من السجن للقصر.. لولا دا سيلفا يعود لحكم بلاد السامبا
قبل 3 سنوات فقط، كان الرئيس الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا نزيلا في أحد سجون البرازيل بتهمة الفساد، قبل أن تتم تبرئته ومن ثم عودته للحياة السياسية، وقلب الطاولة على الرئيس اليميني المنتهية ولايته جايير بولسونارو والعودة لحكم بلاد السامبا.
وكان لولا (77 عاما)، قد نفذ عقوبة بالسجن بتهمة الفساد (2018-2019) قبل أن يأمر القضاء بإخلاء سبيله.
كيف فاز لولا بانتخابات البرازيل؟
فوز لولا بالانتخابات الرئاسية لم يكن من قبيل المصادفة حيث تصدر غالبية الاستطلاعات التي أكدت على مدى جاذبية وشعبية الرجل الذي وصفه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في وقت ما بأنه الشخص "الأكثر شعبية" في العالم.
ويأتي فوز السجين السابق دليل على تزايد المخاوف من اتساع التفاوت بين الطبقات الاجتماعية والتي فجرت موجة صعود جديدة لليسار في مختلف دول أمريكا اللاتينية خلال السنوات الأخيرة.
ووفق مراقبين فإن نتائج الانتخابات تعكس بدرجة كبيرة ما فعله الرئيس الحمنتهية ولايته "بولسونارو" الذي يتحدث بغطرسة، ويتهمه البرازيليون بالفشل في التعامل مع أبرز أزماتا لبلاد سواء الاقتصادي أو الصحية كما حدث مع جائحة فيروس كورونا حيث تعد البرازيل ثاني أكبر نسبة تفش للفيروس بعد الولايات المتحدة.
كما نجح الرئيس الأسبق في الاستفادة بذكاء من حنين البرازيليين إلى سنوات حكمه التي كانت الأكثر ازدهار بالنسبة للبلاد حيث كانت تمتلك سابع أكبر اقتصاد، هو ما أكد عليه خلال حملته الانتخابية بأن المواطن البرازيلي العادي كان يستطيع شراء أي شيء في سنوات حكمه
من هو لولا دا سيلفا؟
لم تكن حياة دا سيلفا سهلة أبدا، فهو ابن لأسرة فقيرة ضمن المزارعين الأميين عمل وهو في العاشرة من عمره بائعا للفول السوداني وكذلك ماسحا للأحذية.
وعندما اشتد عوده، التحق بوظيفة عامل بأحد مصانع الصلب قرب ساو باولو حيث هناك فقد إصبعا من كف يده اليسرى بستينيات القرن الماضي.
لم يكن دا سيلفا مغرما بالسياسة ولكنه انجذب إلى العمل النقابي بعد وفاة زوجته الأولى إثر مرض كبدي عام 1969.
قبل أن يتم انتخابه رئيسا لاتحاد عمال الصلب الذي كان يضم في عضويته آنذاك 100 ألف شخص (العام 1975)، ومن ثم تحول من منظمة صديقة للحكومة إلى حركة مستقلة قوية.
وفي الثمانينيات، قام لولا بتأسيس حزب العمال وهو أول حزب اشتراكي في تاريخ البرازيل.
لذلك يعد دا سيلفا أول رئيس للبرازيل من صفوف الطبقة العاملة الكادحة.
وعود لولا
وعقب فوزه، تعهد لولا بالعودة إلى النمو الاقتصادي الذي تقوده الدولة والسياسات الاجتماعية التي ساعدت في انتشال الملايين من براثن الفقر عندما حكم البرازيل من عام 2003 إلى عام 2010.
كما وعد بمكافحة تدمير غابات الأمازون المطيرة الذي وصل الآن إلى أعلى مستوى له منذ 15 عاما وكذلك جعل البرازيل رائدة في محادثات المناخ العالمية.
ومثل التصويت أيضا رفضا للشعبوية اليمينية المتطرفة لبولسونارو، الذي خرج من المقاعد الخلفية للكونجرس لتشكيل ائتلاف محافظ جديد لكنه فقد الدعم بعد أن سجلت البرازيل واحدة من أسوأ حصيلة وفيات بسبب جائحة كوفيد-19.
تحديات جمة
بينما اعتبر محللون أن لولا سيواجه صعوبات جمة لتكرار نجاحه السابق بسبب التحولات الجذرية السياسة والاقتصادية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، وكذلك في ظل برلمان أكثر يمينية منذ الانتخابات التشريعية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول إذ يشهد تمثيلا قويا للحزب الليبرالي بزعامة بولسونارو.
وأوضحو ا أنه في فترتي حكم لولا السابقتين كان نمو اقتصاد البلاد مدفوعا بالطلب العالمي القوي على السلع البرازيلية مثل فول الصويا والنفط الخام، إلى جانب اكتشاف كميات كبيرة من النفط في البلاد.
إلا أن البرازيل كغيرها من دول العالم تحاول تجاوز التداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا وجائحة كورونا، في الوقت الذي تحارب فيه التضخم الذي وصل لأكثر من 10% وارتفاع أسعار الوقود.
وبحسب نائب رئيس قسم السياسات في مجلس الأمريكتين، بريان وينتر، فإن العالم بات أكثر تعقيدا... الرئاسة لم تعد ممتعة كما كان عليه الحال خلال أول عقد في الألفية الثالثة، كما أنه سيحكم أمة لم تكن منقسمة في يوم من الأيام كما هو الحال اليوم.
فمنذ اتهامه بالفساد ومحاسبة خليفته ديلما روسيف، تعمقت حالة الاستقطاب في البرازيل حيث يتهم اليسار اليمين بالتلاعب بنظام العدالة، ويتهم أنصار بولسونارو لولا بأنه لص سرق الانتخابات.
ومع ذلك فإن لولا لن يصطدم فقط بخصومه المباشرين من معسكر اليمين، وإنما سيواجه أيضا أزمات من قطاع من معسكر اليسار الذي ينتمي إليه، فوفق رافائيلا ألبيرجاريا، السياسية اليسارية، التي أصبحت أول شخص في أسرتها يذهب إلى المدرسة الثانوية بفضل سياسات لولا في فترتي حكمه السابقتين، قائلة "أنا تجسيد لسياسات لولا".
وباتت ألبيرجاريا ناشطة سياسية ممثلة لحزب العمال الذي يتزعمه لولا، لكنها تقول "لا نريد فقط لولا نحن نتطلع إلى المزيد"، في إشارة إلى رغبة قطاع من معسكر اليسار في تنفيذ إجراءات جذرية في قضايا مثل عدم المساواة بين الجنسين ووحشية الشرطة ومكافحة التغير المناخي، بما قد يتجاوز قدرة الرئيس المنتظر لولا دا سيلفا.
هل يقبل بولسونارو بالنتيجة؟
وشكّك بولسونارو أكثر من مرة في نظام التصويت الإلكتروني في البلاد، ملمحا إلى أنه قد لا يقبل الهزيمة في الانتخابات الرئاسية.
ووفق الباحث في جامعة فلومينيسي الفيدرالية، روجيريو دولترا دوس سانتوس ، فإنّ "بولسونارو سيطعن بالنتيجة".
بدوره، قال المحلل السياسي جيليرمي كاساروس، إن أحد الاحتمالات هو دعوة أنصاره إلى النزول إلى الشوارع رفضا لنتائج الانتخابات، ما قد يقود البرازيل إلى سيناريو مشابه لما وقع في أمريكا 2021، في إشارة إلى اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكونغرس.
aXA6IDMuMjEuMjQ4LjEwNSA= جزيرة ام اند امز