«تحالف ماكرون» ضد «حماس».. «رغبة» إسرائيلية أم فزّاعة دولية؟
تحولٌ مفاجئ حمله اليوم الـ18 من حرب غزة، بمقترح فرنسي يقضي بتوسيع عمل التحالف الدولي المشكل ضد "داعش" ليشمل "حماس" وغيرها أيضا.
طرحٌ جديدٌ شكّل ما يشبه الصدمة للكثير من المتابعين والمراقبين، خصوصاً أنه لم يحمل أي تفاصيل أو إيضاحات، الأمر الذي دفع بتساؤلات أبرزها: هل ينجح مقترح سيد الإليزيه؟ وهل ستقبل الدول الـ86 المشاركة في الحرب على "داعش" الانضمام لهذا الاقتراح؟
ولم يقدم ماكرون تفاصيل بشأن كيفية مشاركة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يضم عشرات الدول، وليست إسرائيل عضوا فيه.
ومع ذلك، يقول مراقبون إن مشاركة التحالف قد لا تعني بالضرورة وجود قوات على الأرض، ولكنها قد تشمل تبادل المعلومات الاستخبارية.
رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات في لبنان، العميد ركن هشام جابر، وصف طرح ماكرون بأنه "سخيف" و"يزيد الطين بلة"، مشيرا إلى أنه كان من المنتظر منه خطوات تضغط من أجل وقف الحرب.
وقال جابر لـ"العين الإخبارية": "لا يمكن تشبيه حماس بداعش وهي بالطبع لم تقم بفظاعات هذا التنظيم".
ولهذا، يرى جابر أن "العديد من الدول المشاركة بالتحالف، لن تقبل بالمشاركة بهذا الأمر، بما فيها الدول التي هي على خلاف مع حركة حماس".
وعلى الرغم من أن "حماس لديها أخطاء كبيرة في السياسة وهناك ملاحظات من الدول العربية على أدائها"- يضيف العميد ركن- "لكن معركتها ليست مع الدول العربية كما كانت من ناحية داعش، إنما مع إسرائيل وهنا تسقط الاعتبارات السياسية أمام حمام الدم الذي ترتكبه الأخيرة بحق الفلسطينيين".
وبالنظر إلى جغرافية الصراع، لفت إلى أن "داعش له امتداداته الدولية والعربية، أما حماس فأمر مختلف فهي تقاتل على أرضها ولا تشكل خطورة على الدول الغربية"، متسائلا: "أين ستقاتل جيوش هذه الدول... في غزة؟".
وأبدى جابر اعتقاده بأن أي تحالف ضد حماس "سيقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية وعدد قليل من الدول الأوروبية التي أظهرت تشدداً كبيراً في الدفاع عن إسرائيل".
واستبعد امتداد الحرب إلى دول أخرى، لافتاً إلى أن "البوارج الأمريكية وحاملات الطائرات تأتي ضمن إطار الدعم السياسي"، لافتا إلى أن واشنطن "ستقدم دعماً لإسرائيل بالذخائر والأسلحة والاستشارات العسكرية، ولكن لن ينزل جنودها إلى الميدان".
وعن إرسال قوات المارينز الأمريكية إلى إسرائيل، لا يرى فيها العميد ركن هشام جابر، سوى أنها "تأتي في إطار الضغط السياسي وتوجيه الرسائل إلى إيران، ولذلك لن تشارك في الحرب على الأرض"،،
ولذلك، يرى أن "الرسائل أصبحت واضحة لدى حزب الله أيضاً، وإذا قرر هو توسيع الحرب فهنا نصبح أمام أمر مختلف، وربما ينفذ التهديد".
وتم تشكيل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم "داعش" في سبتمبر/أيلول 2014.
وتم إنشاء تحالف مماثل لحلف شمال الأطلسي لمحاربة طالبان بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
ومع ذلك، فقد تغير التحالف ضد "داعش" في العراق وسوريا من عملية عسكرية إلى حد كبير إلى عملية تساعد الشركاء المحليين من خلال توفير الاستطلاع والاستخبارات.
جغرافيا وأيديولوجية
أما الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني ناجي ملاعب، فعاد إلى أسباب وجود تحالف دولي-عربي لمكافحة "داعش"، موضحا في هذه الجزئية أن "التحالف وُجد ضد تنظيم إرهابي انضم له عناصر من دول عربية وغربية حول العالم، ولديه عقيدة بالعودة إلى زمن الخلافة ولا يعترف بالحدود بين الدول، وبدأ مسيرته في العراق وكبُر في سوريا وتطور لإعلان دولة (قبل هزيمته في سوريا والعراق)".
وأضاف ملاعب في حديث لـ"العين الإخبارية": "هذه الدولة (داعش) يمكن أن ينشأ تحالف دولي للقضاء عليها لأنها لا تحترم حدودا ولا قارات ولا سيادات دول، لذلك كل من في المنطقة يمكن أن يتعاون للقضاء على هذا الكيان القائم على أرض لا يملكها".
وأردف: "أما من ناحية حماس فهي قاتلت على أراض تعتبرها محتلة، وذلك وفق مقترح الأرض مقابل السلام وهو مبني على قرارات دولية 242 و 338 والذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة".
وتابع الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني: "لو عدنا إلى القوانين الدولية الإنسانية التي تتحدث عن حماية الأسرى والشعب، رأينا إسرائيل أقامت جدارا عازلا أمام هؤلاء الناس (في غزة) وتحكمت بالماء والكهرباء، وسيطرت على مقدراتهم من شواطئ وبترول، ومناطق للصيد أيضا".
ويجزم ملاعب بأنه " شتان بين ما فعله داعش وما تفعله حماس"، مشددا على أن "إنشاء تحالف دولي لمحاربة حماس كالذي كان مع داعش لا يمكن أن يكون حلا في المنطقة بل يمكن أن يورط المنطقة في حروب وصراعات".
واستدرك: "في الأصل لم يعد هناك وجود لداعش، إلا في بعض المغاور في الصحراء ومخيمات النزوح المحاصرة، وأصبح مجالاً للاستثمار حيث يتم تحريكه ضد الجيش السوري أو قوات سوريا الديمقراطية، ولكن لم يعد لديه حاضرة"، مستبعداً بدوره "انضمام الدول العربية إلى هذا التحالف في محاربة حماس".
وجاءت زيارة ماكرون لإسرائيل بعد زيارات مماثلة قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك.
فيما حضرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا قمة السلام المصرية، نهاية الأسبوع الماضي.
"مصلحة إسرائيلية"
وهكذا سرى الاعتقاد لدى رئيس اللواء "المجوقل" السابق في الجيش اللبناني العميد جورج نادر، الذي استبعد هو الآخر قيام هكذا تحالف، مشيراً إلى أنه سيفهم هذا الأمر وكأنه "تحالف لحماية إسرائيل".
واعتبر في حديث لـ"العين الإخبارية" أن إعلان ماكرون بعد لقائه الزعماء الإسرائيليين "يشير إلى حاجة إسرائيلية لمساعدة دولية للدخول إلى غزة، يمكن القيام بها ضمن هذا الإطار".
وهنا يأتي العميد جورج نادر على فكرة "وجود تحالف غير معلن من أمريكا التي حرّكت أسطولها وبعض الدول الغربية التي أعلنت دعمها لإسرائيل ضد حماس".
ونوّه بـ"وجود رأي عام في الدول العربية متعاطف مع الفلسطينيين، وكبُر في الحرب وهذا سيؤثر على قرارات قادة هذه الدول في الدخول بهكذا تحالف".
الكفة الأخرى
في المقابل أثار مقترح ماكرون، ردود فعل داعمة ورافضة من قبل خبراء فرنسيين، تحدثت معهم "العين الإخبارية" في تقارير أخرى تم نشرها في وقت سابق.
فمن باريس، اعتبر دومينيك ترينكواند، الجنرال والرئيس السابق للبعثة العسكرية الفرنسية لدى الأمم المتحدة، في حديث خاص لـ«العين الإخبارية» أن "هذا اقتراح يتمتع برؤية شاملة، ونحن نميل إلى تسلسل الحرب ضد الإرهابيين"، على حد قوله.
وأوضح أن "التحالف في العراق كان من أجل العراق، وكان هناك قوة برخان، التي كانت في منطقة الساحل. لذلك التحالف يعني أن تكون لدينا رؤية عالمية".
وتابع قائلا: "التحالف موجود ومنظم منذ أن عملنا معا لعدة سنوات في الشرق الأوسط لتوسيع نطاق القتال ضد الحركات الإرهابية أينما كانت".
وبالنسبة لتينكواند، فإن مقترح ماكرون "مهم لأن الإرهابيين، سواء حماس أو داعش أو غيرها من المنظمات، لها نفس الأيديولوجية، ومحاربة المجتمع الغربي، وبالتالي فإن المجتمع الغربي لديه مصلحة في أن يتمكن من تشكيل تحالف لمحاربة هذا التهديد العالمي". على حد قوله.
ومضى قائلا "إنه صراع جيوسياسي بيننا وبين الحركات الإرهابية التي تريد تدمير مجتمعاتنا، ومن هنا يجب أن ندافع عن هذه المجتمعات، ويجب أن تكون لدينا نظرة عالمية لهذا الأمر، مع العلم أن هناك تداخلات كبيرة بين هذه الحركات الإرهابية".
وهو الاعتقاد الذي سار عليه السياسي الفرنسي جوليان أوبير، الذي قال إن"مقترح ماكرون جاء في إطار الوضع المتفجر الذي يحدث في غزة"، مشيراً إلى أن "السلطة السياسية الفرنسية تدعو العالم والفرنسيين إلى الوحدة في مواجهة التطرف".
ورأى أوبير أن "قرار باريس جاء نتيجة معاناة فرنسا مراراً من التطرف والأعمال الإرهابية".
ولليوم التاسع عشر على التوالي، تتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، موقعة بحسب وزارة الصحة في القطاع التابعة للحركة، 5791 قتيلا، وأكثر من 18 ألف جريح.
واندلعت الحرب بعد هجوم شنته حركة حماس على بلدات إسرائيلية في غلافة غزة، أسفر عن مقتل 1400 شخص، وأسر أكثر من 200 آخرين بينهم أجانب.