سلاح المليشيات يخنق ليبيا.. ومجلس الأمن في سباق مع الفوضى

في لحظة مفصلية من عمر الأزمة الليبية الممتدة، يستعد مجلس الأمن الدولي لعقد جلسته النصف شهرية، مساء اليوم لمتابعة تطورات المشهد الليبي، وسط تراجع الاهتمام الدولي وتفاقم التحديات الداخلية.
الجلسة المرتقبة ستتضمن إحاطة شاملة من المبعوثة الأممية هانا تيته، تغطي أبعاد الأزمة السياسية والأمنية والإنسانية، وذلك بعد أيام من انعقاد مؤتمر "برلين 3" الذي أكد دعم العملية السياسية بقيادة الأمم المتحدة، وشدد على ضرورة الامتناع عن أي خطوات أحادية قد تعمق الانقسام.
غير أن مؤشرات الميدان تبدو مغايرة لتلك الدعوات، حيث تعاني البلاد من حالة شلل سياسي وأمني، تكرسها سطوة المليشيات والانقسام المؤسسي، ما يطرح تساؤلات جدية حول جدوى اجتماعات مجلس الأمن، وقدرته على كسر الجمود الراهن.
هيمنة السلاح وتعطيل السياسة
من جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي أن ليبيا دخلت مرحلة يصعب فيها الحديث عن أي تقدم سياسي جاد، في ظل استمرار سيطرة المجموعات المسلحة على مفاصل الدولة.
وقال الأوجلي لـ"العين الإخبارية" إنه "بعد سنوات طويلة من الأزمة الليبية بات واضحا أن تحقيق أي نجاح سياسي وأي توافق في ظل وجود مجموعات مسلحة أو ميليشيات تسيطر على مفاصل الدولة أمر مستحيل".
وحذر الأوجلي من أن ما يجري في العاصمة طرابلس يشبه إلى حد بعيد ما عاشته البلاد خلال عملية "فجر ليبيا" عام 2014، وما تبعها من صراعات متكررة، موضحًا أن "ما يحدث في ليبيا اليوم، والعاصمة طرابلس تحديدا، هو محاولة خلق سنوات جديدة من الانقسام".
وأضاف أن المجتمع الدولي لا يضع ليبيا ضمن أولوياته في الوقت الراهن، ما يعني أن الأزمة ستبقى تراوح مكانها، دون حل أو حتى تحرك جدي، لكنه أشار إلى أن "رغبة الدول الكبرى في تجميد الملف الليبي قد تعمق الأزمة بشكل أو بآخر".
المليشيات.. العائق الأكبر
أما المحلل العسكري والسياسي محمد الترهوني فاعتبر أن أصل الأزمة في ليبيا ليس في الخلافات السياسية، بل في النفوذ المليشياوي المتصاعد.
وقال الترهوني لـ"العين الإخبارية" إن "ليبيا تعاني من معضلة كبيرة تعوق أي تقدم سياسي، وهي تغول المليشيات وامتلاكها النفوذ والقوة، وتتدخل في العمل السياسي بل وتفرض القرارات على السلطة التنفيذية مع حصولها على الغطاء المشرعن بدعم الحكومة لها وإعطائها تسميات رسمية".
وقلل الترهوني من قدرة المجتمع الدولي على تحريك المياه الراكدة، مشيرا إلى انشغاله بأزمات أكثر إلحاحًا على الساحة الدولية.
وشدد على أن "الشارع الليبي غاضب من الوضع السياسي والانقسام الحالي"، وقال إنه لا أمل في أي عملية سياسية ما لم يُكسر النفوذ المسلح".
وأضاف أنه "لا حل إلا الحل الأمني، وعلى المجتمع الدولي الضغط لتصفية هذه المليشيات وتفكيكها ليحدث بعد ذلك وفاق سياسي يمكن البناء عليه لتوحيد السلطة التنفيذية والسير في اتجاه الانتخابات".
مجلس الأمن.. إدارة أزمة لا حلّها
من جانبه، لا يعلّق المحلل السياسي الليبي سالم سويري آمالًا كبيرة على جلسة مجلس الأمن المقبلة، معتبرًا أنها استمرار لحالة "تدوير الأزمة"، لا تجاوزها.
وقال سويري لـ"العين الإخبارية" إن "مجلس الأمن الدولي هو من اعتمد الاتفاق الذي نص على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والتي فشلت خلال الأعوام الماضية في تنفيذ جميع المهام الموكلة إليها، وما زال المجلس يعترف بها رغم ذلك لعدم وجود توافق دولي على تغييرها".
وأضاف أن تمثيل الدول في مؤتمر "برلين 3" كان ضعيفًا مقارنة بالنسخ السابقة، وهو ما يعكس تراجع الحماسة الدولية تجاه الملف الليبي، قائلا إن "المجلس بات وسيلة لتدوير الأزمة فحسب".
فرصة ضيقة.. مشروطة بتدخل جاد
ورغم الأجواء القاتمة، ألمح الباحث السياسي الليبي محمد امطيريد إلى وجود نافذة لتحريك الملف، إذا ما توفرت الإرادة الدولية.
وقال في تصريحه لـ"العين الإخبارية" إن "المجلس قد يكون له دور هذه المرة في إحداث تغيير ما، خاصة أنه جاء بعد اجتماع برلين 3، وستطلع المبعوثة الدول على ما تم التهديد به من عقوبات على من يعرقل العملية السياسية، وقد يتم اعتمادها".
وأضاف أن هناك "جدية فعلية في إخراج حل مبدئي"، لكن تعقيدات العاصمة طرابلس تبقى العائق الأساسي أمام أي تقدم، مؤكدا أن "الوضع في طرابلس خطير، ولا توجد ضمانات لتحقيق استقرار، ولذلك يحتاج الأمر إلى عقوبات دولية وتدخل دولي لإنهاء الأزمة".
وخلص امطيريد إلى أن ليبيا قد تتحول إلى أولوية دولية إن استمرت الأزمات الاقتصادية الناتجة عن الصراعات الكبرى، قائلا إن "الأزمات الأخيرة في المنطقة قد تسبب أزمة اقتصادية دولية، ما يعني ضرورة أن تطور ليبيا اقتصاديا حتى تنفس على بعض الدول الأوروبية، خاصة التي تعاني أزمات الطاقة، ولذلك قد يتم الدفع نحو الاستقرار ولو كخيار بديل حال تطورت الأزمات الأخرى".
برلين 3.. توصيات مؤجلة
البيان الختامي لمؤتمر برلين 3 شدد على أهمية عمل اللجنة الاستشارية المشكلة من البعثة الأممية في رسم مسارات لحلحلة الملفات العالقة، مع دعوة الأطراف الليبية إلى الامتناع عن أي إجراءات فردية من شأنها مفاقمة الانقسام.
وأكد البيان أن من يعرقل العملية السياسية قد يواجه عقوبات دولية، بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، كما تعهد المشاركون بعقد اجتماعات دورية للجنة المتابعة الدولية بهدف الحفاظ على زخم الدعم الدولي للعملية السياسية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY4IA== جزيرة ام اند امز