رسالة تفاؤل من مسؤول أممي.. بعد كورونا هناك عالم جديد يتجه نحو الشرق
جاء ذلك في محاضرة بعنوان "الاستعداد للواقع الجديد" للدكتور محيي الدين مساء السبت، عبر الإنترنت لأول مرة
قال الدكتور محمود محيي الدين، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون التنمية المستدامة نائب رئيس البنك الدولي الأسبق، إن هناك عالما جديدا يتجه نحو الشرق، وذلك حتى من قبل الأزمة الحالية لتفشي فيروس كورونا المستجد، وازداد هذا الاتجاه بعد الأزمة، والشرق هنا لا يعني فقط الصين، وهو توجه يقلق الغرب.
جاء ذلك في محاضرة بعنوان "الاستعداد للواقع الجديد" للدكتور محيي الدين، خلال ندوة المركز المصري للدراسات الاقتصادية مساء السبت، عبر الإنترنت لأول مرة.
تحدث خلالها عن رؤيته لتغيرات الاقتصاد والنظام العالمي في عالم ما بعد كورونا، بحضور عدد كبير من الخبراء والمتخصصين ورجال الاقتصاد والإعلام.
وأضاف محيي الدين أنه سيكون هناك اختلاف تام في شكل العولمة، حيث سيشهد العالم فك الارتباط بشكل أكبر، والبدء في توطين الصناعات داخل الدول، كما أن الشكل الجديد للعالم سيخلو من المسميات التقليدية لدول العالم الأول والثاني والثالث.
الاقتصاد العالمي
يرى محيي الدين أن الاقتصاد العالمي دخل بالفعل مرحلة الركود، وفقا لإعلان صندوق النقد الأسبوع الماضي، فبعد أن كانت التقديرات تشير إلى تحقيق نمو للاقتصاد العالمي نسبته 2.6% سيتحول النمو إلى -1.5%.
وأشار إلى أن الأسواق الناشئة متوقع أن تحقق نموا إيجابيا نسبته 1%، ولكن قياسا إلى متوسطات الدخول المنخفضة مع النمو السكاني المرتفع في هذه الدول فإن هذه النسبة تعد نموا "سيئا للغاية"، ومن المتوقع أن تحقق الصين معدل نمو يتراوح بين 1-3.3%، وهو أمر غير مسبوق على الإطلاق على مدار تاريخ وجودها، وهو ما يشير إلى أننا في مشكلة كبيرة بالفعل.
سوق العمل
ووفقا لمنظمة العمل الدولية، من المتوقع أن يخسر سوق العمل ما بين 5-25 مليون عامل حول العالم، أوضح محيي الدين أن هذه التوقعات كانت مقدرة قبل الإعلان رسميا عن دخول الاقتصاد العالمي مرحلة الركود، وهو ما يعني أن هذه الأرقام مرشحة للتزايد.
وتحدث محيي الدين عن وجود حجم ضخم من العمالة غير الرسمية في مصر، وطالب بوجود نظام لدعم البطالة، وهو نظام الدخل الأساسي الشامل الذي تطبقه عدد من دول العالم، حيث يحصل الشخص بمجرد خروجه من التعليم على دخل أساسي أيا كانت قيمته، لحين حصوله على فرصة عمل.
أسواق المال
وأكد محيي الدين أن أزمة أسواق المال ليست أزمة تمويل، ولكنها أزمة سببها صدمة عرض وطلب، نتيجة أزمة صحية بالأساس، لافتا إلى أنها تعطي مؤشرات للتعافي من عدمه، وهو ما ظهر عندما أقرت الدول حزما تحفيزية لتنشيط اقتصاداتها وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي أقرت حزمة ضخمة قيمتها 2.5 تريليون دولار، مؤكدا أنه إذا لم يكن الاقتصاد الحقيقي سليم فسيحدث خروج من أسواق المال.
أسواق النفط
وأشار إلى هبوط أسواق النفط، والتي ترتبط بجانب العرض واستشراف ما سيحدث وبالتالي جانب الطلب، مطالبا مصر بالتفكير في عقود شراء طويلة الأجل للنفط، مشيرا إلى أن مصر يمكن أن تستفيد من انخفاض أسعار النفط العالمية باعتبارها مستوردة، حيث تتراجع أسعار البنزين وتستفيد القطاعات الإنتاجية، ولكن على الجانب الآخر ستتضرر نتيجة تأثر تحويلات العاملين بالخارج وتراجع الصادرات إلى المنطقة.
أزمة الغذاء
يخشى محيي الدين من دخول العالم في أزمة جديدة هي أزمة الغذاء، لافتا إلى أن الأزمة الحالية تختلف كثيرا عن الأزمات السابقة في 2008 و2010، فنحن الآن نعاني من مشكلة عرض نتيجة انتشار فيروس كورونا، وهو ما يتطلب وجود ما أطلق عليه "قنوات خضراء" تسمح بانتقال البضاعة وعمل الاقتصاد، في الوقت الذي يجب أن نلتزم فيه بالتباعد.
وحذر محيي الدين من قيام الدول بغلق صادراتها، واصفا إياه بأخطر ما يمكن فعله، لأن قليلا من الدول يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي، وهو ما يتطلب تنسيقا عالميا حتى لا تحدث أزمة كبيرة جدا.
أهداف التنمية المستدامة
وشدد على أهمية التركيز بشكل جدي على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعلى رأسها الاهتمام بالرعاية الصحية، والتعليم، ومكافحة الفقر، وهي أكثر الدروس المستفادة من الأزمة، مطالبا الحكومة المصرية بوضع أولوية للتأمين الصحي الشامل وتطبيقه في جميع المحافظات وليس على سبيل التجريب.
وقال إن دعم القطاع الصحي في مصر لا يجب أن يقل عن 1.5% من الدخل القومي، وهو ما يعني حاجتنا لنحو 50-70 مليار جنيه إضافية للإنفاق على القطاع، داعيا لمراجعة أولويات للموازنة العامة، حيث يجب إيجاد منظومة جديدة تماما للإنفاق العام بأولويات جديدة تأخذ فيها الدولة دورا أكبر في مجالات الرعاية الصحية والتعليم، وتوطين الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية، دون أن تزاحم القطاع الخاص والقطاع العائلي.
الحزم التحفيزية
وتطرق محيي الدين للحديث عن الحزم التحفيزية التي خصصتها دول العالم لمواجهة الأزمة، والتي تقدر بنحو 5 تريليونات دولار، لافتا إلى أن العالم في حاجة إلى نحو 2.5 تريليون دولار إضافية، وهو ما سيسبب زيادة في عجز الموازنات العامة وزيادة في الديون، وهو ما دعا صندوق النقد والبنك الدوليين للحديث عن تأجيل سداد الديون، من أجل مساعدة الدول على مواجهة الأزمة.
وعن حزمة الـ100 مليار جنيه التي خصصتها مصر لمواجهة الأزمة، يتوقع أنه سيكون هناك احتياج لمبالغ إضافية، ويجب أن تكون الحكومة مستعدة لذلك، وهذا يعني أن عجز الموازنة سيزيد، ويمكن الاستفادة من تراجع سعر الفائدة في تخفيض تكلفة التمويل، ولكن هذا يتطلب إدارة جيدة ومتكاملة لعدة سنوات مقبلة، كما يمكن أيضا لمصر تعميق التصنيع المحلي في عدد من القطاعات، لأننا دولة تستورد 70% من احتياجاتها من الخارج.
الاستثمار في رأس المال البشري
وشدد محيي الدين على أهمية زيادة الاستثمار في رأس المال البشري وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم، وتوسيع شبكة التأمينات الاجتماعية والصحية في القطاعين العام والخاص.
واختتم حديثه بأن هذه الأزمة كاشفة للقدرات الإيجابية والسلبية، وتنشئ وضعا عالميا جديدا، ومن أهم دروسها أن الدول عليها أن تأخذ قضية تحقيق التنمية المستدامة بشكل أكثر جدية فيما بعد.
وقال "أنا أكثر تفاؤلا بما بعد الأزمة، فهناك إمكانية كبيرة لتحقيق تطور كبير في المجتمع المصري إذا ما أحسنا فهم الدروس من الأزمة، فنحن أمام واقع جديد وعالم مختلف".
aXA6IDE4LjE5MS4yMDAuMTE0IA==
جزيرة ام اند امز