تمحورت مهمة الروبوت السياسي الليبي في دور محدد هو إجهاض محاولات بناء الجيش الوطني الليبي، وتفكيك ما تم جمعه من شتات الأقاليم.
الروبوت أو الإنسان الآلي، هو آلة مبرمجة سلفاً للقيام بإتقان بوظيفة محددة من قبل من قام بصناعة الروبوت وبرمجته، وعلى الرغم من أن باحثين من نيوزيلندا قد طوروا العام الماضي روبوتا سياسيا أطلقوا عليه اسم "سام" يجيب على أسئلة المواطنين السياسية عن التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، إلا أن العالم العربي قد سبق ذلك بنوع جديد من هذه الآلات جاء في صورة إنسان، كائن حي من بني البشر؛ تمت برمجته في مختبرات سياسية معينة، في عواصم متقدمة، وتم إرسال هذه الروبوتات السياسية إلى الدول العربية في أوقات محسوبة بدقة من أجل القيام بأدوار تمت برمجتهم على تأديتها، وأحيانا يتم سحبهم من المسرح السياسي، وأحيانا أخرى يتركون في أماكنهم مهملين بعد انتهاء أدوارهم.
تمحورت مهمة الروبوت السياسي الليبي في دور محدد هو إجهاض محاولات بناء الجيش الوطني الليبي، وتفكيك ما تم جمعه من شتات الأقاليم والمناطق والمدن والقبائل الليبية، والعودة مرة أخرى إلى مرحلة هيمنة المليشيات الدينية والقبلية والجهوية، وظل الروبوت السياسي الليبي يقوم بهذه المهمة بكل إتقان
فعلى سبيل المثال شهدت الساحة المصرية في أواخر عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك هذا النوع من الروبوتات السياسية مثل الدكتور البرادعي والمهندس وائل غنيم، قاما بأدوار متقنة للغاية ومبرمجة بصورة دقيقة، وفي لحظة محددة اختفى كلاهما، تم سحبهما، وتركا الوطن الذي كان المصريون يظنون أنهم من عاشقيه؛ الذين لا يستطيعون الحياة لحظة بعيداً عنه، ونفس المشهد تكرر في اليمن مع السيدة توكل كرمان التي تم تصنيعها وبرمجتها ومنحها جائزة نوبل للسلام، وهي لم تفعل شيئا يختلف عن ملايين اليمنيين واليمنيات الذين خرجوا ضد فساد واستبداد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ثم اختفت السيدة كرمان من ساحة اليمن على الرغم من عدم انتهاء المهمة، وتمت إعادة تصديرها إلى قطر ثم تركيا للقيام بمهام جديدة، بعد تغيير البرنامج التشغيلي لها.
ومن أخطر الروبوتات السياسية التي تم إرسالها للعالم العربي السيد فايز السراج، الذي تم تصنيعه وتصديره وتشغيله في ليبيا؛ دون أن يكون له وجود أو اسم أو دور قبل اليوم الذي تم وضعه فيه على رأس المجلس الرئاسي في ليبيا، ثم تم منحه الشرعية الدولية، ثم صار هو الوحيد المعبر عن ليبيا، كل ذلك على الرغم من أنه ليس سياسيا له سابق تجربة مع الحكم السابق، أو مع المعارضة، ولم يكن من المفكرين أو الشخصيات العامة الليبية...نموذج كامل للإنسان الآلي السياسي الذي تمت صناعته في خارج وطنه، ثم تم وضعه في سدة الحكم، وعلى رأس النظام السياسي.
تمحورت مهمة الروبوت السياسي الليبي في دور محدد هو إجهاض محاولات بناء الجيش الوطني الليبي، وتفكيك ما تم جمعه من شتات الأقاليم والمناطق والمدن والقبائل الليبية، والعودة مرة أخرى إلى مرحلة هيمنة المليشيات الدينية والقبلية والجهوية، وظل الروبوت السياسي الليبي يقوم بهذه المهمة بكل إتقان، فمع كل نجاح للجيش الوطني الليبي يتخذ من القرارات والإجراءات الظاهرة، أو المؤامرات الخفية ما ينال من دور الجيش الوطني، ويعيد الأمور في ليبيا إلى الوراء.
تتعدد الروبوتات السياسية في العالم العربي، ولكن تتوحد أدوارها وتتفرد بخصائص واحدة واضحة لا تخطئها عين، جميع الروبوتات السياسية في الدول العربية شخصيات تظهر في الميدان السياسي بدون سابق إنذار، بدون خبرة سابقة أو تجربة، يراها الناس مكتملة البناء، ناضجة، في موقع القيادة مرة واحدة، ولا يتذكرون لها دورا سابقا، أو تطورا سياسيا، أو مواقع معروفة في الحكم أو في المعارضة؛ تماما مثل الإنسان الآلي الذي تراه لأول مرة وهو يؤدي وظائفه بكل إتقان مبهر.
الروبوتات السياسية تتميز بكونها شخصيات سمجة، بليدة المشاعر، لا تتأثر ... لا بنقد، ولا بهجوم ... ولا بأي شيء، هي تتحرك في طريقها، وتؤدي وظائفها وكأنها لا تسمع ولا ترى، ونادراً ما تتكلم، هم منفصلون شعورياً عن الشعب، لا يكترثون بمآسيه وأوجاعه، يرددون عبارات مسجلة في أذهانهم، هي نفس العبارات التي تخرج من المنظمات الدولية المحايدة، هم بارعون في التواصل مع المجتمع الدولي؛ الجهة المصنعة لهم، فاشلون في التعامل مع المجتمعات التي يعملون فيها، لأن هذه المجتمعات لم تكن جزءا من عملية تصنيعهم، ولم ترد في البرنامج التشغيلي لهم.
الروبوتات السياسية في العالم العربي خطيرة جداً؛ خطورتها لا تقل عن خطورة تحكم الآلات في الإنسان في أفلام الخيال العلمي، تلك الأفلام التي صارت واقعاً في الكثير من الدول العربية، حيث تحكمت هذه الروبوتات في الإنسان العربي في أكثر من دولة.
وللحقيقة والتاريخ فإن الروبوتات السياسية لعبت أدواراً سابقة في العالمين العربي والإسلامي، فالتاريخ القريب يذكرنا بحامد كرزاي في أفغانستان، روبوت سياسي هبط من السماء على أفغانستان، وتحول من صاحب مطعم في دولة أوروبية إلى رئيس دولة، وبعده جاء أحمد الجلبي في العراق الذي تحول من سارق بنوك، مطارد بالإنتربول إلى زعيم سياسي يقود المعارضة التي أسقطت صدام حسين بقوة الجيش الأمريكي، وفي دولة قطر هناك العديد من الروبوتات السياسية التي تم تصنيعها بعد انقلاب 1995، رجال ونساء تم تصنيعهم وزرعهم في جزيرة العرب، وتحولوا فجأة إلى لاعبين سياسيين يقومون بأدوار في غاية الخطورة تهدف إلى إعادة تشكيل المجتمعات العربية، بعد تفكيك دولها، وتحويلها إلى حالة فوضوية تسمح بإعادة رسم الخرائط جميعها، وإعادة تشكيل الدول والكيانات الاجتماعية جميعها.
العالم العربي يوشك أن يسقط ضحية للروبوتات السياسية ما لم يتحرك الإنسان، ويتخلص من هذه الآلات المتقنة في التدمير، ويعيد الأمور إلى الإنسان حتى وإن أخطأ الإنسان، لأن إتقان الروبوتات سيقود العرب إلى حالة تدمير كامل.
نقلا عن صحيفة الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة