بالصور.. "اللوري"قصة سيارة سكنت الوجدان السوداني
الشاحنة التي عرَّب السودانيون اسمها من كلمة "lorry" الإنجليزية التي تعني سيارة النقل الثقيل، ذات المحرك الكبير،
"اللوري" سيارة ارتبطت بوجدان الشعب السوداني، ولم تبارح ذكراها مخليته قط رغم تراجع وجودها وقلة استخدامها بعد دخول سيارات حديثة أكثر سرعة وأسهل استخداماً.
الشاحنة التي عرَّب السودانيون اسمها من كلمة "lorry" الإنجليزية التي تعني سيارة النقل الثقيل، ذات المحرك الكبير، والتي تستخدم لحمل البضائع، يعود عمرها لأكثر من مائة عام، حيث دخلت إلى البلاد مع الإنجليز الذين جلبوها للخرطوم من مدينة بيدفورد بمقاطعة بيدفوردشير شرقي إنجلترا، حيث تصنعها إحدى الشركات التي تحمل اسم المنطقة "بيدفورد فايكلس" وتتبع لشركة "فوكسهول موتورز" إحدى أفرع "جنرال موتورز" وأنتجت أولى سياراتها في أبريل 1931 من مقرها الرئيسي ببلدة لوتن، إضافة إلى شركات بريطانية أخرى لصناعة السيارات.
لم يكن "اللوري" معروفاً في السودان، لكنه ظهر في العام 1918 حسبما ذكره الشيخ بابكر بدري في كاتبه "تاريخ حياتي"، وفيه يقول "زار رفاعة فريق من ضباط الجيش الذي حارب بالميدان الغربي بفرنسا، حيث جاء ضباط محمولون على لوريات (سيارات ناقلات جنود)، وكانت تلك أول مرة نرى فيها هذه الشاحنات".
بعد دخول هذه السيارات إلى السودان وافتتاح شركات التسويق وكالاتها بالسودان أجرى السودانيون عليها بعد التعديلات فيما يتصل بهيكلها، حيث نشأت الورش لتجميع الشاحنات الواردة، وورش أخرى لصناعة الصناديق، كما نشأت مخازن ومحال تجارية لبيع قطع الغيار والإطارات والبطاريات، ثم ورش للصيانة في الخرطوم والمدن الكبرى، مثل "كوستي وسنار وبورتسودان".
وتم تخليد ذكرى شاحنة اللوري في وجدان الشعب السوداني من خلال حكايات وأغان شعبية عديدة، بينها تلك التي تجسد شغف الحبيب وهو يرى حبيبته يأخذها (اللوري) بعيدا عن دياره، إذ إنه كان وسيلة النقل الوحيدة في تلك الفترات، ففي عدد من مناطق السودان التي تغيب عنها طرق الأسفلت والسكك الحديدية يعتبر "اللوري" الوسيلة الوحيدة التي يتنقل عبرها المواطنون في أسفارهم للمناطق القريبة والبعيدة.
الدكتور عباس التجاني، الباحث والكاتب السوداني الشهير، الذي يعشق الأسفار حتى وثق لحكاياته مع التنقل بين أطراف السودان ودول أخرى في كتاب باسم "سفر الروح" يقول لـ"العين الإخبارية" إن التنقل بين مدن وأرياف السودان حاشد بالذكريات المرتبطة بالسفر عبر "اللوري"، ويشير إلى أن "اللوري" ينقسم لعدة أنواع منها "السفنجة، والتيميس، والأوستن"، وهي سيارات بريطانية الصنع، وأضاف "كان لهذه السيارات دور عظيم في نقل السكان والسلع بين فيافي السودان، دون النظر لمكان صنعها".
ويقول التجاني مستلهماً تجارب ذكرياته مع "اللوري"، حينما تقف السيارة يتسابق الركاب لحجز مواقع مميزة على زوايا صندوق الشاحنة، بينما يتصارع الشباب للجلوس على (السبت)، مكان في مقدمة صندوق اللوري، لما له من متعة لاستنشاق الهواء والاستمتاع بالمناظر الطبيعة".
ويتكون هيكل صندوق "اللواري" من صاج الحديد تقام عليه أقواس من الزوايا المتينة، بينها زوايا خلف غمرة القيادة تملأ بالصاج تعرف بـ"التندة"، وقوس آخر يثبت عليه القضبان وباب الصندوق الخلفي وباب الشبك الخلفي، ويعرف بالمرايا، وقوس ثالث على بعد نحو متر أو أكثر قليلاً من المرايا يسمى بالزاوية، ويمثل دعامة داخلية للصندوق، إلى جنبه دعامات أخرى تثبت عليها القضبان الأفقية.
كثير من المغنيين السودانيين لجأوا في الآونة الأخيرة لترديد أغان من التراث السوداني، لكن الشاهد أن الأغاني التي نالت الشهرة الأكبر هي تلك المرتبطة بـ"اللوري"، والتي تجسد شغف الحبيب، وهو يرى المحبوبة من بين أخريات يغادرن الديار على ظهر ثلاث نيسانات.
كما يقول رئيس تحرير مجلة البادية السودانية، حبيب فضل المولى، لـ"العين الإخبارية" إن ما يجعل "اللوري" يحتفظ بمكانته في وجدان الشعب السوداني، هو أنه كان أحد وسائل الحركة التي دخلت السودان منذ وقت باكر واستخدمها أغلب سكان البلاد في أسفارهم.
وأضاف "اللوري" بخلاف القطر الذي له سكك حديدية محددة يسير عليها، وبما أن السكك الحديدية لم تكن تصل لكل أجزاء السودان فقد تمدد استخدام "اللوري" بواسطة مواطني المناطق التي تغيب عنها طرق الأسفلت والسكك الحديدية في تنقلاتهم.
وأكد أن رحلة السفر عبر "اللوري" تكون أكثر متعة من السفر عبر القطار أو البصات، مردفاً "السفر بواسطة اللوري في الطرق الوعرة هو عبارة عن رحلة سياحية رغم قسوته في بعض المرات، فالرحلة السفرية تستغرق عدة أيام تتعرف خلالها على جمال الطبيعة ومميزات الأمكنة.
أضاف السودانيون لجسم اللوري صندوقا آخر لأدوات الصيانة من "مفكات ومفاتيح وزردية وكمّاشة"، ثم هناك مكان لحفظ رافعة العربة (العفريتة)، وكذلك قضيب المنفلة المعوج، الذي يحتفظ به لغرض بدء تشغيل ماكينة اللّوري، كذلك يتم تثبيت معول (كوريق) أو اثنين على جانبي اللوري أو في الخلف لأغراض المعالجة في حالة الوحل.
ويحتفظ في "اللوري" ببرميل لحفظ الوقود الإضافي، وكتلة من الخشب لتثبيت "اللوري" لكيلا يتحدرج في حالة التوقف في مكان غير مستوٍ.
وأوضح أن استخدام السكان في دارفور لشاحنة "اللوري" قد ازداد في الآونة الأخيرة بعد منع الحكومة استخدام سيارات "اللاندكروزر" رباعية الدفع لدى المواطنين، وحصر استخدامها على القوات الأمنية فقط.
وكانت هذه السيارات سبباً في تراجع استخدام "اللوري" بعد انتشارها بكثافة لدى المواطنين لصغر حجمها وسرعتها، وكذلك مقاومتها لظروف الطبيعة خصوصاً في فصل الخريف والأوحال، لكن تقارير أمنية أظهرت استخدام هذه السيارات في جرائم النهب والقتل التي شهدها الإقليم خلال سنوات الحرب الأهلية، وهو ما دفع الحكومة لحظر استخدامها بواسطة المواطنين.