بطريقة علمية.. كيف عاد الملك ليفربول إلى عرش البطولات؟
تقرير لمجلة "فوربس" يكشف دور الفلسفة التي اتبعتها إدارة نادي ليفربول خلال السنوات الأخيرة للوصول لأقصى درجات سلم النجاح.. اقرأ التفاصيل
قبل نحو 5 سنوات من الآن، وبالتحديد في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، كان فريق ليفربول يعاني من سوء النتائج في الدوري الإنجليزي، حيث أدى تعادله 1-1 في ديربي الميرسيسايد مع إيفرتون في الرابع من الشهر ذاته لإقالة المدرب الإيرلندي الشمالي بريندان رودجرز، والتعاقد مع مدرب جديد.
قبلها بعدة أشهر كانت نهاية يورجن كلوب كمدرب لبروسيا دورتموند تُكتب بشكل حزين للغاية، باحتلال المركز السابع في الدوري الألماني، والخسارة ذهاباً وإياباً من الغريم بايرن ميونيخ في المسابقة المحلية 1-5 و0-1، والخروج من دوري أبطال أوروبا بالخسارة على أرضه 0-3 من يوفنتوس، والخسارة من فولفسبورج في نهائي كأس ألمانيا 1-3.
وبعد أشهر قليلة من استقالته من دورتموند بتلك الطريقة الحزينة وجد كلوب ضالته في ليفربول الجريح من أجل خوض تحد جديد مع عملاق نائم، على أمل إيقاظه من غفلته مجددا وإعادته إلى موقعه على ساحة الكبار في إنجلترا وأوروبا، وهو ما نجح فيه بعد نحو 4 سنوات.
4 سنوات من المحاولات الجادة والإعداد المدروس، توج ليفربول بعدها بقيادة كلوب بلقب دوري أبطال أوروبا عام 2019 بعد عام واحد من خسارته النهائي، وفقد الدوري الإنجليزي بفارق نقطة وحيدة بعد منافسة شرسة استمرت حتى النهاية، قبل أن ينجح في العام التالي في حسم اللقب قبل النهاية بـ7 جولات.
كيف تفوق ليفربول؟
مجلة "فوربس" الأمريكية الشهيرة كشفت عن سر تفوق ليفربول كلوب في المواسم الأخيرة، وذلك في تقرير تحليلي لها حمل عنوان "ليفربول استخدم العلم والتكنولوجيا ليجري عملية تحول مبهرة خلال السنوات الأخيرة".
وتطرق التقرير في البداية للحديث عن ميزة ليفربول عن أقرانه في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى، وهي نجاحه في استغلال الموارد الخاصة به على عكس الأندية الكبرى الأخرى التي تنفق المليارات لكن دون جدوى في النهاية، مما يؤدي إلى إهدار مالي كبير دون تحقيق أي نجاحات على أرض الواقع.
لكن الوضع في ليفربول مختلف، وفقا للمجلة، لأن النادي نجح في تحقيق النتائج الجيدة، ليس عبر الصدفة وإنما بأسلوب علمي جعل الأندية الأوروبية المنافسة تحسده عليه.
الرؤية والفلسفة
لم تكن الفترة الأولى لمجموعة "فينواي سبورتس" المالكة لنادي ليفربول ناجحة بالشكل الكافي، حيث عابها توالي النتائجة المخيبة وعدم الاتزان، وفي الوقت الذي كان فيه الفريق قريباً في موسم 2013-2014 من التتويج بالبريمييرليج، بدا واضحاً لمجلس الإدارة أن النجاح يتطلب من أجل تحقيقه أن يبنى على رؤية وفلسفة.
هنا بدأ البحث عن مدرب جديد، وكان السر في الألماني يورجن كلوب، الذي لم يكن له تاريخ في الدوري الإنجليزي، لكن إدارة ليفربول اعتمدت في تعاقدها معه على فلسفة تحليل البيانات والأرقام لما قدمه المدرب مع دورتموند، وكيف يمكن لهذا الفكر أن ينجح في أنفيلد.
ليفربول كان على دراية بالتدهور الذي حدث للمدرب في سنواته الأخيرة في البوندسليجا، ما بين عامي 2013 و2015، لكن التعاقد معه جاء على أسس علمية.
وبالطبع النتائج التي حققها المدرب في ألمانيا كان لها دور في التقييم فيما يخص آخر عامين، لكن الأداءات الجيدة لكتيبة كلوب حتى في أوقات الخسارة لعبت دورها هي الأخرى في التقييم والتعاقد بالإضافة لسجل النجاح الذي حققه من 2010 إلى 2013.
المميزات التي بحث عنها ليفربول وجدها ببساطة في المدرب الألماني، وهي السمعة والرصيد والقدرة على تحفيز اللاعبين والجماهير والتعاون مع الإدارة، والقدرة على جعل النادي ككيان هو الأهم أكثر من الأفراد.
وتسبب دعم مجلس إدارة ليفربول لكلوب أن يضع خطة طويلة المدى للنجاح، دون الوقوع في فخ الخطط قصيرة المدى السائدة في عالم كرة القدم في الوقت الحالي.
ثقة الإدارة والجماهير
كلوب نجح في كسب ثقة مجلس إدارة الريدز سريعاً، وكانت فلسفة المدرب مبنية على الاعتماد على الأكاديمية حيث تم إنشاء ملعب للتدريب خاص فقط بالأكاديمية والفريق الأول، وهو ما أوضح أن المدرب يراهن على الشباب، ويريد أن يخلق فريقاً متكاملاً من النجوم الصغار والشباب، يكمل بعضه البعض.
المدرب الألماني كذلك استهدف استقطاب الجماهير، ففهم عقليتهم في وقت قصير، وأدرك عشقهم لليفربول، هذا النادي صاحب الكبرياء، الذي لم تقدر سنوات الفشل الطويلة على جعل عدد مشجعيه يقل.
وجعل شغف الجمهور بليفربول كلوب قادراً على بناء قاعدة جماهيرية لدعم النادي في وقت مبكر للغاية بعد توليه المسؤولية.
كيفية استقطاب المواهب وتطويرها
حتى ينجح ليفربول في بناء القائمة المثالية القادرة على السير بالفريق في الطريق الصحيح اعتمد النادي على ضم اللاعبين المناسبين لطريقة لعب وفكر المدرب الألماني، وذلك بناء على تحليلات دقيقة تشرف عليها لجنة فنية وليس شخصا واحدا.
استخدم ليفربول تحليل البيانات، من أجل تحقيق أكبر استفادة من لاعبيه من جهة وضمان تطوير مستوياتهم من جهة أخرى.
درس ليفربول احتساب أداء اللاعبين في السابق، وكيفية تطويره في المستقبل، بالإضافة لخلق ثقافة الفوز ومزج كل هذا مع سلوك وعقلية تجعل الفريق في وضع مثالي لتحقيق النجاحات.
وشددت المجلة في تحليلها على أن تطبيق تلك النظرية في ليفربول لم يكن بحاجة لمخاطرات مالية كبرى، لكن للاعبين صغار في السن، ليس لهم قدر واسع من الشهرة، مع مجموعة نجوم منسيين نوعاً ما.
في تلك الفترة بدأ كلوب في جلب المصري محمد صلاح من روما الإيطالي، ومن قبله السنغالي ساديو ماني من ساوثهامبتون الإنجليزي، بالإضافة للحارس البرازيلي أليسون بيكر والمدافع الهولندي فيرجيل فان ديك من الناديين ذاتهما على الترتيب، بجانب تصعيد ترنت ألكسندر أرنولد من فريق الشباب بالنادي، وغيرهم.
واستناداً إلى نظرية تحليل البيانات في الفحص والاختيار، نجح ليفربول في تطوير مستويات لاعبيه، والاستفادة من بيانات المباريات التي يلعبها مما كان له تأثير قوي على الفريق فيما بعد.
هذه الفلسفة جعلت لدى ليفربول القدرة على خلق توازن بين الخيارات الدفاعية والهجومية والتكتيكية في المباريات، مما نتج عنه تحسين الأداءات الفردية للاعبين.
من البناء إلى الحصاد
في أول موسمين للمدرب الألماني ارتبط الأمر ببناء هيكل للفريق وخلق قاعدة دفاعية، مثلما يقوم مدير مالي للشركة أو مدير عمليات بتجنب الخسائر بأكبر قدر ممكن، كي يكون قادراً في المستقبل على تحقيق النجاحات، وفقا لـ"فوربس".
في تلك الفترة تفوق ليفربول في فكرة خنق المنافسين عبر سياسة الضغط، لكن تطبيق كل هذا لم يكن ممكناً إلا عبر ضم اللاعبين المناسبين الذي تكون لديهم القدرة على تنفيذ الفكر الذي يطلبه المدرب بالشكل الصحيح، لكن ما احتاجته كتيبة الوحوش العقلية كما وصفها كلوب هو المثابرة من أجل تحقيق الفوز.
خلال عامين تمكن فريق ليفربول من أن يصبح الفريق الأنجح في إنجلترا وأوروبا، ليس هذا فحسب، فالفريق بات الأكثر أماناً بين الأندية الأوروبية والأعلى من ناحية النمو المستدام وتحقيق الأرباح القياسية.
وأكدت المجلة الأمريكية أن ما حققه ليفربول من نجاحات في عصر يورجن كلوب، بفضل الاستراتيجية الموضوعة منذ اليوم الأول، جعله يكتسب ثقة الإدارة التي قررت التجديد له حتى 2024.
ووصف التقرير قصة تعاون ليفربول وكلوب بأنها بنيت على مزج العلم الحديث بتاريخ النادي العريق، مما نتج عنه تحقيق النجاحات التي يستمتع بها جمهور الفريق في الوقت الحالي، مضيفاً: "تتويج ليفربول بالدوري الإنجليزي هو مثال يحتذى لرؤساء الشركات الذين يريدون أن يبقوا على القمة في أوقات الاضطرابات".
كيف يمكن استنساخ التجربة؟
أنهى التقرير المطول حديثه عن فلسفة نجاح الريدز في عهد كلوب بالحديث عن الكيفية التي يمكن من خلالها تطبيق ما قام به ليفربول عبر نقاط محددة.
وأكد التقرير في البداية أنه يجب التخطيط للمدى الطويل، بجانب استبعاد أي شكل من أشكال التحيز في تلك العملية الحسابية، ثم التأكيد على أن النماذج باهظة الثمن، مثل اللاعبين أصحاب الأسعار العالية، ليست أبداً ضمانة للنجاح أو مناسبة لتحقيق أهداف الشركة.
وأشار إلى أن العنصر الثالث هو الاستفادة من البيانات واستخدام تحليلاتها بالشكل الذي يخدم الشركة ويساعد على تطورها وتحسنها.
واختتم التقرير فكرته بالتأكيد على أن جميع أصحاب المصلحة داخل الشركة أو الفريق يجب أولاً أن يعملوا معاً من أصغر الموظفين إلى رئيس مجلس الإدارة، ووقتها سيكون من السهل تحقيق النجاح واستنساخ تجربة ليفربول المثمرة.