ماكرون والانتخابات.. حسابات الربح والخسارة لرئيس فرنسا «المصرفي»
خارج فرنسا، يجسد الرئيس إيمانويل ماكرون رجل الدولة الأوروبي المصقول الواثق من نفسه، لكن النظرة ليست هي نفسها داخل البلاد.
ومساء الأحد الماضي، فجّر ماكرون مفاجأة من العيار الثقيل عندما أشهر السلاح الدستوري، بإعلانه حل الجمعية الوطنية (البرلمان)، والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، وذلك بعد صدمة الفوز الكاسح للتجمع الوطني اليميني المتطرف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية.
في عام ٢٠١٧, تمكن ماكرون من الصعود بثبات في صفوف المؤسسة الفرنسية عندما قرر استغلال مهاراته، كمصرفي متمرس في عالم الاستثمار وعقد الصفقات، في عالم السياسة التي اعتلى عرشها قبل ميلاده الأربعين، آنذاك.
لكن اليوم، يخشى حلفاء الرئيس الفرنسي أنه قد يقودهم إلى "كارثة" في الانتخابات، وفق تقرير طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "بوليتيكو".
وأظهرت دراسة لمعهد "آريس إنتراكتيف-تولونا" أُجريت لحساب وسائل إعلام فرنسية غداة إعلان حل الجمعية الوطنية، تصدُر "التجمع الوطني" نوايا التصويت مع 34 بالمئة، يليها اليسار مجتمعا في المرتبة الثانية مع 22 بالمئة (حصد 25,7 بالمئة في انتخابات 2022) ومعسكر ماكرون ثالثا مع 19 بالمئة، وحزب "الجمهوريون" اليميني رابعا مع تسعة بالمئة.
ووفق الاستطلاع، سيحصد التجمّع الوطني غالبية نسبية مع ما بين 235 و265 مقعدا، مقابل 89 حاليا في الجمعية الوطنية.
فيما سيقتصر عدد مقاعد المعسكر الرئاسي على ما بين 125 و155 نائبا (مقابل 249 حاليا)، أما تحالف اليسار "نوبيس" فسيحصل على ما بين 115 و145 مقعدا (مقابل 153 حاليا) و"الجمهوريون" 40 إلى 55 مقعدا (مقابل 74 حاليا).
وتعرض حزب النهضة الذي يتزعمه ماكرون، وكان يُعرف سابقا باسم "الجمهورية إلى الأمام"، لخسارة كبيرة أمام حزب اليمين المتطرف "الجبهة الوطنية" بزعامة مارين لوبان، في الانتخابات الأوروبية.
غضب تبلور في صناديق أوروبا
وقال عضو في البرلمان ينتمي إلى ائتلاف الرئيس الفرنسي لصحيفة بوليتيكو "لن ترى وجه ماكرون على ملصقات حملتي، أستطيع أن أقول لك ذلك".
وهو ما عبّر عنه مسؤول في مجموعة النهضة البرلمانية التي ينتمي إليها ماكرون، والذي فضّل عدم الكشف عن هويته لمناقشة مسألة حساسة، بقوله: "قصر الإليزيه لم يفهم حقا المزاج المناهض للرئيس في فرنسا".
وتظهر استطلاعات الرأي أن الفرنسيين يعتبرون رئيسهم مصدرا للمشاعر المناهضة للنخبة التي ظلت تتصاعد في أعقاب العديد من الأزمات، مثل ثورة السترات الصفراء ووباء كورونا، الذي ضرب فرنسا في السنوات الأخيرة.
وكان إحجامه عن تغيير المسار في مواجهة الاحتجاجات واسعة النطاق بشأن إصلاح معاشات التقاعد في العام الماضي سببا في تعزيز وجهة النظر القائلة بأنه منعزل وبعيد عن الواقع.
وترى "بوليتيكو" أن رد الفعل العنيف هذا، تبلور في صناديق الاقتراع، يوم الأحد، حيث احتل حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف المركز الأول في انتخابات البرلمان الأوروبي في فرنسا بنسبة 31.4% من الأصوات، أي أكثر من ضعف نسبة الـ14.6% التي حصل عليها حزب ماكرون.
وردا على الهزيمة، فاجأ ماكرون أوروبا والفرنسيين بحل البرلمان الفرنسي والدعوة إلى انتخابات وطنية جديدة لاغتنام زمام المبادرة وإسكات اليمين المتطرف.
ويقول مراقبون إن التصويت لا يهدد بإسقاط الحكومة الفرنسية فحسب، بل ويهدد بتفجير السياسة الأوروبية في وقت حرج، مع دخول الحرب الروسية في أوكرانيا عامها الثالث.
هل تخالف التوقعات أحلام ماكرون؟
وفي حين يرى ماكرون أن إجراء انتخابات مبكرة هو السبيل الوحيد لعكس اتجاه المد اليميني المتطرف وحشد الناخبين السائدين من جميع الأطراف خلفه، فإن الخوف داخل معسكره هو أن العكس قد يحدث.
وقال ماتيو جالارد، محلل الأبحاث في شركة إيبسوس: "إذا وضع الرئيس نفسه في المقدمة، فهذه مخاطرة كبيرة". “الأمر المؤكد هو أنه إذا تورط فإنه سيحشد الناس ضده”.
ماذا تقول استطلاعات الرأي؟
وتظهر استطلاعات الرأي المبكرة أن حزب ماكرون قد يتعرض لهزيمة مرة أخرى مع عودة الناخبين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى على جولتين في 30 يونيو/حزيران والسابع من يوليو/تموز.
وهناك احتمال حقيقي بأن يتراجع الائتلاف الرئاسي إلى مرتبة القوة الثالثة في البلاد.
ووصف أحد الموظفين السابقين في الإليزيه، قرار العودة إلى صناديق الاقتراع بأنه "عمل هذياني لرجل أطاحت به الهزيمة".
وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن التوترات داخل الائتلاف الذي يدعم ماكرون وصلت إلى حد أن الشخصيات ذات الوزن الثقيل تدعو الرئيس الفرنسي إلى التراجع.
وكان فرانسوا بايرو، الحليف الرئيسي وأحد أقرب مؤيدي ماكرون، في قصر الإليزيه، مساء الإثنين، لإرسال رسالة مفادها أن ماكرون “لا ينبغي أن يشارك بشكل كبير في الحملة الانتخابية”، وفقا لأحد المشرعين الوسطيين.
حتى إن بايرو ناقش ضرورة "التراجع عن الماكرونية" مع نواب برلمانه، بحسب النائب نفسه الذي فضّل هو الآخر عدم ذكر اسمه.
وقال مستشار لأحد أعضاء البرلمان من حزب النهضة "كلما تحدث أكثر، كلما خسرنا نقاطا أكثر (في استطلاعات الرأي)".
ووفق الصحيفة، يُنظر إلى ماكرون على نطاق واسع على أنه رئيس للأغنياء وليس رجلا منحدرا من الشعب الفرنسي لقيادتهم.
لقد كان مصرفيا استثماريا قبل دخول السياسة، وقد أثارت بعض سياساته بشأن التخفيضات الضريبية وجهة نظر مفادها أنه مهتم في المقام الأول بمساعدة أصحاب المليارات من الشركات الكبرى مثل برنارد أرنو، رئيس أكبر شركة للسلع الفاخرة في العالم.
مقامرة؟
وعلى الرغم من مخاوف حزبه، فإن لدى ماكرون خططه الخاصة لحملة الانتخابات المبكرة. ومن المتوقع أن يلقي اليوم الأربعاء خطابا رئيسيا لتحديد نغمة معركته مع اليمين المتطرف.
ووفقا للعديد من وسائل الإعلام الفرنسية، يخطط الرئيس لإشباع وسائل الإعلام بثلاث مرات ظهور في الأسبوع.
وأفاد مصدر لوكالة فرانس برس، أنه "يجري العمل حاليا على التوضيحات السياسية التي دعا إليها رئيس الجمهورية الأحد".
وفي مقابلة صحفية، يوم الإثنين، قال ماكرون "سأذهب إلى المعركة من أجل الفوز".
وعلى حسابه في منصة "إكس" كتب ماكرون "أنا أثق بقدرة الشعب الفرنسي على اختيار الأنسب له وللأجيال المقبلة. طموحي الوحيد هو أن أكون مفيدا لبلادنا التي أحب".
وأوضح ماكرون قراره بالتحدي "فرنسا تحتاج إلى أغلبية واضحة في هدوء وانسجام. أن تكون فرنسيا في جوهرك يعني أن تختار كتابة التاريخ، وليس أن تكون مدفوعا به".
وفي هذا الصدد، أشار جالارد من شركة إيبسوس، إلى أن حزب النهضة سجل نتائج كارثية في الانتخابات الأوروبية على الرغم من المشاركة القوية للرئيس ورئيس وزرائه غابرييل أتال في الحملة.
وأضاف "مشاركة ماكرون وغابرييل لم تكن كافية لتعبئة قاعدة ناخبيهم، لكن المخاطر أكبر هذه المرة مع احتمالية تشكيل حكومة التجمع الوطني لأول مرة”.
ماذا سيحدث إذا خسر ماكرون في الانتخابات القادمة؟
سيصبح حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف القوة الرائدة في الجمعية الوطنية الفرنسية للمرة الأولى.
وسيكون ائتلاف ماكرون الرئاسي متقاربا مع كتلة اليسار. وقد يفقد العشرات من نوابه مقاعدهم.