الصمت الانتخابي لـ«بلديات» ليبيا تكسره ألسنة اللهب بمقرات المفوضية

في يوم كان يفترض أن يسوده الهدوء وتغيب فيه أصوات الدعاية، اشتعلت النيران غرب ليبيا، لتكسر صمتا انتخابيا لم يدم طويلا.
فبينما تستعد 49 بلدية عبر الشرق والغرب والجنوب لإجراء الانتخابات، التهم حريقان مقري المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في مدينتي الساحل الغربي والزاوية، ليحوّلا أجواء الاستعداد للتصويت إلى مشهد من الدخان والشكوك، ويطرحا تساؤلات حول من يسعى لإشعال فتيل التوتر قبل عملية الاقتراع.
وأعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أن الجمعة 15 أغسطس/آب سيكون يوم الصمت الانتخابي لانتخاب المجالس البلدية المجموعة الثانية، حيث يُحظر خلاله على جميع المرشحين بنظام القائمة أو الأفراد ممارسة أي نوع من الدعاية الانتخابية في أي وسيلة كانت، استعدادًا ليوم الاقتراع المقرر غدا السبت.
ويُعد يوم الصمت الانتخابي جزءًا أساسيًا من العملية الانتخابية، ويهدف إلى منح الناخبين فترة للتفكير واتخاذ قرارهم بحرية دون تأثير الدعاية الانتخابية.
وتستمر فترة الصمت الانتخابي عادة 24 ساعة قبل يوم الاقتراع، وتشمل جميع وسائل الدعاية، سواء كانت مطبوعة، إلكترونية، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات العامة.
وكانت المرحلة الأولى من انتخابات المجالس البلدية أقيمت في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بـ58 بلدية، في تجربة انتخابية هي الأولى من نوعها منذ قرابة عقد، وشهدت نجاحًا ملحوظًا، حيث أجريت دون تسجيل أي حوادث أمنية تُذكر، كما بلغت نسبة المشاركة فيها 74%.
وأمس قررت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا تعليق إجراء المرحلة الثانية من انتخابات المجالس البلدية في دائرة بلدية صياد الحشان الواقعة على نحو 17 كيلو مترا غرب العاصمة طرابلس.
ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن بيان لمفوضية الانتخابات، قولها إن هذا القرار "جاء على خلفية تقرير مدير الإدارة العامة بشأن سير العملية الانتخابية لانتخابات المجالس البلدية (المجموعة الثانية)، بالإضافة إلى قرار المحكمة العليا في طعن إداري صادر بهذا الشأن".
حريق مقرين
وتعرض مكتب المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في مدينة الزاوية، في وقت مبكر من صباح اليوم الجمعة، لحريق التهم المكتب بالكامل، بعد أن أضرم مجهولون النار في المقر.
وأتت النيران على المبنى بالإضافة إلى صناديق وأوراق اقتراع، حيث تعد مدينة الزاوية ضمن البلديات التي يفترض أن تجرى بها الانتخابات البلدية السبت.
وفي ذات السياق، تعرض مكتب الإدارة الانتخابية في الساحل الغربي في مدينة العجيلات، لحريق ضخم أسفر عن أضرار مادية، وإصابة أحد الحراس.
وأعلن مكتب الإدارة الانتخابية بالساحل الغربي، فجر اليوم الجمعة، تعرض مقره لحريق متعمد أسفر عن أضرار مادية، وإصابة أحد أفراد الأمن أثناء محاولته التصدي لمحاولة اقتحام تزامنت مع اندلاع الحريق.
وأوضح المكتب، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، أن عنصر الأمن المصاب نُقل إلى المستشفى لتلقي الرعاية الطبية اللازمة، مؤكدًا أن حالته الصحية مستقرة، فيما لا تزال أعمال حصر الأضرار جارية، ومن المتوقع أن تستغرق وقتًا لتقييم الأثر الكامل للحادث.
وأعرب المكتب عن أسفه الشديد إزاء هذه المحاولة، التي وصفها بـ”الآثمة”، مؤكدًا أنها تهدف إلى عرقلة العملية الانتخابية، ومشددًا على أن مثل هذه الأفعال لا تعبّر إلا عن رغبة بعض الأطراف في زعزعة الاستقرار وإجهاض تطلعات الليبيين نحو بناء دولة ديمقراطية مستقرة.
اعتداء صارخ
من جانبها، استنكرت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وبأشد العبارات، "الاعتداءات الإجرامية التي استهدفت فجر اليوم مبنى مكتب الإدارة الانتخابية الساحل الغربي وأدت إلى إحراقه، وكذلك الهجوم على مكتب الإدارة الانتخابية الزاوية وإحراق المخزن الرئيسي الذي يحتوي على مواد الاقتراع وقاعة التدريب المخصصة لتأهيل الكوادر الانتخابية".
وأكدت في بيان أن "هذه الأعمال تمثل اعتداءً صارخًا على العملية الانتخابية ومحاولة لحرمان المواطن الليبي من ممارسة حقه"، وشددت على أن "مثل هذه الاعتداءات لن تثنيها عن أداء واجبها الوطني في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وفق أعلى المعايير".
ودعت الجهات الأمنية إلى "تحمل مسؤولياتها الكاملة في ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم للعدالة، وضمان توفير الحماية لمكاتبها في كافة أنحاء البلاد".
كما جددت المفوضية دعوتها إلى التكاتف والوقوف صفًا واحدًا لحماية العملية الانتخابية، مؤكدة أن حماية إرادة الناخب الليبي هي مسؤولية الجميع.
هجوم مسلح بزليتن
وقبل ثلاثة أيام، شهدت مدينة زليتن هجومًا مسلحًا استهدف مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، ما يعكس هشاشة الوضع الأمني رغم تعهدات حكومة "الوحدة الوطنية" منتهية الولاية بتأمين الاستحقاق الانتخابي.
وقالت مصادر محلية إن مسلحين ملثمين هاجموا المبنى بوابل من الرصاص من أسلحة متوسطة وخفيفة، قبل أن يستهدفوه بقذيفة (RPG) وقذائف هاون، ما تسبب في أضرار مادية كبيرة بالمقر.
كما طالت الأعيرة النارية منزلًا مجاورًا يعود للمواطن جبريل عبدالسلام دهيورة، الذي أصيب وزوجته بشظايا القذائف، فيما لم تسجل إصابات بين موظفي المفوضية.
وبعد تنفيذ الهجوم، لاذ المسلحون بالفرار، تاركين وراءهم حالة من الفوضى والذعر في أحياء المدينة، التي شهدت خلال الأسبوع الماضي تفجير أحد أهم مساجدها وأضرحتها على يد جماعات متشددة.
تحديات أمنية قبل الاقتراع
الهجوم في زليتن جاء بعد أقل من 24 ساعة على تصريحات وزير الداخلية المكلف بحكومة "الوحدة الوطنية" في مؤتمر صحفي أكد خلالها جاهزية السلطات الأمنية لتأمين انتخابات 16 أغسطس/آب والتي ستشمل 50 بلدية موزعة بين الغرب (34)، والشرق (8)، والجنوب (8)، عبر 726 مركز اقتراع، مع إصدار نحو 400 ألف بطاقة انتخابية.
وتترقب ليبيا هذه الانتخابات بوصفها الأكبر منذ نحو عقد ونصف، وتشمل 62 مجلسًا بلديًا في مدن رئيسية بينها طرابلس وبنغازي وسبها، العواصم التاريخية الثلاث للبلاد.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA= جزيرة ام اند امز