كواليس مثيرة ودور لوبان.. «أقصى اليمين» و«صناعة الملوك» بفرنسا
حصل "أقصى اليمين" في فرنسا على انتعاشة بعدما عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ميشيل بارنييه رئيسا للوزراء لكسر الجمود السياسي.
وبات بقاء حكومة ميشيل بارنييه المستقبلية يعتمد على نوايا حزب التجمع الوطني، وهو حزب "أقصى اليمين" بزعامة مارين لوبان، الذي احتل المركز الثالث في الانتخابات المبكرة التي جرت هذا الصيف، وفقا لمجلة "بوليتيكو".
يأتي ذلك بعد أن تعهدت الجبهة الشعبية الجديدة، التحالف اليساري الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد لكنه لم يحقق الأغلبية المطلقة، بدعم اقتراحات حجب الثقة ضد بارنييه في الجمعية الوطنية "البرلمان".
وبالتالي سوف يحتاج بارنييه إلى الدعم الضمني من أقصى اليمين لضمان عدم الإطاحة بحكومته على الفور.
إذ يمتلك الائتلاف المؤيد لماكرون والمجموعة الجمهورية اليمينية المحافظة التي من المرجح أن تدعم رئيس الوزراء الجديد 213 مقعدا فقط، وهو أقل بكثير من 289 مقعدا اللازمة لتمتع الحكومة بأغلبية في البرلمان.
إلى ذلك، حدد زعماء التجمع الوطني شروطهم لدعم الحكومة في الأيام الأخيرة، وهي تدابير بشأن القدرة الشرائية والأمن والهجرة، وإدخال التمثيل النسبي لآلية انتخاب البرلمان، و"احترام" المشرعين من أقصى اليمين.
وفي السياق، قال السيناتور الوسطي وحليف ماكرون هيرفي مارسيلي، في مقابلة مع صحيفة لوموند، إن "التجمع الوطني لديه 142 نائبا، ولا يمكن تجاهلهم".
وبصورة أكثر إجمالا، فعلى الرغم من أن التجمع الوطني خسر الانتخابات البرلمانية التي كان من المتوقع أن يفوز بها، فإنه برز الآن باعتباره صانع الملوك في البلاد.
"مكالمة اليمين"
ووفق بوليتيكو، كانت لوبان شخصية مؤثرة في المفاوضات التي جرت هذا الأسبوع لاختيار رئيس الوزراء المقبل.
وتفصيلا، شهدت عملية البحث عن زعيم جديد للحكومة الفرنسية ظهور المحافظ كزافييه بيرتراند كأوفر المرشحين حظا بعد اجتماع يوم الثلاثاء الذي أبلغ فيه المشرعون من يمين الوسط، ماكرون أنهم سيدعمون رئيس وزراء يميل إلى اليمين.
وفي وقت لاحق من بعد ظهر ذلك اليوم اتصل ماكرون بلوبان، وفقا لمسؤول حكومي لم تكشف بوليتيكو عن هويته شريطة التحدث في قضية حساسة.
وناقش ماكرون ولوبان ترشيح بيرتراند وكذلك رئيس الوزراء الفرنسي الاشتراكي السابق برنار كازنوف، الذي كان من بين المرشحين الأوائل الذين تضاءلت فرصهم بحلول الإثنين الماضي.
وبحسب بوليتكو، لم يتضح بعد ما دار بين لوبان وماكرون، لكن هناك خلافات شديدة في الأصل بين لوبان وبرتراند.
إذ تفاخر برتراند ذات يوم بأنه "حطم فكي" أقصى اليمين في معقل لوبان في الشمال بعد أن هزمها في السباق على زعامة منطقة أوت دو فرانس.
بدوره، هدد التجمع الوطني برفض حكومة برتراند "على الفور" بغض النظر عن سياساته، وهو احتمال لا يستطيع ماكرون أن يتحمله، على حد قول المجلة الأمريكية.
ومن جانب آخر، فمن المرجح أن يدعم اليسار جهود أقصى اليمين لإفشال برتراند، ومن ثم انهيار حكومته قبل أن تتمكن من الانطلاق.
وهكذا، يوم الخميس، خرج بيرتراند ودخل بارنييه إلى صدارة سباق المرشحين.
"اختبار صعب"
وبعد اختباره رئيسا للوزراء يحوم السؤال المهم بشأن بارنييه الذي سيتعين عليه أيضا التوصل إلى تسوية مع أنصاره من يمين الوسط والوسط، حول إذا كان قادرا على إرضاء أقصى اليمين، الذي يعارض العديد من تخفيضات الميزانية التي من المرجح أن يتم اقتراحها لإصلاح قضايا الديون المتفاقمة في فرنسا.
وقالت لوبان "يبدو أن بارنييه يلبي على الأقل أحد المعايير التي طالبنا بها، التي كانت تتلخص في وجود شخص يحترم القوى السياسية المختلفة ويكون قادرا على التحدث مع التجمع الوطني. وسيكون هذا مفيدا، حيث ستكون هناك حاجة إلى حلول وسط لحل الوضع المتعلق بالميزانية".
وعلى الرغم من أن أقصى اليمين لا يزال بإمكانه محاولة الإطاحة بحكومة بارنييه، فإن برونو جانبارت، خبير استطلاعات الرأي في شركة أوبينيون واي، قال إنه (أقصى اليمين) ربما لا يرغب في إحداث أزمة أخرى في البلاد عبر الإطاحة بالحكومة المستقبلية.
جانبارت أردف "يسيطرون على مصير الحكومة، ولكنني لست متأكدا من أن من مصلحتهم إسقاطها بسرعة كبيرة".
وأضاف "يمكنهم ترك الأمور تحدث حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنهم يدركون أنه من الصعب إدارة بلد دون الفوز في الانتخابات الرئاسية".
قلق معسكر ماكرون
وبالانتقال إلى معسكر الرئيس الفرنسي أثارت تعاملات ماكرون مع التجمع الوطني حالة من عدم الارتياح في معسكره، وفق "بوليتيكو".
فبعد حل البرلمان في أعقاب الأداء المهيمن لأقصى اليمين في الانتخابات الأوروبية في يونيو/حزيران الماضي، خاض الرئيس الفرنسي حملته الانتخابية لإبقاء المتطرفين خارج السلطة في باريس.
وفي الوقت الحالي "سلم الرئيس الفرنسي، أقصى اليمين سيف ديموقليس ليعلقه على الحكومة المقبلة"، وفق شخصيات من معسكر الرئيس تحدثت لـ"بوليتيكو".
وقال أحد المشرعين من الوسط، لم تكشف بوليتيكو عن هويته، إن التطورات التي شهدها يوم الخميس "لا تتوافق مع روح الجبهة الجمهورية"، في إشارة إلى ميثاق تقليدي بين الأحزاب الرئيسية لإبعاد أقصى اليمين عن السلطة.
وأضاف المشرع أن مصير بارنييه كان في الواقع "في قبضة التجمع الوطني".
فيما ألقى نائب برلماني آخر من حزب ماكرون، لم تكشف بوليتيكو عن هويته، باللوم على اليسار لفشله في "التفكير خارج الصندوق".
فبعد المشاحنات الداخلية في البداية، طرحت الجبهة الشعبية الجديدة مرشحتها الخاصة، الموظفة المدنية لوسي كاستيتس (37 عاما)، لمنصب رئيس الوزراء، مصرة على أن احتلالها للمركز الأول يمنحها الحق في الاختيار.
وسارع ماكرون إلى رفض ترشيح كاستيتس باسم الاستقرار المؤسسي، وتوقع أنها لن تنجو من التصويت بحجب الثقة بالجمعية الوطنية المنقسمة.
لكن مارين تونديلر، زعيمة حزب الخضر، ردت وقالت إن ماكرون "ذهب للبحث عن شخصية أبعد إلى اليمين" لإرضاء التجمع الوطني وضمان عدم انتقاده للحكومة المقبلة.
aXA6IDE4LjExOS4yNDguMjE0IA== جزيرة ام اند امز