الكاتبة الفلسطينية الشابة دعاء محمود، تصدر روايتها الأولى "تركت العنوان" عن معاناة فتاة مع مرض السرطان.
ربما لم يخطر في بالها أنها ستصبح يوماً ما كاتبة، لأن الكتابة جاءتها قبل أن تسعى إليها، فالكتابة في دمها، تذوقت طعمها منذ الصغر، لكنها حين وصلت إلى مرحلة ما في النضج الفكري تفجرت تلك الموهبة، لتعلن عن مولد كاتبة متميزة، وجدت نفسها تسير في طريق الرواية.
نتحدث عن الكاتبة الفلسطينية الشابة دعاء محمود، المتخرجة في الكلية العصرية الجامعية في رام الله، التي أصدرت روايتها الأولى مؤخراً تركت العنوان عن دار "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان، في (294) صفحة من القطع المتوسط.
الرواية التي جاءت تحدياً شخصياً في مجال الكتابة، استطاعت كاتبتها رغم أنها تصعد أولى خطوات هذا المجال الصعب، التحدث بسردية رائعة عن معاناة فتاة تعاني من مرض السرطان، وصراعها المرير من أجل الحياة من خلال قتال إن لم تكن حرباً غير عادلة مع مرض قلما يخسر، بلغة واعية وتناول يتخطى حدود الإنشاء وتقريرية السرد المسهب في التفاصيل، وعن الرواية يقول الكاتب الناقد الدكتور حسن عبد الله في المقدمة: إن الكاتبة لم تقع في فخ إغراء الإنشاء والإسهاب والإطالة، بل إن التكثيف يلمسه القارئ في الجزء الأكبر من الرواية المشغولة بالهم الإنساني.
لافتاً النظر إلى أن الكاتبة استطاعت الحفاظ على عنصر التشويق، ويظل الخط الدرامي عندها صاعداً متنامياً وصولاً إلى الذروة، بأسلوب مزج بين الواقعية والفانتازيا في قالب حواري متفائل، فقد تعلمنا أنه لا يوجد مستحيل ولا استسلام في تحقيق أهدافنا بوجود إرادة قوية وثقة كبيرة بالله سبحانه وتعالى.
ومما كتبته الروائية الشابة ويظهر جماليات لغتها الشاعرية ومفرداتها وصورها الفنية المزدوجة المعنى: (تلك العبارات التي أكرهُ أن يخبِرَني أحدٌ بها، ربَّما آن أوان إخباري بها، وتلك الحقائق التي أتَجاهلها، ربَّما حان الوقت لأراها جيِّداً، وربَّما بشكلٍ أو بآخر عليَّ أن أدركَ مدى أنانيّة الأشخاص، أن أنضجَ أكثر، أو حتى أن أتعفَّن، بقي أسبوع لعمليّة جراحية بنسبةِ نجاحٍ ضئيل، وأنتِ تضحكين هنا؟ أخبريني، بربكِ، ما الذي يجري معكِ!، أذكرهم وكأنَّهم أمامي الآن، لكنّي لا أستطيع الاقتراب، أذكر الكثير، الكثير مِن الرّاحلين، الكثير مِن المصدودين، لكن كلّ شـيء انتهى، أتتوقّع أن أكتئب أو أحزن الآن؟ أتدري؟ أعتقد أنني عشتُ ما يكفي، دعكَ من كلام الأعمار ذاك، فكما ترى، هذا الجيل قد عاش الكثير، أكثر ممّا سبقه، كما أعتقد!).
ومما جاء على غلاف الرواية الأخير، "لم ينسنِ إياكِ شيءٌ مما ظننت، لم تكن الأيام بصعوبةِ ما ظننتُها من دونكِ، كانت مستحيلةَ الصمود، مستحيلة البقاء، وأنتِ الحياةُ البعيدةُ جداً عني، وأني نسيتُ تذكاركِ وتواريخَ لقاءاتنا وأولى قبلاتنا، وأولَ حديثٍ لنا وتواريخَ حياتينا وَآخرَ كلماتنا، مقيدٌ أمامكِ بلا خيارات، إمّا أنتِ أو أنتِ".
تمتاز رواية "تركت العنوان" بسلاسة الأسلوب ورشاقة اللغة، إضافةً إلى التكثيف الجمالي بعيداً عن الإطالة التي طالما يقعُ بها الكُتّاب الشُبَان، وهيَ تتناول صراع الإنسان بين حافتي الحياة والموت، في إطار عديد المواقف الاجتماعية والعاطفية والإنسانية والسياسية في ظل احتلال بغيض، حيث نرى أن هذه اللعبة السردية سرعان ما تتجه نحو أفق آخر، هو أفق شعب ومن ضمنه فتاة السرطان، وما خلّفه قمع الاحتلال من انكسارات وجروح في نفوس جيل كامل.