منذ دخول بريكست حيز التنفيذ نظريا لم يلتقِ البريطانيون والأوروبيون مباشرة في مفاوضات ما بعد الخروج إلا مرة واحدة.
لم تكن معضلة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ينقصها سوى وباء كورونا حتى تزداد تعقيدا. ما أن تنفس البريطانيون الصعداء بعدما أوصلوا بلادهم إلى بداية طريق الخروج، حتى توقف مسار المفاوضات بين لندن وبروكسل بشأن شكل العلاقة التي قد تجمع بين الطرفين مستقبلا.
منذ دخول بريكست حيز التنفيذ نظريا نهاية يناير/كانون الثاني الماضي. لم يلتقِ البريطانيون والأوروبيون مباشرة في مفاوضات ما بعد الخروج إلا مرة واحدة في فبراير/شباط 2020. لم يخرج اللقاء بأي شيء وانتقلت الأحلام للجولة الثانية في الثامن عشر من مارس/آذار الذي تلاه، ولكنها ألغيت بسبب الوباء.
قررت لندن وبروكسل تحدي الوباء عبر إجراء لقاء افتراضي بينهما قبل نهاية مارس/آذار 2020. بريطانيًّا حضر اللقاء مساعد رئيس الوزراء مايكل غوف، وعلى الضفة الأخرى جلس نائب رئيس المفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيتش. والنتيجة لا شيء سوى الحديث عن احتمال تأجيل المفاوضات والخروج معا.
إن واصل الوباء عبثه بالكوكب عموما وبالقارة الأوروبية على وجه الخصوص، لن تحتاج الحكومة البريطانية إلى جهد كبير كي تقنع الشارع بتأجيل مفاوضات ما بعد الخروج. وبالتالي تأخير انفصال لندن وبروكسل عاما إضافيا.
يأمل الاتحاد الأوروبي في بقاء الحال على ما هو عليه مع المملكة المتحدة حتى انتهاء الجائحة. للاتحاد كتكتل ولدوله منفردة أولويات أخرى الآن غير الحديث عن حدود جغرافية مع بريطانيا، أو العلاقة التجارية المستقبلية معها؛ فالحدود أغلقها الوباء والتجارة في غالبية المجالات تداعت إلى حدود الإفلاس.
البريطانيون أيضا منشغلون بكورونا أكثر من أي شيء آخر. رئيس حكومتهم ذاته بوريس جونسون مصاب بالوباء ويتابع شؤون البلاد عبر عدسات الكاميرات المثبتة على حاسوبه في عزله الصحي. كذلك وزير الصحة مات هانكوك ومسؤولون آخرون أصيبوا بالجائحة ويعيشون عزلة مشابهة لرئيس الوزراء.
رغم هذا لا تبدي لندن رغبة في تأجيل المفاوضات مع بروكسل. لا تزال تقول عبر التصريحات الرسمية للمسؤولين البريطانيين إنها تريد المضي قدما والوصول إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي قبل نهاية العام الجاري. وهو الموعد المحدد لنهاية المرحلة الانتقالية في الزواج القلق بين التكتل وبريطانيا.
الأوروبيون يتوقعون أن تذهب بريطانيا باتجاه التأجيل والإعلان عن ذلك صراحة في شهر مايو/أيار المقبل. يراهنون في هذا على أن التأجيل سوف يصبح في ذلك الوقت الخيار اليتيم؛ لأن تداعيات كورونا ستكون مستمرة والمرحلة الانتقالية لمفاوضات ما بعد الخروج تدنو من نصف الطريق دون أي نتائج.
هناك في أروقة 10 داونينج ستريت من يهمس بهذا الأمر أيضا. ولكن الخشية هي من الرأي العام الذي ينتظر إنجاز حكومته لمعضلة الخروج المستمرة منذ ما يزيد على 4 سنوات. إن كان البريطانيون سيرضون بالتأجيل فيجب أن يقتنعوا بأنه الخيار الوحيد المتاح، وتجاهله سيجر على البلاد ضررا كبيرا.
إن واصل الوباء عبثه بالكوكب عموما وبالقارة الأوروبية على وجه الخصوص، لن تحتاج الحكومة البريطانية إلى جهد كبير كي تقنع الشارع بتأجيل مفاوضات ما بعد الخروج. وبالتالي تأخير انفصال لندن وبروكسل عاما إضافيا، حتى ينقشع غبار الوباء ويعرف الجميع ما لهم وما عليهم بعد فوضى كورونا.
بعيدا عن معدلات السياسة أو حسابات الأحزاب في تداعيات الرفض الشعبي. يبدو أن التأجيل خيار منطقي ويضمن السلامة للطرفين الأوروبي والبريطاني. الأوروبيون يمرون شعبيا وحكوميا وبرلمانيا بمرحلة حرجة تهدد وحدتهم بعيدا عن تداعيات العلاقة مع المملكة المتحدة واستقلالها عن بروكسل.
تداعيات كورونا على الاتحاد الأوروبي تجاوزت أزمته في خروج بريطانيا من صفوفه. أصبح بريكست مشكلة ثانوية تواجهها بروكسل مقارنة بخطر الانشقاق والتصدع الذي أصاب دول الاتحاد بسبب الجائحة. وهو خطر حذر منه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس حكومة إيطاليا جوزيبي كونتي.
الجائحة جعلت الإيطاليين يحرقون أعلام الاتحاد الأوروبي لأنهم لم يجدوا من دوله الدعم اللازم لبلادهم في محنة كورونا. ولن يكون مفاجئا أبدا أن يسيطر اليمين على السياسة الإيطالية بعد انتهاء المحنة، ويقود استفتاء على الخروج من الاتحاد عقابا لمن تقاعسوا عن دعم روما ضد الوباء من وجهة نظرهم.
في هذا السياق وحده قد يكون من الأفضل للاتحاد الأوروبي أن ينجز اتفاقه مع لندن مبكرا ليتفرغ لمواجهة تداعيات الجائحة على جميع أشكال الحياة فيه لاحقا. قد يكون من الأفضل أن يقلص الألمان والهولنديون والفرنسيون جبهات الحرب الأوروبية الداخلية ويسمحون باتفاقية واسعة مع لندن.
وضع برلين وأمستردام وباريس في جبهة واحدة فرضته تداعيات كورونا على أوروبا. وبغض النظر عمن يصطف إلى جانب إيطاليا في الجبهة المقابلة. فسيكون السجال الأوروبي الأوروبي أصعب من مفاوضات لندن وبروكسل. خاصة إذا ما واصل الألمان والهولنديون رفضهم مساعدة الدول المتضررة من الوباء.
بالنسبة للبريطانيين من الصعب حاليا تقييم تأثير الخلاف الأوروبي الداخلي بسبب كورونا على مفاوضات لندن وبروكسل. ربما تكون رب ضارة نافعة. وربما يصعب الأمر من إنجاز اتفاق تريده المملكة المتحدة أن ينجز بأسرع وقت ممكن، وبأفضل صيغة ممكنة. في الحالتين لن يتسرع البريطانيون في إعلان موقف نهائي من تأجيل أو إتمام الخروج في موعده. في زمن كورونا يفضل الجميع التريث في كل شيء إلا في إجراءات محاصرة الوباء. وفي ظل الجائحة كل شيء يحتمل التأخير والتأجيل مهما بلغت أهميته وبدا أولوية بالنسبة للأفراد والحكومات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة