بارنييه واختبار السلطة بفرنسا.. خبرة بروكسل زادَه والوحدة هدفه
قد يكون ميشيل بارنييه المكلف حديثا بتشكيل الحكومة الفرنسية، أكثر نشاطا من سابقيه، بفضل العلاقات والسمعة التي طورها في بروكسل.
وبعد حالة ترقب استمرت ستين يوما إثر الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في يوليو/تموز الماضي، وأسفرت عن جمعية وطنية مشرذمة، أصبح بارنييه البالغ 73 عاما أكبر رئيس حكومة في تاريخ فرنسا الحديث.
تعيينٌ واختيارٌ دفعا بتساؤلات عن طبيعة عمل رئيس الوزراء في هذا البلد الأوروبي.
صلاحيات رئيس الجمهورية والحكومة
على عكس بريطانيا وإيطاليا، حيث يكون رئيس الوزراء رئيسا للحكومة ويدير الأمور بوضوح، فإن الصورة في فرنسا أكثر تعقيدا.
يتولى كل من رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية السلطة التنفيذية في النظام السياسي الفرنسي.
ولكن هناك سبب يجعل أسماء ووجوه الرؤساء الفرنسيين مشهورة في جميع أنحاء العالم في حين أن صورة رؤساء الوزراء الفرنسيين لا تمتد عادة إلى ما هو أبعد من حدود البلاد.
ففي فرنسا، يتولى رئيس الوزراء ووزراءه المسؤولية عن السياسة اليومية، ويعرضون القوانين على البرلمان وينفذونها.
والأمر متروك لرئيس الوزراء، وليس لرئيس البلاد، للدفاع عن أولويات الحكومة في البرلمان، والعمل على التوصل إلى تسويات مع القوى السياسية الأخرى وتسوية الخلافات المحتملة بين الوزارات.
أما رئيس الجمهورية الذي يتم انتخابه مباشرة في انتخابات منفصلة، فيتولى مسؤوليات أكبر: فهو عادة ما يمثل فرنسا على الساحة الدولية، ويرأس اجتماعات مجلس الوزراء، وهو قائد الجيش. ويتمتع بسلطة حل البرلمان، والتوقيع على المراسيم الحكومية وتعيين رئيس الوزراء.
في هذا النظام "الثنائي الرأس"، كما يسميه الدستوريون أحيانا، يختلف توازن القوى بين الرئيس ورئيس الوزراء اعتمادا على السياق الأوسع للسياسة الفرنسية في أي لحظة معينة ومن يشغل كل منصب بالفعل، خاصة إذا لم يكونوا من نفس المعسكر السياسي.
ولكن من الذي يقرر فعليا؟
بحسب مجلة "بوليتيكو"، إذا كان الرئيس ورئيس الوزراء حليفين، فإن الرئيس لديه دور أكبر والآخر هو جندي مخلص مكلف بتنفيذ أجندة تشريعية. كانت هذه، على سبيل المثال، الحال في ظل الحكومة المنتهية ولايتها بقيادة غابرييل أتال، "تلميذ ماكرون منذ فترة طويلة".
في هذه الحالة، يمكن لرئيس الوزراء الاستفادة الكاملة من صلاحياته، مع تقليص دور الرئيس إلى دور شرفية تقريبا، باستثناء الواجبات الخارجية والعسكرية.
لكن الأمور تسير بشكل مختلف تماما عندما يكون الرئيس ورئيس الوزراء خصمين سياسيين، وهو الوضع المعروف في فرنسا باسم "التعايش"، حيث يلتزم الرئيس بتعيين منافس لرئاسة الحكومة إذا خسر حزبه الانتخابات التشريعية.
والتعايش ليس أمرا غير مسبوق، حيث خضعت فرنسا له ثلاث مرات منذ ولادة الجمهورية الخامسة في عام 1958. إذ عمل رئيسا الوزراء المحافظان جاك شيراك وإدوارد بالادور مع الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران في الثمانينيات والتسعينيات.
بينما تعايش رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان مع شيراك كرئيس من عام 1997 إلى عام 2002.
إذن ماذا عن بارنييه؟
وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في مجلة "بوليتيكو" فإن الأمر أكثر تعقيدا هذه المرة. ففي التعايشات السابقة، كان رؤساء الوزراء يتمتعون دائمًا بأغلبية مطلقة في البرلمان.
غير أن قرار ماكرون بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة هذا الصيف ترك الجمعية الوطنية الفرنسية مجزأة، حيث فاز تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري بأكبر عدد من المقاعد، لكن لم يفز أي من أحزاب المعارضة بأغلبية مطلقة، مما أدى إلى برلمان معلق بثلاث كتل كبيرة.
واعتبرت الجبهة الشعبية الجديدة أن انتصارها أعطاها الحق في تقديم مرشح لمنصب رئيس الوزراء واختارت الموظفة المدنية البالغة من العمر 37 عاما لوسي كاستيتس لهذا المنصب.
ومع ذلك، رفض ماكرون ترشيح كاستيتس، بحجة أنها ليست في وضع يسمح لها بالحكم باستقرار. واختار بدلا من ذلك بارنييه، الذي يبدو أنه يحظى بدعم الوسطيين، والجمهوريين اليمينيين - وفي الوقت الحالي - الدعم الضمني من أقصى اليمين.
ولكن ما الذي قد يتغير في بروكسل؟
عادة ما يمثل الرئيس الفرنسي بلاده في الاتحاد الأوروبي وفي اجتماعات المجلس الأوروبي، على الرغم من أن رؤساء الوزراء حضروا بعض الاجتماعات أثناء فترة التعايش.
ولكن رئيس الوزراء مسؤول عن توجيه عمل الحكومة أيضا عندما يتعلق الأمر بملفات الاتحاد الأوروبي.
ويملك رئيس الوزراء الكلمة الأخيرة بشأن الاختلافات بين الوزارات المختلفة بشأن ملفات الاتحاد الأوروبي.
وتخضع ما تسمى بالأمانة العامة للشؤون الأوروبية لسلطته: وتتمثل مهمتها في إيجاد اتفاق بين الوزارات المختلفة وإنهاء الموقف الفرنسي قبل إرساله إلى الدبلوماسيين الفرنسيين في بروكسل.
وهنا، تتوقع "بوليتيكو" أن يكون بارنييه أكثر نشاطا من رئيس الوزراء "النموذجي" بفضل العلاقات والسمعة التي طورها في بروكسل كمفوض أوروبي سابق ومفاوض خروج بريطانيا الرئيسي في الكتلة.
وقد تثبت هذه الخبرة أنها مفيدة، حيث تتفاوض فرنسا على خطة مع المفوضية لخفض ديونها الضخمة وتجنب غرامات الاتحاد الأوروبي.
aXA6IDE4LjExNi45MC41NyA= جزيرة ام اند امز