بالأرقام.. خسائر بالمليارات بعد مقاطعة المنتجات التركية
حال قرر اتحاد الغرف التجارية العربية مقاطعة منتجات تركيا، فإن ذلك يعني خسارة الاقتصاد التركي لما يقرب من 70 مليار دولار
استجاب الآلاف من السعوديين والعرب عموما لدعوة رئيس الغرف التجارية السعودية مطلع الشهر الجاري إلى مقاطعة المنتجات التركية بعد تطاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على دول مجلس التعاون الخليجي ومحاولة ازدراء تاريخهم.
وقال رئيس مجلس الغرف السعودية رئيس غرفة الرياض عجلان العجلان، في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، إن مقاطعة المنتجات التركية التي تشمل "الاستيراد، أو الاستثمار، أو السياحة تعد مسؤولية كل فرد سعودي، كان تاجرا أو مستهلكا".
وأكد ضرورة "مقاطعة تلك المنتجات ردا على العداء المستمر من الحكومة التركية على قيادتنا وبلدنا ومواطنينا".
وكان رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا تصريحات للرئيس التركي يهدد فيها دول الخليج قائلًا: "بعض الدول في منطقتنا لم تكن موجودة بالأمس، وربما لن تكون موجودة في المستقبل، لكننا سنواصل رفع رايتنا في هذه المنطقة إلى الأبد".
وكانت حملة #حظر_المنتجات_التركية والتي بدأت في عام 2019 حققت أثرا كبيرا في الاقتصاد التركي وأسفرت عن انخفاض عدد السياح السعوديين الوافدين إلى تركيا بنسبة 40% خلال عام 2019 مقارنة بالعام السابق له 2018، حيث تراجعت أعدادهم إلى المرتبة 11 بعد أن كانوا في المرتبة الرابعة في 2018، وذلك بحسب وزارة الثقافة والسياحة التركية.
وفي حالة تم اتخاذ قرار عربي موحد ضد تركيا، كأن اتخذ اتحاد الغرف التجارية العربية قرارًا بمقاطعة الدول العربية جميعًا لمنتجات تركيا، فإن ذلك يعني خسارة الاقتصاد التركي لما يقرب من 70 مليار دولار.
وفي حال اتخذ اتحاد الغرف السياحية العربية قرارًا بوقف السياحة من الدول العربية إلى تركيا فإن ذلك يعني خسارة أنقرة ما يقرب من 30 مليار دولار، وهي ستكون ضربة قاسمة للاقتصاد التركي المنهار بالفعل.
تراجع معدلات السياحة
وأكد مدير العلاقات العامة بشركة ركسون السعودية للسياحة، حسام الناغي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أن تركيا لم تعد الوجهة المفضلة للسائح السعودي نظرًا لعدم تمتعها بالأمن الذي يبحث عنه السائح، حيث وصل الانخفاض في حجوزات الرحلات إلى تركيا لنحو 70%، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي فعّل مدونون سعوديون وسم بعنوان #مقاطعة_السياحة_التركية، بعد أنباء عن محاولة اغتيال سائح سعودي على الأراضي التركية.
وخلفت تلك الحملة أثرًا سلبيًا على اقتصاد أنقرة بالنظر إلى أن السعودية من أكبر الدول التي ترسل سياحا إلى تركيا، حيث يمثل السائحون السعوديون ما نسبته 2% من حجم السياحة التركية بواقع 639 ألف سائح، وينفق السائح السعودي نحو 500 دولار يوميًا، وفقًا لدراسة أجراها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض عام 2018.
كذلك، لم تنس العقوبات الاقتصادية السعودية على تركيا محاربة الغزو الثقافي التركي للعقول العربية، حيث قررت مجموعة “إم بي سي”، أكبر المحطات الفضائية العربية وأكثرها مشاهدة، التي يديرها رجل الأعمال السعودي، وليد آل إبراهيم، ومستثمرون سعوديون آخرون، في مارس/آذار 2018 وقف بث الدراما التلفزيونية التركية، وهو ما أثر على عائدات اقتصاد أنقره. يذكر أنه تم استئناف العرض في 26 يونيو الماضي.
أضرار بالغة لأنقرة
وجهت السعودية بقرارها حظر دخول المنتجات التركية ركلة جديدة لاقتصاد أنقرة المتهاوي، ويُمكن معرفة حجم الضرر الناتج عنها بالنظر إلى أن السعودية تحتل المرتبة الـ15 ضمن قائمة الدول التي تصدر إليها تركيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 1.27 مليار دولار عام 2019، بواقع 3.18 مليار دولار صادرات تركية إلى السعودية، مقابل 3 مليارات دولار من الواردات.
وتأتي منتجات الأثاث المنزلي والفواكه الطازجة والخضروات والمواد الغذائية والمنسوجات على رأس قائمة الصادرات التركية إلى السعودية، فعلى سبيل المثال، تحصل المملكة على كافة تجهيزات الفنادق تقريبًا من تركيا.
وقرار إغلاق أحد الأسواق الشرق أوسطية المهمة للمنتجات التركية، يترتب عليه أضرار بالغة على آلاف الشركات والمصدرين الأتراك، فضلًا عن تضرر الشركات الصغيرة والمتوسطة في مدن هاتاي وغازي عنتاب وديار بكر الواقعة جنوب شرق تركيا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن السعودية هي رابع أكبر وجهة تصدر إليها مدينة غازي عنتاب منتجاتها، وقد بلغ حجم صادرات المدينة إلى السعودية 255 مليون و743 ألف دولار في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أغسطس/آب عام 2019، انخفض إلى 209 ملايين و623 ألف دولار، في الفترة ذاتها من العام الجاري، مع الوضع في الاعتبار تأثير جائحة كورونا على حركة الاقتصاد، ويحتل السجاد المرتبة الأولى في صادرات المدينة إلى المملكة، فيما يأتي قطاع الأغذية في المرتبة الثانية.
تراجع الاحتياطي النقدي
ويساهم هذا القرار في تفاقم الأوضاع الاقتصادية المزرية في تركيا، إذ سيترتب عليه إغلاق أحد مصادر العملة الأجنبية، وتقليص حجم الاحتياطات النقدية الأجنبية التي تراجعت إلى ما دون حد الكفاية، بحسب صندوق النقد الدولي، مسجلة 86.53 مليار دولار بحلول نهاية يونيو من العام الجاري انخفاضًا من 102.5مليار دولار في أول العام.
ووفقًا لتقديرات معهد التمويل الدولي في شهر مايو/آيار، شهدت تركيا أكبر خسارة من حيث النسبة المئوية في احتياطيات النقد الأجنبي بين الاقتصادات الناشئة الكبرى، منذ نهاية فبراير.
ويترجم انخفاض النقد الأجنبي إلى مزيد من تدهور قيمة العملة التي سجلت أدنى مستوى لها على الإطلاق اليوم الثلاثاء 29 سبتمبر/أيلول إلى نحو 7.8477 دولارًا مدفوعة بالقلق من تورط أنقرة في الصراع الدائر الآن بين أرمينيا وأذربيجان بإجمالي تراجع خلال العام الحالي نسبته 24%.
وينعكس انخفاض الليرة التركية على ارتفاع معدلات التضخم التي بلغت نسبتها خلال العام الجاري 11.77%.
وينعكس الوضع الاقتصادي المتدهور على انخفاض معدل النمو ومستويات مرتفعة من عجز الموازنة، وارتفاع معدل البطالة وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين، وقد تسببت هذا الوضع الاقتصادي المتدهور في زيادة معدلات الانتحار بين صفوف العمال الأتراك، إذ كشفت بيانات صادرة عن مجلس صحة العمال والسلامة المهنية، أن 433 عاملًا تركيًا انتحروا خلال السنوات السبع الأخيرة بسبب ظروف العمل السيئة.
ورقة المستثمرين الخليجيين
كما دعا المستثمرون الخليجيون في تركيا إلى أن يتخذوا موقفًا تجاه هذه السياسات العدائية خاصة أن استثماراتهم تقدر بنحو 19 مليار دولار، وتشكل ما نسبته 9.4 % من مجمل الاستثمارات الأجنبية في السوق التركية، حيث تحتل دول الخليج المرتبة الثالثة كأكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية في تركيا بعد بريطانيا وهولندا.
ويلعب المستثمرون الخليجيون دورًا كبيرًا في إنعاش الاقتصاد التركي؛ فقد بلغ عدد الشركات الخليجية المستثمرة في تركيا 1973 شركة، منها 1040 شركة لمستثمرين سعوديين، يعمل منها 250 شركة في مجال الاستثمار العقاري فيما تعمل باقي الشركات في قطاعات أخرى أهمها صناعة الغزل والنسيج والملابس، والسيارات، والصناعات المعدنية والصناعات الغذائية والاستهلاكية.
وساهم مواطنو الخليج في دعم نشاط الاستثمار العقاري التركي خلال السنوات السابقة حيث اشتروا أكثر من ربع العقارات التي بيعت للأجانب في عام 2017 واحتل المستثمرون السعوديون والكويتيون المرتبة الثانية والثالثة على التوالي في شراء المنازل التي تم بيعها للأجانب، وهو ما يعني أن توقف هذه الاستثمارات جزئيًا يعني انهيار قطاعات كاملة في الاقتصاد التركي.