انتخابات ليبيا.. عقبات على طريق الحل بين الفرقاء
رغم إسدال الستار على أعمالها قبل أيام، فإن ما أفضت إليه اجتماعاتها ما زال محل جدل بين القوى السياسية في ليبيا، التي تباينت آراؤها حول ما أعلنته لجنة "6 +6".
وقبل أيام، أعلنت اللجنة المشتركة المكلفة من قبل مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين (6+6) لإعداد القوانين الانتخابية، اختتام اجتماعاتها، في مدينة بوزنيقة المغربية، بالتوافق على القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المقرر إجراؤها نهاية العام الحالي.
توافق جاء من بوابة السماح للجميع بالترشح، دون استثناء أحد من المشاركة في الانتخابات، في إشارة إلى حسم النقاط الخلافية الخاصة بترشح العسكريين، والحاصلين على جنسية أخرى غير الليبية.
إلا أن ذلك "التوافق" رفضته أطراف عدة، مما هدد بتقويض التقدم الذي تحقق بعد "عثرات طويلة"، ودفع رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى المطالبة بإعادة التشاور للخروج بقوانين توافقية للانتخابات، مشيرًا إلى أنه ما اطلع عليه في مسودة اتفاق اللجنة يراد به تعطيل العملية الانتخابية، وخاصة بالإشارة إلى إلزامية إجراء جولة ثانية في الانتخابات الرئاسية.
خطوة من البرلمان أثارت القلق، بشأن الانتخابات المفترض إجراؤها قبل نهاية العام، والتي قد يؤدي إعادة مراجعة القوانين الانتخابية للمراجعة إلى تمديد الفترة الانتقالية، مما دفع المبعوث الأممي عبدالله باثيلي الذي يدلي يوم الإثنين، بإحاطة أمام مجلس الأمن الدولي، إلى الدخول على خط الأزمة.
فماذا فعل المبعوث الأممي؟
قبل إحاطته المرتقبة اليوم الإثنين، أجرى المبعوث الأممي لقاءات عدة مع أطراف سياسية "مؤثرة" على الساحة الليبية؛ أولها ذلك الذي جمعه برئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية عبدالحميد الدبيبة، لمناقشة المسار الانتخابي وسبل إنجاح العملية الانتخابية.
وفي بيان اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، قال الدبيبة، إن رؤية الحكومة تجاه ملف الانتخابات، مبنية في تأسيسها على قوانين عادلة وقابلة للتنفيذ، وأن ذلك يعد شرطاً أساسياً لإنجاح العملية الانتخابية، بهدف استمرار حالة الاستقرار الذي تشهده البلاد خلال هذه الفترة.
وأكد الدبيبة، أن الحكومة مستمرة عبر اللجان المشكلة فيها لتنسيق الجهود مع البعثة الأممية بهدف تعزيز التواصل وتنفيذ البرامج الداعمة لإنجاح الانتخابات.
وتواجه حكومة الدبيبة منتهية الولاية مأزقًا، يتمثل في نهاية ولايتها بشكل رسمي، إضافة إلى مطالب برلمانية، عززتها الاتفاقات الناجمة عن لجنة "6+6" بضرورة تشكيل حكومة لقيادة الفترة الانتقالية المقبلة، بديلا عن حكومة الدبيبة، وحكومة فتحي باشاغا التي يقودها حاليًا أسامة حماد، بعد إيقاف الأخير.
وكانت الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي برئاسة أسامة حماد، رحبت بالقوانين الانتخابية التي تمخضت عنها اجتماعات "6+6"، مشيرة إلى أنها ستنهي الخلافات والانقسامات التي طال أمدها، وتؤسس لقاعدة قانونية متفق عليها من مجلسي النواب والدولة للمضي قدما في إنجاز الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية.
وفيما أشادت بالجهات المحلية والدولية التي رحبت بهذه المخرجات وأوضحت موقفها الإيجابي منها، عبرت عن آمالها في أن يكون هذا التوافق أول خطوة على طريق الاستقرار السياسي والذي سينعكس على كل مناحي الحياة، ويلبي تطلعات الشعب الليبي في إنهاء كل مظاهر المعاناة التي عاشها في الفترة الماضية.
اعتراضات محلية
وفي لقاء ثان قبل إحاطته المرتقبة، بحث المبعوث الأممي مع رئيس مفوضية الانتخابات عماد السايح، الموضوعات المتعلقة بالشأن الانتخابي، وآخر مستجدات مسار العملية الانتخابية، وسُبل تدعيم المقترحات والخطوات التي اتخذت في هذا الشأن، كما بحث سبل تقديم الدعم الفني والاستشاري مما يعزز جاهزية المفوضية ويهيئ مناخاً ملائماً لتنفيذ الاستحقاقات المرتقبة.
وكانت مفوضية الانتخابات اعترضت على بعض القوانين الانتخابية، مطالبة بتعديل صياغة المادة التي تنص على عدم جواز الطعن في شروط الترشح للرئاسة، باستثناء شرط الجنسية، محذرة من أنها ستستبعد أي مرشح للانتخابات الرئاسية يحمل جنسية أخرى وسترفض طلب ترشحه.
مطالب أضيفت، إلى تأكيدها (مفوضية الانتخابات) أنه لا يمكن فنياً إجراء العمليات الانتخابية الثلاث في الجولة الثانية، بشكل متزامن وفي يوم اقتراع واحد، مشيرة إلى أن الفوضى ستعم مراكز الانتخاب في هذه الحالة، مما يفتح الباب أمام التزوير.
يأتي هذا اللقاء في إطار الدعم الدولي الفني المقدم للمفوضية عبر مؤسسات وهيئات الأمم المتحدة العاملة في مجال دعم الانتخابات، واستعرض جملة من
وأكد المبعوث الأممي باثيلي، على استمرار دعم بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عامةً، للانتخابات الليبية، مشيداً بمستوى الاستعدادات التي بدت عليها المفوضية ما يؤهلها لتنفيذ انتخابات ترقى إلى المعايير والمبادئ المتعارف عليها دولياً.
حاجز "خرساني"
إلا أن المساعي الأممية في بحث نقاط الخلاف في القوانين الانتخابية، وما تردد قبل أيام من نية باثيلي الإعلان خلال إحاطته الأممية، تشكيل لجنة تسييرية تضم الطيف السياسي والاجتماعي والمدني كبديل عن لجنة "6+6"، قطع المجلس الأعلى للدولة الطريق عليها.
فرئيس "الأعلى للدولة" خالد المشري، أحال في خطاب وجهه إلى المبعوث الأممي عبدالله باثيلي، قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتي توافقت عليها لجنة "6+6" خلال اجتماعاتها في المغرب.
وقال المشري، في خطابه الذي اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منه، إن "هذه القوانين نهائية ومُلزمة ومُرحب بها في المجلسين"، مشيرًا إلى أنه في حالة الحاجة إلى إجراء أي تعديل عليها "وهو أمر بعيد المنال" يجب أن يكون عن طريق لجنة "6+6".
فما مصير الانتخابات؟
يقول عضو مجلس النواب الليبي عبدالمنعم العرفي في تصريحات صحفية، إنه "إذا تمسكت اللجنة المشتركة بكون مخرجاتها ملزمة، فسنصل إلى طريق مسدود"، مشيرًا إلى أن اللجنة المكلفة بصياغة ووضع قواعد الانتخابات في ليبيا، "تجاوزت مهامها ودخلت في اختصاصات مجلس النواب المقبل".
وأوضح البرلماني الليبي، أن "القوانين المتفق عليها تحوي مفخخات؛ بينها التزكية والترشح لمجلس الشيوخ"، مشيرًا إلى أن المفوضية العليا للانتخابات أصدرت بيانا رافضا لمخرجات اللجنة المشتركة، لأن لديها ملاحظات طلبت تضمينها قبل البدء في العملية الانتخابية.
وحول إمكانية إجراء انتخابات في ليبيا هذا العام، قال عبدالمنعم العرفي، إن تنظيم الانتخابات في هذا العام وفي هذه الأجواء غير ممكن أبدا، مؤكدًا ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة تكون مهمتها الرئيسية الإشراف على الانتخابات بعيدا عن حكومة عبدالحميد الدبيبة وحكومة فتحي باشاغا.
في السياق نفسه، قال الحقوقي الليبي عصام التاجوري، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن القوانين الانتخابية تتطلب قبولا ودعما من مجموعة واسعة من المؤسسات والأطراف السياسية والأمنية الفاعلة في ليبيا؛ كي يتسنى إجراء عملية اقتراع يقبل بنتائجها الجميع أو على الأقل الأطراف الأكثر تأثيرا.
وأكد الحقوقي الليبي، أنه لا انتخابات في ظل استمرار حالة عدم الرضا التي عبر عنها رئيسا مجلس النواب والأعلى للدولة، باتخاذ موقف سلبي من الاتفاق، والامتناع عن مشاركة وفدي المجلسين بالتوقيع على الاتفاق الذي يعد نهائيًا، وفقا للتعديل للإعلان الدستوري الـ13، والذي لم يشترط عرض ما تنتهي إليه اللجنة في جلسات تشاورية أو مناقشة ما توصلت إليه.
"إلا أن التجارب السابقة علمتنا أن غياب حالة الرضا عن المنتج النهائي، هو الذي لطالما عطل المضي قدما نحو صندوق الاقتراع، وليس في الشكلية الإجرائية أو موضوعية النص"، بحسب الحقوقي الليبي.
ويقول مراقبون، إن الرفض غير الصريح من قبل بعض الفرقاء الليبيين، قد يتطلب مزيدا من الضغوط من المجتمع الدولي والبعثة الأممية والأطراف التي رحبت بالتوقيع، لتذليل الطريق أمام إكمال الخطوات نحو تنظيم الانتخابات.