مهسا أميني وخاشقجي بمكيال الغرب.. ازدواجية المعايير
تكشف تبعات الاحتجاجات الواسعة في إيران على مقتل "مهسا أميني" خلال احتجازها لدى الشرطة، حجم ازدواجية المعايير الغربية والأمريكية.
وأبرزت الاحتجاجات الإيرانية والتعامل الإعلامي والسياسي الغربي مع النظام الذي يقمع المظاهرات، حجم الدليل الصارخ على ازدواجية المعايير، والمفارقة الفجة في تعامل الغرب سياسيا وإعلاميا بين طهران، والرياض، ودول المنطقة.
خبراء اعتبروا في تصريحات لـ" العين الإخبارية" أن واشنطن لا ترغب في إسقاط النظام الإيراني هي تسعى فقط لاضعافه وجعله تحت السيطرة وتوظيفه بطريقة أو بأخرى إقليميا ودوليا، وترى في وجوده بقاء لمصالحها.
الغرب والسعودية.. الكيل بمكيالين
الدكتور بشير عبد الفتاح الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بالقاهرة يقول إن الموقف الأمريكي من تظاهرات طهران يعكس الازدواجية في المعايير، والكيل بمكيالين في تعاطيه مع نظام إيران، مقابل التعامل مع قضايا تتعلق بالسعودية ودول بالمنطقة، حسب ما تقتضيه المصلحة.
وتابع في تصريحات لـ "العين الإخبارية"، أن أمريكا تتبع منهج الضغط على النظام في إيران وإضعافه، للحفاظ عليه دون إسقاطه، حتى يظل عامل خطورة على بعض دول الجوار بشكل يمكن السيطرة عليها، مع التحكم في الوقت ذاته بمسارات سياسات النظام.
الولايات المتحدة توظف النظام الإيراني، والحديث للخبير السياسي المصري، بطريقة أو بأخرى إقليميا ودوليا، وترى في وجوده بقاء لمصالحها، لكن بشرط أن يكون ضعيفا، ولا يتمكن من إنتاج قنبلة نووية أو تطوير لقدراته العسكرية الصاروخية، أو الاستفادة من ثرواته الاقتصادية.
وأشار إلى أن واشنطن تدير العلاقة مع هذا النظام بطريقة تضمن مصالحها، ولم تحن اللحظة للتخلص منه بعد؛ وهو ما يفسر تعاطفها مع المظاهرات وتأييدها إعلاميا وسياسيا، لكنها لا تتخذ خطوات جادة لدعمها، أو دعم المعارضة في الخارج لإسقاط النظام.
وأصدرت وزارة الخزانة الأمريكية، الجمعة 23 سبتمبر/أيلول الجاري، توجيهات لتوسيع نطاق خدمات الإنترنت المتاحة للإيرانيين رغم العقوبات الأمريكية، وسط احتجاجات عقب وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما).
وضمن أسباب البقاء على النظام الحالي، أن الإدارة الأمريكية لا ترى أن هناك بديلا مناسبا في إيران، بحسب عبد الفتاح، كما لا يمكن الرهان في الداخل على أي تيارات تشكل البديل الحقيقي؛ لأن المعارضة الداخلية جزء من النظام والتيار المحافظ.
زاد عبدالفتاح بأن "غياب البديل والمخاوف من أذرع ولاية الفقية في دول الجوار مثل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين تشكل كوابح للرغبة الأمريكية في تغيير النظام الإيراني".
وشدد على أنه "لا توجد نية أمريكية حقيقية لإسقاط هذا النظام، وإلا لفعلت ذلك منذ بداية هذه التظاهرات في ثمانينيات القرن الماضي"، مشيرا إلى أن للولايات المتحدة وسائل اتصال سرية مع النظام الإيراني.
ازدواجية بين نظام مبارك والإيراني
وفي حين عملت الإدارة الأمريكية على التخلص الفوري من نظام مبارك، لم يجرؤ أي طرف غربي على دعوة النظام الإيراني للاستجابة لمطالب المحتجين أو حثه على "الانتقال السلمي" تماما مثلما فعلت مع نظام الرئيس المصري الراحل حسني مبارك.
ويقول عبد الفتاح، إن واشنطن عقدت العزم على التخلص من نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، عقب أحداث 25 يناير/كانون الثاني، والسعي لإيجاد نظام بديل، وكذلك سائر الأنظمة التي سقطت عربيا.
والرئيس الأسبق باراك أوباما خرج في 1 فبراير/شباط 2011، عبر رسالة متلفزة، ليؤكد ضرورة "ترك مبارك للسلطة الآن".
ومن جهته، قال نعمان أبو عيسى عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، في حديث لـ"العين الإخبارية" إن واشنطن تدرك جيدا قوة وتماسك النظام الإيراني، لذا تعمل على مجرد تشجيع المعارضة الحالية"، حتى لا يتعارض الأمر مع رسائل واشنطن غير المباشرة لإيران بشأن ضرورة التوصل إلى اتفاق نووي، وإرساء الاستقرار في المنطقة.
وتابع "الحكومة الإيرانية مناهضة لحرية الإنسان والمرأة في المجتمع الايراني، لكنها تملك زمام الأمور في البلاد، أما في مصر، فكان نفوذ الحكومة الأمريكية أكبر بكثير، ولذا شعرت بمسؤولية أكبر تجاه الشعب المصري، ومحاولة مساعدة بلد حليف كمصر".
خاشقجي ومهسا
ويحاول إعلام الغرب والحاقدين فرض عملية توظيف ممنهجة للأحداث، تكشفها مقارنة بسيطة في التعامل بين قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي قبل سنوات، وبين وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني.
حادثتان تكشفان الفجوة الهائلة في تعامل الغرب مع ملفين يترجمان في الأساس سياسته مع السعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى.
ففي الوقت الذي نصبت واشنطن المشانق قبل حتى معرفة ملابسات ما حدث، تحافظ اليوم على مسافتها من النظام الإيراني رغم استمرار لهيب الغضب الشعبي ومقتل العشرات من المحتجين.
ولم يخرج موقف واشنطن على "تعزيز وسائل الاتصال للإيرانيين"، في رد فعل بدا لافتا وسط موجة التنديد الدولية والدعوات لضبط النفس، بينما اختارت كندا فرض عقوبات على مسؤولين إيرانيين بينهم عناصر مما يسمى بـ"شرطة الأخلاق".
ومن الصعب أن تصل المواقف الدولية إلى الحد الذي بلغته مع السعودية أيضا في قضية مقتل خاشقجي.
نشاز صارخ
وليس ذلك فقط، فمع أن حيثيات القضيتين لا تتقاطع في أي جزئية، إلا أن ما يحصل اليوم يؤكد "النشاز الصارخ" في التعامل الغربي مع ملفات الشرق الأوسط، وهذا ما يفسر تمادي طهران في قمع المحتجين دون الخوف من أي "رادع دولي".
ومؤخرا، جاء في بيان لقيادة الشرطة أوردته وكالة أنباء "فارس" الإيرانية أن عناصر الشرطة "سيواجهون بكل قوتهم" المحتجين، و"سيتصرفون بحزم ضد من يخلّون بالنظام العام والأمن في كل أنحاء البلاد"، أي أن طهران أعلنت نصب المشانق للمتظاهرين على مرأى ومسمع من العالم.
وبحسب حصيلة جديدة نشرتها، الثلاثاء الماضي، وكالة أنباء فارس "قتل نحو 60 شخصا" منذ 16 أيلول/سبتمبر، لكن المنظمات الحقوقية الدولية تتحدث عن أن أرقام الضحايا أعلى بكثير.
والإثنين الماضي، أفادت منظمة "حقوق الإنسان في إيران" غير الحكومية بمقتل "76 شخصا على الأقل".
وما بين الأمس واليوم، لا تزال أبواق أخرى تصر على نبش قضية خاشقجي في محاولة لاستهداف المملكة وقادتها، فيما يتم تعويم ما يجري في إيران على خلفية وفاة الشابة.
خاشقجي.. قضية لن تغلق
ورغم أن القضاء التركي قضى منذ أبريل/ نيسان الماضي، بوقف المحاكمة في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية المملكة بإسطنبول عام 2018، ونقل القضية إلى السلطات السعودية، إلا أن أبواقا غربية لا تزال تحاول الاستثمار في أوهامها عبر مزاعم تستهدف المملكة وقادتها.
تعامل مريب يكشف حجم التضارب الناضح من منابر تدين بالولاء السياسي، فتخلت عن حرفيتها وغرقت في توظيف لم يأخذ بعين الاعتبار حقيقة القضية وملابساتها.
ومع الإعلان عن مقتل خاشقحي، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أوامر ملكية بإعفاء عدد من المسؤولين من مناصبهم، وأعلنت المملكة لاحقا توقيف 18 سعوديا على ذمة القضية.
وبعد تحقيقات كثيفة، أعلنت النيابة السعودية أحكاما رادعة ونهائية بحق المتهمين، لتسدل بموجب الأحكام الستار على القضية التي شغلت الرأي العام العربي والدولي.
ستار يسدله القضاء السعودي والتركي المعنيين الأصليين بالقضية، لكن اللافت أن أطرافا أخرى لا تزال تحاول الصيد في الماء العكر، ما يكشف الانحياز الفاضح وعدم مهنية العديد من وسائل الإعلام الغربية التي تقفز على الحيثيات والأحكام القضائية لتبني على الأحكام الشخصية والسياسية.
الاتفاق النووي
وحول سر هذا الاستهداف الممنهج؟ ولماذا يصر الإعلام الغربي على توظيف المستجدات في غير سياقاتها والتشبث بمحاولة منحها أبعادا سياسية لضرب الأنظمة ومحاولة تأليب شعوبها ضدها؟
يرى مراقبون أن السر يكمن في التوقيت، فاندلاع الاحتجاجات يأتي بفترة زمنية حرجة بين الغرب وإيران، تزامنت مع مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، وهذا ما قد يفسر، بدوره، سبب تساهل الغرب وأبواقه مع طهران.
يأتي ذلك في وقت ذكرت فيه تقارير إعلامية أن الصيغة الأوروبية للاتفاق تضمنت تخفيف الضغط على الحرس الثوري الإيراني، وهذا من أبرز مطالب طهران، ولذلك يبدو أنه كان من الضروري تبادل إشارات ودية بينها عدم تسليط الضوء على قضية تزعج إيران، وقد تخلق عثرات إضافية على طريق إحياء الخطة المشتركة الموقعة قبل سنوات.
وما يزيد من دعم هذا الطرح، هو أن عرض المسودة على إيران لم تعرقله حتى أحداث كبرى من قبيل الكشف عن محاولة اغتيال جون بولتون، ومايك بومبيو، المسؤولين السابقين في إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ما يعني أن الاحتجاجات وحصيلة الضحايا لن تكون بذات الأهمية بالنسبة لواشنطن ولن يكون لها بالتالي تأثير يذكر على مجريات الأمور.
وبذلك يبدو أن الاتفاق النووي يشكل قضية استراتيجية لأمريكا والغرب، والتفصيلات الأخرى، بما فيها محاولة اغتيال سلمان رشدي، ليست سوى جزئية بلا أهمية على طريق تحقيق هذا الهدف.
وزير إيراني خارج المحاسبة
المفارقة الفجة في التعامل الغربي -سياسيا وإعلاميا- مع السعودية وإيران تجلت أيضا من خلال وجود مطلوبين إيرانيين كانوا على متن طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي رئيس إيران، التي أقلته إلى نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فمطلوبين للعدالة الدولية يحصلون على تأشيرات أمريكية لحضور اجتماعات رفيعة، فيما يتم يستهدف النظام السعودي على خلفية قضية حسمها القضاء التركي و أحالها إليه، لكن أبواق الدعاية الغربية تصر على نبشها لأهداف سياسية بحتة.
وعبر المطلوبون الإيرانيون على أجنحة طائرة رئيسي، ولم تمنعهم واشنطن، بل كان من بين "الوفد" وزير إيراني مطلوب في أوروبا للمحاكمة، ومع ذلك لم يتجرأ أحد على التطرق لذلك، وحضر اجتماعات نيويورك.
الازدواجية في المعايير لم تقتصر على أحداث قريبة، بل تعج الذاكرة الجماعية بحيثيات تدعم الطرح نفسه، انطلاقا من احتجاز إيران لـ4 رهائن أمريكيين اتخذتهم ورقة ضغط لتحسين شروطها في المفاوضات، وصولا إلى عملية طعن الكاتب البريطاني من أصول هندية سلمان رشدي.
وأغلق ملف الرهائن تماما كما أغلق ملف محاولة اغتيال رشدي، وذلك للسبب ذاته وهو وجود طهران بقلب إحداثياتها أو في ردهاتها الخلفية، وبالحالتين، تبدو الماكينات السياسية والإعلامية الغربية عاجزة عن اتخاذ موقف رغم ما قد يتخلل ذلك أحيانا من محاولات للإيهام بعكس ذلك.
في المقابل، نجحت الوساطة السعودية بتحرير رهائن أمريكيين رغم الخلافات مع واشنطن، ولم يشفع ذلك للمملكة.
aXA6IDE4LjE5MC4yMTkuMTc4IA==
جزيرة ام اند امز