لا شك أنك سمعت هذا الشعار من قبل: "كرة القدم أكثر من مجرد لعبة".
شعارٌ يُشعرك بالفخر والسعادة أن تكون هوايتك المفضلة في هذه الحياة ليست مجرد وسيلة ترفيه، وإنما تجتمع فيها الجوانب الأخرى التي لا تخلو منها الحياة الإنسانية.
بالفعل، لم تعد كرة القدم مجرد لعبة.. أصبحت في السنوات الأخيرة صناعة كبرى، من أكبر -إن لم تكن بالفعل أكبر- صناعات العالم، صناعة يتابعها مليارات البشر، ويتكسَّب منها ملايين، ولا تتوقف في أي وقت من أوقات العام.
وكما لتلك الصناعة جوانب مادية واقتصادية، فإن لها جوانب اجتماعية وإنسانية لا تقل عنها أهمية، بل يجب أن تزيد، فهي ركن الحياة الرئيسي، التي لا تقوم دونه، ولو توافرت الأموال بالملايين والمليارات.
لقد شاهدَت جماهير كرة القدم وجهًا قبيحًا للعبة، الخميس الماضي، حين خرج أحمد يحيى، حارس مرمى فريق الاتحاد السكندري المصري، باكيًا من ملعب مباراة فريقه ضد فريق سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري، بعدما تعرّض للسّباب من قبل الجماهير، التي حمّلته مسؤولية استقبال 5 أهداف في شباكه.
لم يكن هذا هو الوجه المُظلم الوحيد في القصة، فقد كان الحارس الشاب يخوض تلك المباراة بعد ساعات من توديعه شقيقه المتوفَّى، حتى إن اللاعبين وقفوا دقيقة حدادًا على روحه قبل بداية المباراة، ما يعني أن الجماهير، التي هاجمته، كانت تعي ما جرى للحارس.
الحارس الشاب، الذي قدّم مستوياتٍ طيبةً في مباريات فريقه الأخيرة، لم يتحمل تلك الصدمة، فما لبث أن شكر جماهير الكرة على دعمها الكبير له بعد الواقعة، لكنه أعلن اعتزاله كرة القدم بشكل نهائي.
وبينما رسمت بعض الجماهير هذا المشهد المُظلم في ملعب "المقاولون العرب"، رسم بعض الحاضرين عليه وجوهًا أخرى تحمل شعاعًا من النور، بداية من لاعبي وجهاز فريق سيراميكا كليوباترا، الذين حرصوا على مواساة اللاعب وتهدئته.
الوجه الآخر المشرق رسمته رابطة الأندية المصرية، التي قررت منح جائزة لاعب الجولة لأحمد يحيى، بعد تحامله على نفسه وإصراره على المشاركة في المباراة لمساعدة زملائه رغم وفاة شقيقه.
ولكن، وإن رسم هؤلاء وجهًا مضيئًا، فإن العنصر الأهم في منظومة كرة القدم ليس المدرب ولا اللاعبين ولا رابطة الأندية ولا أي مؤسسة أخرى، بل هو الجمهور، الجمهور الذي يجب أن يمتلك من الثقافة الإنسانية مقدار ما يمتلكه من حب ناديه والتعصب له، بل يزيد.
في 18 أبريل/نيسان الماضي، أعلن البرتغالي كريستيانو رونالدو، نجم مانشستر يونايتد الإنجليزي، وفاة أحد طفليه حديثي الولادة، قبل نحو 24 ساعة فقط من مواجهة الغريم التقليدي ليفربول، في مباراة نارية ضمن منافسات الدوري الإنجليزي.
ولمن لا يعرف، فإن العداء متأصل بين سكان المدينتين وليس بين ناديي ليفربول ومانشستر يونايتد فقط، قبل أكثر من 100 سنة، وانتقل هذا العداء إلى ملاعب كرة القدم عبر الناديين الأكثر حصولا على الألقاب في تاريخ كرة القدم الإنجليزية.
ورغم هذه الحالة من العداء، فإن جماهير ليفربول لم تتوانَ عن إظهار دعمها لكريستيانو رونالدو في المباراة، التي غاب عنها، حيث انتظرت الدقيقة السابعة، التي ترتبط بالرقم المفضل للنجم البرتغالي، حتى وقفت وحملت قميص نجم الغريم التقليدي وصفقت له.
الأمر دفع كريستيانو رونالدو لكتابة رسالة خاصة عبر حسابه على موقع "إنستجرام"، يوجه فيها الشكر لجماهير الغريم التقليدي ليفربول، في لقطة تُجسد الإنسانية في أبهى صورها، وتجعلها في منزلة فوق منزلة التنافس، حتى لو وصل هذا التنافس إلى حد العداء.
يمكننا أن نختلف، أن نتنافس، فهي رياضة قائمة على التنافس، يحاول فيها كل طرف أن يكون أفضل من الآخر، ولكن لا يمكننا أبدًا أن ننسى إنسانيتنا، وأنه مهما اختلفت أدياننا أو أوطاننا أو أفكارنا أو انتماءاتنا الكروية، فنحن جميعًا من نسلٍ واحد، خلقنا الله من آدم وحواء، لنتآخى ونتراحم، لا لنتنافر ونتقاتل.
كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، جمعت الشعوب على متابعتها والشغف بها، ووحدت بين مشاعرهم عند الفرح بانتصار الفريق أو الحزن لخسارته، فلا يجب بعد ذلك أن تفرق بينهم لغضب عابر أو تعصب زائل، حتى تبقى أكثر من مجرد لعبة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة