمر حتى لا تتحول أدوات التكنولوجية الخاصة بالاتصالات إلى قنابل موقوتة.
وأشار إلى أن رئيس حكومة تصريف الأعمال، يحاول فتح نافذة صغيرة بـ«قدراته القليلة من خلال الشرعية الدولية، في ظل ما يحصل من دمار لبلاده، وللمنظومة الأمنية التي يشكلها حزب الله»، لافتا إلى أن المجتمع الدولي قادر على أن يلعب دورا كبيرا في هذا الموضوع، لكن هل سيطبق ذلك على إسرائيل؟
تحديات أمام التطبيق
بحسب الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام، فإن التحديات التي تقف أمام هذا المقترح تكمن في تطبيق هذا المبدأ في عصر التكنولوجيا الرقمية.
وأوضح أن تنفيذ هذا المقترح، يواجه عدة تحديات، تتمثل في:
- التعريف الدقيق للوسائل التكنولوجية المدنية في ظل تداخلها المتزايد مع التطبيقات العسكرية.
- آليات الرقابة والتنفيذ لضمان التزام الدول بهذه القوانين.
- التوفيق بين متطلبات الأمن القومي وحماية البنية التحتية المدنية.
- تحديد المسؤولية في حالات الهجمات السيبرانية التي قد تستهدف البنى التحتية المدنية.
هل تعرقل هذه التحديات التطبيق؟
رغم هذه التحديات، رأى أستاذ القانون الدولي أن ما تطرحه الحكومة اللبنانية يمثل نقطة انطلاق هامة لتطوير القانون الدولي في هذا المجال، مقترحا عدة حلول للقفز على العقبات، تتمثل في:
- عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لمناقشة هذا المقترح
- صياغة مسودة اتفاقية دولية
- تشكيل لجنة من الخبراء القانونيين والتقنيين لوضع تعريفات دقيقة للوسائل التكنولوجية المدنية التي يجب تحييدها.
- إنشاء آلية دولية للرصد والتحقق من الالتزام بهذه القوانين.
- تعديل القوانين الوطنية للدول لتتوافق مع هذه الاتفاقية الدولية الجديدة.
ودعا إلى الاستجابة بجدية لهذا المقترح، مشددا على أن حماية البنية التحتية المدنية والتكنولوجية أصبحت ضرورة ملحة في ظل تزايد الهجمات السيبرانية والاستهداف المتعمد للمنشآت المدنية في النزاعات المعاصرة،
وتابع: المقترح يمكن أن يشكل إضافة هامة للقانون الدولي الإنساني، مكملاً لاتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، حيث إن تبني المجتمع الدولي لهذا المقترح قد يوفر حماية إضافية للبنان والدول المجاورة في أي نزاعات مستقبلية.
ماذا لو جرى تجاهل هذه التحذيرات؟
حذر مجيد بودان الخبير التونسي في القانون الدولي، المقيم بفرنسا، في حديث لـ«العين الإخبارية»، من أنه ما لم يكن هناك تحرك قوي، لوضع حد لاستخدام الأدوات التكنولوجية «فستكون آفة كبيرة جدا دوليا، وقد يمتد توظيفها من قبل منظمات إرهابية ومن إرهابيين».
وأكد ضرورة تبني طلب لبنان في أسرع وقت ممكن، عبر سن اتفاقية دولية تعرض وتناقش في الأمم المتحدة، وتوافق عليها أكبر عدد ممكن من الدول وخاصة الدول التي تصنع الآليات والأجهزة الإلكترونية، أو التي تصنع المواد المتفجرة، استنادا لتحقيق السلام والأمن المجتمعي .
aXA6IDMuMTMzLjEwOC4yMjQg جزيرة ام اند امز