مكتبة الإسكندرية تحتفي بـ"صاروخان".. الأرمني مبتكر "المصري أفندي"
مكتبة الإسكندرية تنظم معرضاً بمناسبة ذكرى رحيل فنان الكاريكاتير المصري الأرمني ألكسندر هاكوب صاروخان، وتعرض فيلماً وثائقياً عنه.
أحيت مكتبة الإسكندرية في مصر، بالتعاون مع الجمعية الخيرية الأرمينية، الذكرى الـ120 لرحيل الفنان المصري الأرمني ألكسندر هاكوب صاروخان (1898 - 1977)، رائد فن الكاريكاتير في الصحافة المصرية، ومبتكر إحدى أشهر شخصيات الكاريكاتير، والتي عُرفت باسم "المصري أفندي".
ونظمت مكتبة الإسكندرية، الثلاثاء، معرضاً بهذه المناسبة، وعرضت فيلماً وثائقياً عن الفنان الراحل ألكسندر هاكوب صاروخان.
ومن المفارقات أن الكاريكاتير، وهو فن المبالغة في إبراز الملامح، ولد في الصحافة العربية في ثلاثينيات القرن الماضي، على يد اثنين من الفنانين ذوي الأصول الأجنبية، الأول هو سانتيس، والثاني هو صاروخان، قبل أن يُظهر النحات المصري الرائد محمود مختار تجاربه القليلة في هذا المجال الذي تركه وتفرغ لفن النحت.
وجاء الاحتفال تأكيداً على دور مكتبة الإسكندرية في تعميق تجربة التواصل الإنساني بين مختلف الثقافات، وتذكيراً بالدور الذي لعبه الأرمن في الثقافة العربية.
وتُمثل تجربة صاروخان حالة نموذجية لحالات الشتات التي عانى منها الأرمن بعد المذبحة التي تعرضوا لها على يد الأتراك في عام 1915، خلال أحداث الحرب العالمية الـ2.
وولد صاروخان في قرية أردانوش في القوقاز 1898، شمال شرق تركيا، والتي كانت تقع ضمن مقاطعة باطوم، إحدى المناطق الإدارية في إقليم ما وراء القوقاز، التابع للإمبراطورية الروسية.
وكان صاروخان الابن الـ3 لأب كان يعمل تاجراً للأقمشة، وتعلم في معهد المختارين الليليين بإسطنبول عام 1915، ثم درس الرسم بمعهد الفنون الجرافيكية في فيينا 1922.
وانتقل صاروخان إلى الإسكندرية عام 1924، وقرر الاستقرار في مصر بشكل نهائي، وحصل على الجنسية المصرية عام 1955.
وجمع صاروخان عبر رحلته 3 جنسيات، هي الروسية والتركية والأصول الأرمنية، قبل الجنسيه المصرية.
ولعبت المصادفات دورها في تغيير مسارات صاروخان، فخلال دراسته بفيينا التقى المصري عبدالقادر الشناوي، الذي كان يدرس الطباعة، ويبحث إصدار صحيفة مصرية، واقتنع صاروخان بالمشروع وجاء معه.
وفي الإسكندرية تعرف صاروخان على صحفيين آخرين في ورشة عامل الزنكوغرافي والطباعة، أرام بربريان، الذي كان يقوم بإعداد كليشيهات أغلب الصحف والمجلات الصادرة بالقاهرة بجميع اللغات.
وبدأ يرسم في مجلة "السينما الأرمنية"، التي صدرت عام 1925، وتواصلت تجاربه بعدها إلى أن التقى محمد التابعي، أبرز الصحفيين المصريين، داخل ورشة "بربريان"، وارتبطا معاً بعلاقة تواصلت عبر كافة التجارب التي خاضها "التابعي".
وأهم ما يميز تجربة صاروخان، أنها برزت في سنوات ما بعد ثورة عام 1919 في مصر، والتي اتسمت بالانفتاح العقلي، بفضل وجود العديد من الجاليات الأجنبية في مصر، وبفضل الحرية النسبية التي تمتعت بها الصحافة، ومثل فن الكاريكاتير، أحد أسلحة المواجهة الرئيسية لوجود الاحتلال الإنجليزي، فضلاً عن دوره الاجتماعي في التأكيد على الظواهر السلبية في المجتمع.
وفي عام 1945، وفي قلب أحداث الحرب العالمية الـ2، وما نتج عنها من مشكلات، أصدر صاروخان كتاباً بعنوان "هذه الحرب في مجال الكاريكاتير السياسي"، وهو كتاب كاشف عن الدور الذي يلعبه فن الكاريكاتير في مقاومة الحروب.
وبفضل حماس السيدة فاطمة اليوسف، مؤسِسة مجلة روز اليوسف، ودعم الصحفي الكبير محمد التابعي، الأب المؤسس للصحافة المصرية الحديثة، لمع صاروخان في فن البورتريه، ورسم جميع شخصيات عصره من سعد زغلول وصولاً إلى طه حسين، مروراً بأم كلثوم.
وبالإضافة للصحف المصرية، نشر صاروخان رسومه في مجلات فرنسية مصرية، مثل "لابورس إجيبسين إيماج"، وفي صحف أرمنية، مثل "كاردوش واريف".
وقبل ظهور فن "الكوميكس" أو القصص المصورة، قدم صاروخان نماذج رائدة في هذا المجال، وابتكر مع "التابعي" أول ثنائي بين كاتب صحفي ورسام، وبفضل عملهما معاً ظهرت شخصياته الكارتونية الشهيرة "مخضوض باشا الفزعنجي"، و"إشاعة هانم"، وشخصية "العم سام"، وأخيراً "المصري أفندي".
وكانت شخصية "المصري أفندي" الفريدة لسان حال المصريين في نقد سلبيات مجتمعهم، وأدى ذيوع هذه الشخصية إلى زيادة لافتة في أعداد فناني الكاريكاتير الذين جاؤوا بعد صاروخان، واستفادوا من تجاربه، ومنهم محمد عبدالمنعم رخا، وأحمد طوغان.
ثم جيل الخمسينيات والستينيات من فناني الكاريكاتير، الذين أكدوا تمصير هذا الفنان، واستثمار ما نجح صاروخان في ترسيخه، ومن أبرز هؤلاء أحمد حجازي، وصلاح جاهين، وصلاح الليثي، ورجائي ونيس، وجورج البهجوري، ومحيي اللباد، وبهجت عثمان، وكل هؤلاء عملوا في "روز اليوسف"، واحتضنهم أحمد بهاء الدين في مجلة "صباح الخير"، التي كانت رائدة في عنايتها بهذا الفن.
وبفضل نجاح شخصية "المصري أفندي"، استحق صاروخان الجنسية المصرية التي منحها له الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في عام 1955.
ولدوره في ترسيخ الكاريكاتير عالمياً، اختير صاروخان في استفتاء لمجلة استوديو الإيطالية عام 1957، من بين أقوى 100 رسام كاريكاتير في القرن الـ20.