رحلة نجاح محمود العربي.. كيف أسس تاجر الساعات مملكة "توشيبا" بـ40 قرشا فقط؟
ذاع صيته بـ"شهبندر التجار"، وعرفته الأسواق المصرية بـ"دماثة الخلق"، فقد كان خير نموذج لرجل الأعمال "الإنسان". إنه محمود العربي.
وخلال شهر سبتمبر/أيلول 2022 الجاري، حلت الذكرى السنوية الأولى على رحيل "محمود العربي" البرلماني ورجل الأعمال السابق ورئيس مجلس إدارة مجموعة شركات العربي.
ويُعد رجل الأعمال المصري محمود العربي، أحد أهم وأبرز رجال الصناعة المصرية، وصاحب مجموعة شركات العربي، والذي رحل عن عالمنا في 9 سبتمبر/أيلول 2021 عن عمر ناهز الـ89 عامًا.
رحلة الكفاح والصعود
وُلد محمود العربي، في 1932 بقرية أبو رقبة التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية، وكان ينتمي لأسرة ريفية فقيرة.
وكان لفقدان الوالد وهو صغير، وقعًا كبيرًا عليه، بل يعتبر النواة الأولى نحو بناء اسم "العربي"، العلامة التجارية الأبرز بالسوق المصري والعربي في الوقت الراهن.
في الخامسة من عمره، انخرط محمود العربي مبكرًا بسوق العمل، ليعمل في متجر لبيع الأدوات المكتبية، وظل فيه حتى اكتسب أول خبراته العملية.
في هذا العمر، كان محمود يوفر مبلغا ب 30 او 40 قرشاً سنوياً، ثم يذهب الى القاهرة قبل العيد ليشتري بضاعة من الألعاب النارية والبالونات ، ثم يعود بها الى بلدته ” قرية أبو رقبة ” ليبيعها الى أقرانه.
لم يحصل على أي درجة تعليمية، وتوقف تعليمه عند الرابعة الإبتدائية، ثم ترك التعليم ليلتحق بمصنع في القاهرة للعطارة، واستمر في هذا المحل حتى عام 1949 ووصل راتبه إلى 320 قرشًا، وبعد ذلك فضل العمل في محل جملة بدلًا من المحل القطاعي لتنمية خبرته بالتجارة، وكان أول راتب يتقاضاه في المحل الجديد 4 جنيهات، وعمل فيه لمدة 15 عامًا، ارتفع خلالها راتبه إلى 27 جنيهًا، وكان ذلك المبلغ كبيرًا آنذاك.
وبحقبة الستينيات، ورغم عدم امتلاكه لرأس مال كاف لتدشين عمله الخاص، رأى إمكانية تحقيق ذلك من خلال مشاركة اثنين من زملائه، وقد شارك واحد من ثلاثتهم برأس المال (5 آلاف جنيه)، أما الآخران فشاركاه بالمجهود.
وبالفعل تم افتتاح أول متجر لهؤلاء الثلاثة في محافظة القاهرة، ولم تجر الأقدار في صالح هذا المتجر، إذ مرض أحد الشركاء، وانشغل آخر، ولم يكن أمام محمود العربي سوى أن يدير المتجر، وحده.
وجاء أول نجاح له، عندما بدأ يحقق أرباحًا تفوق المتاجر المجاورة، والتي تعمل في نفس القطاع، وقد أسهم في ذلك أخلاقه التي شهد لها من تعامل معه، لاسيما في بداية انطلاقته في عالم التجارة.
وقد اعتمد محمود العربي في إدارته لهذا المتجر، على إغراء العملاء، بعروض وتخفيضات مستمرة، بجانب تنظيم عمل المتجر، والاهتمام، في المقام الأول، بخدمة العملاء.
وقد استمرت الشراكة بين هؤلاء الثلاثة، لمدة عامين، ثم استقل محمود العربي عنهما، من خلال متجر آخر، خاص به، والذي نجح منذ بداية تأسيسه، فتبعه متجر آخر، افتتحه بعد فترة وجيزة، وتوالت النجاحات، حتى تحولت متاجر محمود العربي، إلى شركة مساهمة.
كانت تقوم تجارته على الأدوات المكتبية والمدرسية، ولكن الحكومة قررت في الستينات صرف المستلزمات المدرسية للتلاميذ بالمجان، وهو ما يعني أن تجارة العربي لم يعد لها وجود، فاتجه لقطاعات حيوية، مثل؛ تجارة الأجهزة الكهربية، خاصة أجهزة التليفزيون والراديو والكاسيت.
الانفتاح الاقتصادي.. وفرصة "توكيل توشيبا"
ومع حالة الانفتاح التي شهدها عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، تسارعت وتيرة صعود عددًا من القطاعات، ومنها تلك القطاعات المعتمدة على الاستيراد من الخارج، وهو الأمر الذي شجع محمود العربي، لاقتحام هذه المجالات، وتحقيق إنجازات ملموسة فيها.
سافر العربي الى اليابان، وقدم نفسه بإعتباره رجل صناعة مصري ملتزم أمام اليابانيين، ليحصل على توكيل إحدى العلامات التجارية اليابانية المميزة التي كانت مزدهرة بشكل كبير. وهو ما لفت أنظار شركة توشيبا اليابانية تحديدًا.
وحدث ذلك على يد أحد اليابانيين، الذي كتب لشركة توشيبا اليابانية، التي يعمل بها، تقريرًا عن متاجر محمود العربي، وما لمسه فيها عندما زار القاهرة في جولة تفقدية، من كفاءة واقتدار، في إداره وإنجاز العمل، مؤكدًا في تقريره أن العربي أصلح من يمثل توشيبا في مصر، فوافقت الشركة على منحه التوكيل.
لم يقف محمود العربي عند هذا الحد، بل زار دولة اليابان عدة مرات، وبعد مناقشات طويلة نجح في إقناع اليابانيين لإنشاء مصنع كبير تابع لشركة توشيبا في مصر، بحيث يتولى هذا المصنع إنتاج أجهزة كهربائية ذات جودة عالية، وتصنيعها داخل مصر ، بدلاً من إستيرادها من اليابان.
وفي 1982، بنى محمود العربي مجمعا صناعياً في مدينة بنها المصرية، ثم توسعت أعمال العربي لترفع شراكاتها مع الشركات اليابانية الاخرى مثل سوني وهيتاشي.
"إمبراطورية العربي".. نموذج صناعي يُحتذى به
مؤخراً، وصلت عدد منتجات مجموعة العربي الى أكثر من 400 منتج يتم توزيعها في مصر و22 دولة حول العالم ، وتشمل اكثر من 2800 مركز بيع، و180 مركز ما بعد البيع.
في 2009، حصل محمود العربي على أرفع وسام ياباني على الإطلاق، وهو وسام الشمس المشرقة، من الإمبراطور الياباني شخصياً، وذلك لدور محمود العربي في دعم العلاقات اليابانية المصرية.
محمود العربي رحل عن عالمنا، لكن يظل واحدًا من أهم النماذج العصامية المصرية؛ حيث أصبح رائدًا للصناعات في مصر والمنطقة، بثروة كبيرة وعدد كبير من المصانع المنتشرة في مصر والمنطقة العربية، وهو الإرث الذي يتدفق حتى الآن بقيمة تنافسية تعكس جودة المنتج المصري في الأسواق العالمية.
aXA6IDMuMTQ0LjE3LjE4MSA= جزيرة ام اند امز