بين الإرث الثقيل والطموحات.. هل تفك المبعوثة الأممية الجديدة عقدة ليبيا؟
لم يكن الطريق إلى السلام في ليبيا مُعبّدا أمام المبعوثين الأمميين، فمنذ عام 2011، تعاقب على الملف تسعة مبعوثين أمميين، لم يتمكن أيٌّ منهم من تجاوز متاهة الانقسامات السياسية والأمنية، مما أنهى رحلته مبكرًا.
وعلى هذا الطريق، تسير المبعوثة العاشرة، حنا سيروا تيته، مُحمّلة بتحديات جسام: توحيد الأطراف السياسية، إحياء العملية الانتخابية، وتحقيق توافق أمني يضع حدًا للصراعات المسلحة، في بلدٍ مثقلٍ بأعباء انقسام داخلي وتشابك مصالح إقليمية ودولية.
ومع إرث من الإخفاقات المتراكمة، تواجه تيتيه أول اختباراتها في بناء جسور الثقة بين الأطراف المتصارعة، وسط مطالب بإعادة تفعيل لجان الحوار المتعثرة، وخاصة لجنة 5+5 العسكرية، التي أعيق عملها مرارًا.
لكن تيته قد تكون أمام فرصة استثنائية، فبحسب محللين فإن نجاحها يتوقف على قدرتها في كسر حلقة الفشل السابقة، عبر استراتيجيات مبتكرة وتحالفات مرنة، لعلها تُنهي عقدًا من الجمود وتفتح آفاقًا جديدة أمام ليبيا وأهلها.
فهل تكسر عقدة سابقيها؟
يقول الدكتور يوسف الفارسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة درنة ورئيس حزب «ليبيا الكرامة»، إن الملفات السياسية والأمنية تُعد من أهم التحديات التي ستواجه المبعوثة الأممية الجديدة إلى ليبيا، حنا سيروا تيته، إلى جانب الملف الاقتصادي الذي لا يزال يعاني من التعثر.
وأوضح الفارسي في حديث لــ«العين الإخبارية»، أن المبعوثة الجديدة ستواصل مسار سابقتها، ستيفاني ويليامز، خاصة فيما يتعلق بلجان الحوار، سواء كانت الفنية أو السياسية، باعتبارها البوصلة الحقيقية لتحقيق الانتخابات، مشيرًا إلى أن «الانقسام السياسي يمثل العائق الأكبر أمام عمل البعثة، حيث أصبح الوضع أشبه بالمراوحة في المكان، مع عجز الدولة عن إيجاد حلول حقيقية».
وبحسب أستاذ العلوم الفارسية، فإن المشكلة الرئيسية تكمن في عزل الأطراف السياسية عن طاولة الحلول، إضافة إلى الإخفاق في تحقيق تقدم ملموس في إطار لجنة (5+5)، التي بذلت جهودًا كبيرة لكنها اصطدمت بعراقيل من الأطراف الموجودة في غرب ليبيا، والتي وصفها بأنها «المعيق الرئيس لنجاح الحوار».
«هذا الفشل لا يؤثر فقط على المشهد السياسي، بل تمتد حممه إلى المشهد العسكري»، يقول الفارسي، محذرا من أن التحديات والملفات السياسية والأمنية المستمرة تمثل خطرًا حقيقيًا على استقرار ليبيا، ما يتطلب تكثيف الجهود الدولية والمحلية للتغلب عليها.
وشدد على أن نجاح البعثة الأممية الجديدة يعتمد على قدرتها في توحيد الأطراف السياسية ودفع عملية الحوار، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي يتطلب قرارات شجاعة وإرادة حقيقية لتحقيق الاستقرار في البلاد.
الاقتصاد والسلاح
في السياق نفسه، قال الخبير الإيطالي في الشؤون الليبية، دانييلي روفينيتي، إن المبعوثة الأممية الجديدة إلى ليبيا، حنا سيروا تيته، تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في ضمان استمرارية جهود الاستقرار مع دفع جديد نحو تحقيق هذا الهدف. وأشار روفينيتي إلى أن سابقتها، ستيفاني ويليامز، حاولت إطلاق مسار معقد لتحقيق الاستقرار من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة.
وأوضح روفينيتي أن تعقيد الانقسامات الداخلية في ليبيا، والذي تجلى مؤخرًا في التطورات المحيطة بمؤسسة النفط الوطنية، يعكس حجم التحديات التي تواجه المبعوثة الجديدة، كما أن الانتشار الواسع للأسلحة في أنحاء البلاد، التي استُخدمت في صراعات سابقة، يُعد تذكيرًا دائمًا بالمخاطر المحتملة.
وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي يُشكل أيضًا عقبة كبيرة، حيث يعاني الليبيون من إرهاق بسبب أكثر من عقد من عدم الاستقرار وما صاحبه من انعدام للأمن.
وأكد روفينيتي أن فرص نجاح حنا سيروا تيته تعتمد بشكل كبير على قدرتها على إشراك الفاعلين السياسيين والدبلوماسيين الرئيسيين الذين يمكنهم دعم العملية.
وفيما أشار إلى أهمية دور الولايات المتحدة كعنصر محوري في هذا السياق، شدد على ضرورة عدم تجاهل إيطاليا، التي بذلت جهودًا كبيرة في ليبيا وأثبتت كونها شريكًا موثوقًا للأمم المتحدة.
واختتم الخبير الإيطالي حديثه بالتحذير من أن مهمة حنا سيروا تيته قد تواجه الفشل، إذا لم يتم تعزيز التعاون متعدد الأطراف والانخراط المباشر مع الأطراف المؤثرة.
فرصة تاريخية
بدورة رأى المحلل السياسي الليبي محمد أمطيريد، أن التوافق بين الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب وروسيا، قد ألقى بظلاله الإيجابية على الملف الليبي، مما انعكس في تكليف تيته بمتابعة هذا الملف.
وأوضح أمطيريد في حديث لــ«العين الإخبارية»، أن تيته تدخل المشهد في ظروف مهيأة تماماً، مع خطط وضعت على مدار الأشهر الثمانية الماضية، مما قد يسرّع من إنجاز المهام خلال الفترة القادمة، معتبرًا التوافق الروسي-الأمريكي، خطوة غير مسبوقة في إدارة الملف الليبي.
وأشار إلى أن تكليف تيته، باعتبارها أول امرأة يتم تعيينها مباشرة من مجلس الأمن لإدارة هذا الملف، يمثل تحولاً نوعياً، لافتا إلى أن الانتخابات البرلمانية تبدو أكثر قابلية للتحقق مقارنة بالانتخابات الرئاسية، فيما يعد تشكيل حكومة موحدة مفتاحاً لتغيير المسار السياسي في ليبيا.
وأوضح أن التنسيق بين واشنطن وموسكو حول الملف الليبي يعكس رغبة الطرفين في دعم الاستقرار ومعالجة الأزمات السياسية والاقتصادية التي عانت منها ليبيا على مدار السنوات الماضية، مؤكدا أن دعم تيته بمبادرات واضحة ودعم دولي واسع قد يمنحها فرصة ذهبية لتحقيق إنجازات ملموسة خلال المرحلة القادمة.
واختتم أمطيريد حديثه، بالتأكيد على أن هذه التطورات تمثل فرصة تاريخية لتحريك المياه الراكدة في المشهد الليبي، خاصة في ظل توافق روسي-أمريكي غير مسبوق، مما يعزز الآمال في تحقيق الاستقرار والتنمية السياسية والاقتصادية للبلاد.
10 مبعوثين
تعاقب على ليبيا 9 مبعوثين بالإضافة إلى المبعوثة الجديدة، وهم عبد الإله الخطيب (وزير خارجية أردني سابق في أبريل 2011، إيان مارتن (دبلوماسي بريطاني) عُيّن في سبتمبر/أيلول 2011، طارق متري (أكاديمي ووزير لبناني سابق): أوكلت إليه مهمة رئاسة البعثة في سبتمبر/أيلول 2012.
ومن بين المبعوثين -كذلك-: برناردينو ليون (دبلوماسي إسباني): تسلّم مهامه في أغسطس/آب 2014، مارتن كوبلر (دبلوماسي ألماني) تولّى المهمة بين نوفمبر/تشرين الثاني 2015 إلى يونيو/حزيران 2017، غسان سلامة (أكاديمي ووزير لبناني سابق): عُيّن في يونيو/حزيران 2017 إلى عام 2020.
كما عين: ستيفاني وليامز (دبلوماسية أمريكية): نائبة لرئيس البعثة، ثم رئيسة للبعثة عام 2020، ويان كوبيتش (دبلوماسي ووزير سلوفاكي سابق): تولى مهامه في ليبيا بمنتصف يناير/كانون الثاني 2021، عبد الله باتيلي (دبلوماسي وسياسي سنغالي): تولى المهمة في سبتمبر 2022، ومنذ منتصف عام 2023 ظل هذا المنصب فارغا حتى عينت المبعوثة الأممية الجديدة حنا سيروا تيته.
aXA6IDE4LjE5MS4yMzYuNSA= جزيرة ام اند امز