ارتفعت حدة المخاوف من الآثار المترتبة على الحرب التجارية التي تدور رحاها بين الولايات المتحدة والصين من انخفاض في النمو الاقتصادي
مالت أسعار النفط للانخفاض بشكل ملحوظ خلال الأسبوع الماضي، حيث بلغ مستوى الانخفاض الأسبوعي أكثر من 5.5%، وهو أعلى انخفاض أسبوعي منذ يوليو/تموز. لكن ربما يكون الأكثر أهمية هو أن الكثير من التوقعات تميل الآن إلى ترجيح كفة انخفاض الأسعار خلال الفترة المتبقية من هذا العام، وخلال العام القادم أيضا. وتعود هذه التوقعات إلى التطورات التي شهدتها الأسواق خلال الشهور والأسابيع القليلة الماضية، سواء أكان ذلك على جبهة الطلب أو العرض.
كاتجاه عام إذا تشير العوامل الأساسية من عرض وطلب إلى أن الاحتمال الأكبر هو انخفاض الأسعار، فكيف سيكون رد فعل تحالف أوبك+ على ذلك، هل ستكون الاستجابة في هيئة اتفاق جديد ينخفض فيه الإنتاج بمقدار أكبر كما يقترح البعض، أم سيكون هناك توجه آخر؟
فعلى جانب الطلب ارتفعت حدة المخاوف من الآثار المترتبة على الحرب التجارية التي تدور رحاها بين الولايات المتحدة والصين من انخفاض في النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي انخفاض الطلب على النفط. وقد عزز من هذه المخاوف الكثير من التطورات والوقائع التي شهدتها كبرى الاقتصادات العالمية المستهلكة للنفط، حيث تشي هذه التطورات بأن الكثير من بلدان العالم هي إما على شفا حالة من الركود الاقتصادي أو تسجل معدلات النشاط الاقتصادي فيها انخفاض شديد. ومن بين أهم هذه الوقائع والتطورات ما يلي:
أظهر تقرير للقطاع الخاص في الولايات المتحدة أكبر اقتصاد وأكبر مستهلك عالمي للنفط صدر يوم الثلاثاء 1 أكتوبر/تشرين الأول انكماش قطاع الصناعات التحويلية خلال شهر سبتمبر/أيلول إلى أضعف مستوياته في أكثر من عشرة أعوام، وفي ظل تدهور أوضاع الشركات بدرجة أكبر وسط التوترات التجارية القائمة مع الصين.
وقال معهد إدارة المشتريات إن مؤشره لأنشطة المصانع الأمريكية تراجع إلى 47.8 نقطة، وهو ما يمثل أدنى قراءة له منذ شهر يونيو/حزيران 2009. وتشير أي قراءه أقل من الخمسين إلى انكماش قطاع التصنيع. وفي الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط وأكبر مستورد له تراجع النمو الاقتصادي خلال الربع الثاني من العام إلى 6.2% وهو ما يعد أقل معدل للنمو خلال 27 عاما، كما انخفض النشاط الصناعي خلال الشهور الأخيرة إلى أقل مستوى له في 17 عاما.
ورغم تحسن مؤشر مديري المشتريات من 49.5 نقطة في أغسطس/أب إلى 49.8 نقطة في سبتمبر/أيلول وفقا للمكتب الوطني للإحصاء، إلا أن المؤشر يبقى دون مستوى خمسين نقطة وهو الحد الفاصل بين النمو والانكماش.
وبين مسح يوم الثلاثاء 1 أكتوبر/تشرين الأول أن أنشطة المصانع انكمشت في منطقة اليورو، التي تضم 19 اقتصادا أوروبيا، بأكبر نسبة في نحو سبعة أعوام خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما يشير إلى أنه ربما لن يكون هناك تحسن في أي وقت قريب.
وسجلت القراءة النهائية لمؤشر "آي.إتش.إس ماركت" لمديري المشتريات في القطاع الصناعي 45.7، وهي القراءة الأقل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2012 كما أنها تقل كثيرا عن مستوى الخمسين نقطة الفاصل بين النمو والانكماش.
وهو مؤشر يقيس الإنتاج ويستخدم في المؤشر المجمع لمديري المشتريات، ويعد مقياسا جيدا لسلامة الاقتصاد إلى 46.1 نقطة من 47.9، وهو أقل مستوى منذ ديسمبر/كانون الأول 2012، وهو الشهر الثامن الذي يسجل فيه هذا المؤشر مستوى أقل من خمسين نقطة.
وأظهر مسح نشرت نتائجه يوم الاثنين 7 أكتوبر/تشرين الأول أن معنويات المستثمرين في منطقة اليورو انخفضت خلال شهر أغسطس/أب إلى أدنى مستوى لها في أكثر من ستة أعوام، في الوقت الذي فشلت فيه إجراءات التحفيز التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي في تهدئة المخاوف بشأن حدوث حالة ركود اقتصادي.
وقالت مجموعة سنتكس للأبحاث إن مؤشرها لمعنويات المستثمرين في منطقة اليورو انخفض إلى أدنى مستوى له منذ أبريل/نيسان 2013.
وأظهر مؤشر يتتبع ألمانيا أن معنويات المستثمرين بأكبر اقتصاد في أوروبا بلغت أدنى مستوى لها منذ يوليو/تموز 2009.
وفي اليابان انخفض مؤشر اقتصادي رئيسي في شهر أغسطس/أب، وخفضت الحكومة يوم الاثنين 7 أكتوبر/تشرين الأول نظرتها إلى الاقتصاد لتشير إلى "تدهور"، مما يعني أن الاقتصاد المعتمد على التصدير ربما يدخل في حالة ركود. وقال مكتب مجلس الوزراء الياباني "إن مؤشرا اقتصاديا يتكون من مجموعة من البيانات التي تشمل إنتاج المصانع والتوظيف وبيانات مبيعات التجزئة تراجع في شهر أغسطس/أب مقارنة مع الشهر السابق.
كما بين مؤشر منفصل للمؤشرات الاقتصادية الرئيسية الذي يقيس حالة الاقتصاد خلال عدة أشهر مقبلة وهو مؤشر يستند إلى بيانات مختلفة مثل عروض الوظائف ومعنويات المستهلكين، تراجع بمقدار نقطتين مقارنة بمستواه في شهر يوليو/تموز.
وقد تباطأ نمو اليابان بسبب تأثير النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين على صادرات البلاد، مما أدى إلى انخفاض معنويات كبرى شركات التصنيع في مسح يقوم به بنك اليابان المركزي إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات خلال الربع الثالث من السنة.
كافة هذه التطورات تقطع بأن آثار حرب التجارة آخذة في الانتشار وأنها تزداد عمقا مع مرور الوقت خاصة من حيث التأثير على القطاع الصناعي. ومن حيث الآثار بشكل عام قالت المديرة الجديدة لصندوق النقد الدولي إن الصندوق يتوقع أن تؤدي حرب التجارة إلى تباطؤ النمو هذا العام في نحو 90% من العالم، وأن معدل النمو سينخفض هذا العام ليسجل أقل معدل له خلال العقد الحالي. أما بحلول العام القادم فيتوقع الصندوق أن تكلف حرب التجارة النمو العالمي ما يصل إلى 700 مليار دولار.
على جانب العرض، هناك أيضا عدد من التطورات والوقائع التي ترجح كفة انخفاض أسعار النفط. ومن بين أهم هذه التطورات هو ما بدى من قدرة فائقة على استعادة المملكة العربية السعودية لطاقتها الإنتاجية خلال أقل من أسبوعين بعد الهجمات التي تعرضت لها اثنتان من أكبر منشآتها النفطية. إذ كانت بعض التوقعات قد ذهبت إلى أن استعادة المملكة لقدرتها الإنتاجية ستستغرق عدة أسابيع وربما شهور.
التطور الثاني المهم يتعلق بالفائض في الطاقة الإنتاجية الذي يميل للارتفاع. فقد استعادت المملكة العربية السعودية طاقة إنتاجية تصل إلى 11.3 مليون برميل يوميا بينما إنتاجها في حدود 9.9 مليون برميل يوميا، أي يوجد فائض يبلغ نحو 1.4 مليون برميل يوميا، وسوف تزيد الطاقة الإنتاجية الفائضة مع بلوغ المملكة لطاقة إنتاجية قدرها 12 مليون برميل يوميا، كما أعلنت في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بل وربما قبل ذلك. ومن جانبه أعلن وزير الطاقة الروسي مؤخرا أن بلاده أصبح لديها طاقة إنتاجية فائضة تبلغ نصف مليون برميل يوميا. وهناك أيضا نحو 950 ألف برميل طاقة إنتاجية فائضة لدى بلدان الأوبك، منها 620 ألف برميل لدى الإمارات والكويت. وفي الإجمال هناك طاقة إنتاجية فائضة كبيرة نسبيا متوفرة يمكن استخدامها في حالة وقوع أي طارئ، وهو ما يساعد على طمأنة المستهلكين على متانة جانب العرض.
إلى جانب ما سبق، نجد أن المخزونات التجارية من النفط الخام لدى الدول المستهلكة مالت بوجه عام للارتفاع حيث ارتفعت هذه المخزونات في الولايات المتحدة على مدار الأسابيع الأربعة الأخيرة لتبلغ 425.6 مليون برميل في الأسبوع الماضي، وهي عند متوسط مستوى هذه المخزونات خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. وكان من المقدر في وقت سابق انخفاض هذه المخزونات بتأثير توقع غياب كمية كبيرة من النفط السعودي لفترة طويلة نسبيا من الوقت. علاوة على أن الدول المستهلكة وعلى خلاف التوقع لم تمس احتياطياتها الاستراتيجية من النفط وهي الاحتياطيات التي يتم تكوينها بأموال حكومية ليتم السحب منها في الحالات الطارئة التي تؤثر على تدفق الإمدادات النفطية بشكل طبيعي.
كل التطورات والوقائع السابقة تذهب إلى ترجيح كفة انخفاض أسعار النفط، وتبقى أي تحركات نحو الارتفاع رهنا إلى حد كبير بالأوضاع الجيوسياسية والسياسية ليس فقط كما يتم التركيز غالبا في منطقة الخليج العربي، وإنما أيضا في مناطق أخرى مثل ليبيا وفنزويلا. علاوة على الحركات الاحتجاجية الواسعة التي تشهدها كل من العراق والإكوادور وإمكانية تأثيرها على إنتاج وصادرات البلدين من النفط.
كاتجاه عام إذا تشير العوامل الأساسية من عرض وطلب إلى أن الاحتمال الأكبر هو انخفاض الأسعار، فكيف سيكون رد فعل تحالف أوبك+ على ذلك، هل ستكون الاستجابة في هيئة اتفاق جديد ينخفض فيه الإنتاج بمقدار أكبر كما يقترح البعض، أم سيكون هناك توجه آخر؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة