اليوم انتهى زمن "الربيع العربي" ومعه دخلت كلّ الدول في العالم مرحلة جديدة في مواجهة فيروس كورونا
لا يفوّت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أي فرصة للتدخل في شؤون عددٍ كبير من دول المنطقة، بدءاً من مصر حين وصلت جماعة "الإخوان" الإرهابية إلى الحكم فيها قبل سنوات مروراً بليبيا والمليشيات التي يدعمها هناك وانتهاءً بسوريا والسودان والعراق وتونس والصومال وغيرها من الدول العربية.
وكان ما يُعرف بـ"الربيع العربي" قبل نحو عقدٍ من الآن بمثابة المفتاح السحري في يد أردوغان والّذي مكّن من قبضة جماعاته في عددٍ من الدول مثل سوريا وليبيا ومصر وتونس، قبل أن يُهزم مؤيدوه في ساحات القاهرة والخرطوم، وفي هذه الدول والعواصم كلّها مارس مؤيدوه طيلة تلك السنوات أبشع الجرائم وأفظعها وبعضهم يمارس إرهابه فيها حتى الساعة كما الحال في بعض المناطق السورية والليبية.
لكن اليوم انتهى زمن "الربيع العربي" ومعه دخلت كلّ الدول في العالم مرحلة جديدة في مواجهة فيروس كورونا، لكن هذا الأمر يختلف لدى أردوغان، الّذي يتعامل مع هذا الفيروس كمحاولة انقلابية على حكمه، وهو الّذي اعتاد على وصف كلّ ما يحدث في تركيا بـ"انقلاب" وعادةً ما يربطه بحزب "العُمال الكردستاني" وجماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن.
وبدلاً من اللجوء لإجراءات وقائية تحمي السكان في تركيا، تعمّدت وزارة داخلية أردوغان اعتقال كلّ من ينتقد الإجراءات الخجولة التي تطبق في البلاد، ومنها الحجر الصحي للعائدين من الخارج في غرفٍ جامعية صغيرة، وحاول بعضهم الهروب منها نتيجة الظروف السيئة المحيطة بهم.
بدلاً من اللجوء لإجراءات وقائية تحمي السكان في تركيا، تعمّدت وزارة داخلية أردوغان اعتقال كلّ من ينتقد الإجراءات الخجولة التي تطبق في البلاد ومنها الحجر الصحي للعائدين من الخارج في غرفٍ جامعية صغيرة، وحاول بعضهم الهروب منها نتيجة الظروف السيئة المحيطة بهم
كما أن أماكن الحجر تلك يختلط فيها الأشخاص المعزولون بعضهم ببعض، قد أظهرت معظم الفيديوهات المسرّبة من هناك أنها تشبه ساحات السجون ومهاجعها، ولا يمكن لها أن تحمي أحداً من الفيروس القاتل، فالمعزولون بلا قفازات أو أقنعة طبية. ورغم الانتقادات الكبيرة للأتراك حيال هذا الأمر، لم تلجأ وزارة الصحة لتحسين ظروف المعزولين، بل اعتقلت كلّ من انتقد تلك الظروف.
ورغم وجود حدود طويلة بين إيران وتركيا، لكن الأخيرة لم تغلق حدودها مع الأولى إلا بعد أن انتشر الفيروس في كلّ المدن الإيرانية، ناهيك بأن رحلات التهريب تستمر بين البلدين، وهؤلاء الأشخاص الّذين يدخلون الأراضي التركية بطريقةٍ غير شرعية لا يخضعون لأي اختبارات، الأمر الذي يزيد من مخاوف بعض الأطباء الأتراك من ازدياد تفشي كورونا أكثر فأكثر في بلادهم.
واضطر أردوغان نتيجة هذه الانتقادات للإعلان عن الحجر الصحي عبر وزير صحته في أكثر من 38 منطقة تتوزع على 18 ولاية في البلاد قبل أيام، لكن هذه الخطوة أيضاً جاءت متأخرة ولا يمكن لها أن تسهم بسهولة في القضاء على الفيروس المستجد. وكما يخشى الأتراك كلهم من تفشي الفيروس، يتخوف بعضهم من طرق المواجهة التي سيستغلها أردوغان.
فأولى خطوات المواجهة الأردوغانية لكورونا كانت باعتقال المنتقدين وتجاوزت أعدادهم 400 شخص من بينهم صحافيون وأكاديميون، والخطوة الثانية ستكون بفرض العزل الكامل في مناطق تقطنها أغلبية معارضة حتى ولو لم يكن فيها أي انتشار لكورونا، لا سيما أن ما يهم أردوغان هو القضاء على معارضته، خصوصا أنه عاجز عن تطبيق أي خطواتٍ فعلية كالعزل الشامل في كلّ الولايات نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
والخطوة الأخطر التي قد يلجأ لها أردوغان ربما تكون التجارة باللاجئين السوريين، فبعضهم عاد من الحدود التركية ـ اليونانية بعد أن فشلوا في الوصول إلى أوروبا وخضعوا لحجرٍ صحي في المدارس التركية، وربما يكون من بينهم مصابون بكورونا، خصوصا أن مراسلاً صحافياً كان يغطي موجة قدوم اللاجئين إلى الحدود أعلن عن إصابته بالفيروس فور عودته من هناك.
وباعتقادي حتى لو لم يكن هناك مصابون بالفيروس المستجد في صفوف اللاجئين السوريين العائدين من الحدود مع اليونان، فليس غريباً أن يخير أردوغان الغرب بذريعة إصابة لاجئين سوريين بفيروس كورونا بين احتلال مساحاتٍ جديدة من سوريا أو تحمّل تكاليف معالجتهم في بلاده.
ولهذه الأسباب كلها، ستشهد تركيا أزمة صحية كبيرة وقد تتخطى إيطاليا من حيث الأرقام والإصابات، فالإجراءات التي لجأ لها أردوغان لا تفي بالغرض، في حين أن منتقديها في السجون، وهذا يعني أن أردوغان يتعامل مع الفيروس ككيان "إرهابي" سيحقق من خلاله أهدافاً سياسية دون أن يقضي عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة