زهور اللوتس في حياة المصري القديم
يرجع أصل اسم زهرة اللوتس عموما إلى كلمة "لوتاز" اليونانية.
زهرة اللوتس -تلك الزهرة العطرة بألوانها الزرقاء والحمراء والبيضاء التي تزهر وتتفتح لمدة 5 أيام فقط من الفجر حتى الغسق ثم تبدأ دورة حياة جديدة، والمقدسة في حياة المصري القديم منذ بداية التاريخ المصري القديم في الألف الثالث قبل الميلاد- لم تكن عنصرا زخرفيا جماليا صورها المصري على جدران المعابد فقط، أو استخدمها في تصنيع العطور وأدوات التجميل والتزين، بل كانت عنوان الخلق عند قدماء المصريين.
يرجع أصل اسم زهرة اللوتس عموما إلى كلمة "لوتاز" اليونانية، أما المصري القديم فأطلق على كل لون في الزهرة اسما خاصا بها، فالبيضاء "سشن"، و الزرقاء "سربد" أو "سربتي"، والوردية "نخب" أو"نحب".
اللوتس كعنصر زخرفي
ظهرت زهرة اللوتس كعنصر زخرفي منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وقد تاثر العالم القديم باستخدام اللوتس المصري فى الزخرفة الفنية، وظهرت زهرة اللوتس في الزخرفة الآشورية منذ الألف الأول ق.م، واتجهت غرباً إلى سوريا واليونان في القرن السابع ق.م، وظلت حاضرة في الفن القديم حتى الغزو المغولي حيث غابت فترة تاريخية طويلة، وعادت في القرن الـ13 الميلادي قادمة من الصين التي تأثرت بعلاقتها الثقافية والتجارية ببلاد بين النهرين وإيران.
يقول الدكتور عبدالحميد عزب، أستاذ الآثار والحضارة المصرية، في كتابه "أزهار اللوتس في مصر القديمة"، إن "الفنان المصري القديم تأثر برقة وجمال أزهار اللوتس فمثلها في أساطينه وأعمدته كعنصر جمالي في العمارة المصرية القديمة، وقد قلد المصري القديم أزهار اللوتس ضمن أدوات التجميل حيث شكل مرايا، مكاحل، أطباق، حلي، وصدريات وأواني بهيئة زهرة لوتس بديعة الشكل".
اللوتس وشفاء الأمراض
دخلت اللوتس ضمن تصنيع العطور في مصر القديمة؛ حيث كان يتم نقع الأزهار في وضع مقلوب الشكل في مادة دهنية للحصول على العطر المطلوب، وزهرة اللوتس فيها مادة ملونة مسكنة مضادة للتشنج ولها قدرة غريبة على شفاء الالتهابات.
يقول الدكتور جهاد سالم: "كانت زهرة اللوتس تستخدم أيضا في العلاج بالروائح العطرية، وهو نوع من العلاج يعتمد على استخدام زيوت أزهار معينة لتنشيط مراكز الطاقة في جسم الانسان، لمساعدة الجسم على علاج نفسه بنفسه، ويعتبر زيت زهرة اللوتس الزرقاء من أقوى أنواع الزيوت التي تستخدم في ذلك النوع من العلاج ولها تأثير سحري على تحسين مناعة الجسم".
اللوتس وأسطورة الخلق المصرية
في تصريح خاص ببوابة "العين" الإخبارية، تقول الأستاذة صفاء محمد، الباحثة في علم المصريات: "جاء في ثامون الأشمونيين، وهو أحد نظريات نشأة الكون الخمسة الرئيسية في مصر القديمة، أن زهرة اللوتس أول ما خرج من “نون” وهي المياه الأزلية الموجودة منذ بداية الخلق".
وتضيف صفاء "يوجد بعض المعبودات ارتبطت بأزهار اللوتس مثل الإله "رع" حيث مثلت رمزاً للبعث والتجلي في فجر اليوم الجديد، و"نفرتم" حيث ولد وظهر من زهرة لوتس بيضاء، ولعلنا نتذكر هنا رأس الملك توت عنخ أمون الخشبية التي تصوره يخرج من زهرة لوتس مثل نفرتم من جديد، بالإضافة إلى "أولاد حورس الأربعة" الذين ولدوا من زهرة لوتس فى مياه الأبدية".
كما توضح بعض النصوص أن مسألة "شم الزهرة" وتقريبها للأنف يعني "اسـتنشاق رحيق الأبدية" كما هو مدون في نصوص بعض المقابر، وفي متون بعض التوابيت تم تمثيل هذه الزهرة أسفل عرش أوزير فى مياه الأزلية داخل محكمة أوزير "الموتى".
زهرة اللوتس و الوعي الكوني
لم تكن مشاهد استنشاق زهور اللوتس الزرقاء المصورة على جدران المعابد والمقابر لمجرد الزخرفة، بل هو يعتبر أحد أوضاع التأمل التي يمكن أن نقارنها بتمارين "اليوجا" في الثقافة الآسيوية؛ حيث أثبتت الأبحاث التي أجريت على زهرة اللوتس المصرية الزرقاء أن لها تأثيرا على مخ الإنسان يؤدي إلى حالة من الاسترخاء العقلي تمكن الإنسان من الوصول إلى ما يعرف بالـ"تنوير"، تلك اللحظة الفارقة والفاصلة بين النوم واليقظة.
يقول علماء الفيزياء إن نسبة الخلايا العاملة في الحمض النووي البشري هي فقط 3%، وأن الـ97% المتبقية منه خاملة وغير عاملة، وأن وظيفة الـ97% لم يكتشف كل أسراره حتى الآن، ويرجع عالم الفيزياء "بول دافيز" أن هناك معلومات عن تاريخنا الكوني موجودة داخل الحمض النووي البشري، وهي في حالة خاملة ومسجلة بطريقة مشفرة تحتاج إلى تحفيز لإخراجها إلى الوعي وإدراك وجودها، هذا التحفيز للحمض النووي الخامل والذي يمكن الإنسان من الحصول على علوم ما وراء الطبيعة يحدث بتمرينات التأمل".
ويضيف "دافيز" أن "أحد أساليب التأمل في مصر القديمة كان استنشاق زهرة اللوتس، التي ساعدت المصريين القدماء على تحفيز جزء من الحمض النووي الخامل، وإدراك علوم متطورة جدا كانت موجودة بداخلهم مسبقا ولكنها خاملة".
ومن تقديس المصري القديم لزهرة اللوتس لحضورها في عملية الخلق إلى لحظة التنوير باستنشاق الزهرة يأتي الوعي الكوني للمصري القديم، وإدراكه للوجود الأولي، والوصول إلى ما وراء الطبيعة بعلومها المختلفة.