قديس الصحافة المصرية لويس جريس.. شاهد على العصر
ممدوح دسوقي يستنطق قديس الصحافة المصرية في كتابه الجديد (لويس جريس شاهد علي العصر)
في كتابه الجديد (لويس جريس شاهد علي العصر)، نجح الكاتب ممدوح دسوقي أن يستنطق صاحب الذكريات أو المذكرات بشهادة رائعة وصادقة عن مراحل وشخصيات مهمة ومؤثرة في التاريخ المصري مثل عصر عبدالناصر والسادات ومبارك والإخوان وفاطمة اليوسف وإحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين ومحمود السعدني وموسي صبري وكامل الشناوي وسناء جميل وآخرين .في البداية، يروي المؤلف -الذي يصر بتواضع أنه معد لعدة جلسات ربطته بانتظام بالكاتب الصحفي الكبير- أن لويس جريس مسيحي الديانة قبطي الجنسية مسلم ليبرالي ثقافيا، موضحا أن المصريون جميعا يمكن أن يطلق عليهم أقباط باعتبار أن القبطية جنسية وليست ديانة.
ويتعرض الكتاب لنشأة لويس جريس في مركز أبو تيج بمحافظة أسيوط بصعيد مصر حيث يروي لويس أنه يسبقه 5 أشقاء؛ ولدان و3 بنات وأنه وصف بالولد (الفقري) لأنه بعدما جاء للدنيا مات أبوه، كما أنه تعرض للموت وأوشكوا علي دفنه قبل أن يستيقظ فجأة، كما يشير إلي أنه ارتبط بوالدته ارتباطا شديدا حيث كان لها دور أساسي في حياته وأنه تعلم منها أن يحترم المرأة منذ نعومة أظافره، تماما كما تعلم ذلك من خالاته وعماته وشقيقاته البنات، لأن هؤلاء جميعا قاموا بتربيته، لافتا إلي أن دور المرأة في الصعيد قوي ومهم عكس ما يتصور البعض .
أما حكاية عشق لويس جريس للصحافة، فكانت في سن الرابعة عشرة حيث كان يذهب إلي قطار الصحافة الذي كان يصل أبو تيج قادما من القاهرة ويحمل معه ظهر كل خميس القصص والمجلات التي كان يحرص علي اقتنائها، بالإضافة لمجلات روزا اليوسف والكواكب والإثنين والدنيا والمصور، وكان يتابع من خلال هذه المجلات أسماء مثل إحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين وصلاح عبد الصبور وغيرهم، وكان يذهب أيضا إلي السينما ويعشق الأفلام ويتابع مجلة السينما والناس، لذلك يعتبر نفسه نموذجا مختلفا عن نشأته في الصعيد حيث عشق الأفلام الأجنبية وعايشها وعاش حلم السفر إلي قبرص واليونان وأمريكا، وهذا ما حرره من الأفكار الضيقة التي ترتبط بالعصبية والقبلية.
أما التحول الكبير الذي غير مسار حياة كاتبنا الكبير فكان في السنة الثانية في كلية العلوم، حيث كلف بعمل حوار مع أحد أساتذة علم الحشرات قادم من أمريكا ونشر في 4 صفحات بمجلة الكلية وكانت بداية جنونه بعالم الصحافة واتجاهه للجامعة الأمريكية بالقاهرة لدراسة الصحافة، التي بدا مشوارها الاحترافي في مجلة صباح الخير التي لم يتركها الكاتب الكبير وأمضي حياته المهنية في روزا اليوسف حتي بلوغه سن المعاش عام 1988 .
لويس جريس تحدث أيضا عن الرقابة وتغير شكلها منذ عهد عبدالناصر مرورا بالسادات وكان يضحك قائلا: كنت لا أسير جنب الحيط بل كنت أسير داخل الحيط وأنه كان حريصا طول الوقت ألا يتعرض للسجن أو الاعتقال لأنه يخشي هذه التجربة، ولهذا كان ملتزما التزاما شديدا، بينما يعترف أنه ينتابه إحساس شخصي بأن تأميم الصحافة كان في صالح الصحفيين، كما يتحدث عن المنافسة بين المؤسسات التي كانت في ذلك الوقت بين أخبار اليوم والأهرام ثم بعدهما بمسافة الجمهورية .
وعن عصر عبدالناصر، يقول لويس: أيده الصحفيون أمثال إحسان عبدالقدوس ومصطفي وعلي أمين وهيكل وأحمد أبو الفتح حتي تم القبض علي إحسان وهرب أبو الفتح وتم إغلاق عدد كبير من الصحف بعد أن ضاق الثوار بالنقد، كما تعرضت الصحافة لحملة تشهير ولم يغفل صاحب الذكريات أن عبدالناصر استطاع أن يجعل الشعب المصري يشعر بالفخر وأنه يستطيع أن يصنع شيئا ويحقق أحلامه، لكن عندما وقعت النكسة جعلته يتأكد أنه لم يكن جاهزا لخوض تلك المعركة، كما أن الحريات لم تكن موجودة وكانت بذرة الفساد متفشية وترعرعت بعد ذلك في العصور التالية .
وعن عصر السادات، يقول جريس إنه سافر إلي أمريكا اعتقادا منه أن السادات يعرف الناصريين من خلال الانضمام إلي التنظيم الطليعي وبالتالي لابد أن يتخلص منهم، وقد شرح ذلك لزوجته الفنانة سناء جميل وهرب الفعل ، وكتب من هناك عن هنري كيسنجر ومكاريوس باعتباره مراسل مجلة صباح الخير وروزا اليوسف، ثم بدأت فكرة العودة إلي مصر تراوده عام 1972 بعد أن اطمأن علي الأمور خصوصا بعد قيام السادات بهدم السجن الحربي وعدم اتخاذه اي إجراءات انتقامية للتنكيل بالناصريين .
وقد جاء عصر مبارك بانفراجة سياسية كما يقول جريس لأنه أفرج عن المعتقلين، لكن الفتنة الطائفية كانت مطلوبة في عهده للتغطية علي الكثير من الأمور مثل تزوير الانتخابات أو غلاء الأسعار أو قضايا الفساد، ولهذا كان يتم تدبير بعض الحوادث ضد المسيحيين حتي يتحول اهتمام الرأي العام بالأحداث وينغمس في الفتنة الطائفية وهو ما حدث في عام 2010 عندما كان الناس مهمومين بتزوير الانتخابات فتم تفجير كنيسة القديسسين، وهو ما اعتبره الكاتب أحد إفرازات 25 يناير التي كان لابد أن تقوم بعد تجميد الحياة السياسية والاتجاه للتوريث وإفقار الناس وانهيار المنظومة الاجتماعية وانتشار الفساد والتعذيب .
والحقيقة أن الكتاب يتضمن بالفعل أسرار وكواليس عديدة عما حدث بعد ذلك وتطرق شهادة لويس جريس لكتاب كبار احتك بهم وعايشهم في "روزا اليوسف" وخارجها بأسلوب رشيق للكاتب ممدوح دسوقي، وهو ما نجح في استخراج معلومات وشهادات مهمة لم يكن من الممكن أن نعرفها لولا هذا الكتاب الممتع عن لويس جريس الذي أطلق عليه المؤلف لقب (قديس الصحافة المصرية) .