صناعة السلع الفاخرة ثم حرقها.. ملامح "السر الأقذر" بين أعداء المناخ
تبكي البيئة مرتين جراء ظاهرة اعتاد صناع السلع الفاخرة على ممارستها لحماية علاماتهم التجارية، وهي ظاهرة اصطلح على تسميتها "السر الأقذر".
في عالم تحكمه قواعد الرأسمالية الجافة، ويتفوق فيه منطق الربح على أي منطق آخر، تتجه شركات السلع الفاخرة العملاقة إلى سحب موارد طبيعية ضخمة من الكوكب ثم يدمرون البيئة في عمليات التصنيع والشحن.
لكن الضرر لا يتوقف عند هذا الحد، بل ينتقل إلى مرحلة أعلى من مخالفة المنطق الإنساني في سبيل تحقيق المنطق الربحي، حين قرر الصناع أن مخزوناتهم الفائضة يجب التخلص منها تماما مع منع وصولها إلى أي يد قد تستفيد منها في غرضها الأصلي.
- أزمة المناخ.. العالم في اختبار حقيقي قبل وقوع "الكارثة"
- بطلات المناخ.. أقوى 5 سيدات حملن لواء الاستدامة
سنويا، توجه أسماء لامعة في عالم صناعة السلع الفاخرة، آلاف الأطنان من الأزياء الحديثة والملابس والأحذية والحقائب والعطور والساعات إلى المحارق للتخلص منها خشية وصولها إلى تاجر يبيعها بأسعار مخفضة فتتضرر الصورة التسويقية للسلعة كونها حصرية للأثرياء.
وغني عن الشرح، الأضرار التي تنال البيئة سنويا جراء هذه الظاهرة التي تسهم أيضا في التغير التدريجي للمناخ رغم النداءات والاستغاثات والتحذيرات.
أسماء لامعة "تتورط"
وقائمة المتورطين في هذه الممارسة طويلة، وهي أيضا ليست سرية، إذ عادة ما تسلط الصحافة الضوء على هذه الظاهرة لخلق الضغوط على مرتكبيها.
ورغم أن الشركات ليست ملزمة قانونا بالإعلان عن سياساتها للتخلص من المخزونات الفائضة، إلا أن بعض المساهمين في الشركات فضحوا تلك الممارسات رغم إرادة إدارة الشركة.
وتضم القائمة على سبيل المثال شركات بربري Burberry البريطانية للأزياء الراقية، وريتشمونت Richemont التي تمتلك علامتي Cartier و Montblanc، وكوتش Coach واتش آند إم H&M وغيرها.
السر الأقذر
غالبًا ما يُشار إلى صناعة الأزياء على أنها من أكثر الصناعات المسببة للتلوث في العالم، ورغم أسرارها العديدة فيما يتعلق بتدمير البيئة، لكن حرق البضائع الصالحة للاستخدام تمامًا في محاولة للحفاظ على المكانة ربما يكون أقذر سر بينها جميعًا، كما يقول لوين رولوف المسؤول لدى منظمة Greenpeace البيئية غير الحكومية.
ويوضح أن الشركات لا تُظهر أي احترام لمنتجاتها والعمل الجاد والموارد الطبيعية المستخدمة في صنعها، حتى على الرغم من ارتفاع أسعار تلك المنتجات.
وتابع: "تشير الكمية المتزايدة من المخزون الفائض إلى الحاجة لخفض الإنتاج لكنهم لا يفعلون ذلك خشية إغضاب المساهمين، فيعملون على مواصلة الإنتاج وحرق ملابس ومنتجات جديدة تمامًا".
من جهته، أوضح تيمو ريسانين أستاذ تصميم الأزياء والاستدامة في كلية Parsons للتصميم، أن "الحرق والتقطيع هما الآليتان الرئيسيتان في التخلص من المخزون الفاخر الفائض، بينما يمكن أيضا دفنها".
وأوضح: "لكن معظم الشركات تقوم بالحرق حتى يتمكنوا من الادعاء بأن المحارق تلتقط الطاقة وتستفيد بها بما يوحي بأنهم يحترمون البيئة".
وتابع: " الطاقة التي يتم إنتاجها من حرق الملابس لا تذكر مقارنة بالطاقة التي تم تستخدم في صناعتها".
من أمريكا إلى السويد
ويقول ريسانين إن عمليات حرق السلع الفاخرة تحدث في كل مكان بالعالم من أمريكا إلى السويد.
لكنه لفت إلى الكثير من تلك العمليات يحدث في الهند، بينما هناك بلدة تدعى بانيبات متخصصة في تقطيع الملابس الفاخرة.
كيف تتأثر البيئة؟
ناهيك عن انبعاث الكربون من الاحتراق، يمثل البوليستر الآن حوالي 60% من إجمالي سوق الملابس والبوليستر يأتي من النفط.
لذا يمكن إثبات أنه عندما نحرق البوليستر، فإننا نحرق الزيت، لذا ينبعث ثاني أكسيد الكربون والكثير من المواد الكيميائية المتعلقة بملحقات الملابس والمنسوجات كالصبغات وغيرها.
وبشكل خاص، فإن صناعة الأزياء وحدها مسؤولة عن 8 إلى 10% من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميا، وهي نسبة أكثر من صناعات الطيران والشحن البحري مجتمعين.
كما تنتج صناعة الأزياء وتبيع ما بين 80 إلى 150 مليار قطعة ملابس سنويًا على مستوى العالم.
وينتهي الحال بما يقرب من ثلاثة أخماس الملابس المُنتجة إلى المحارق أو المدافن في غضون سنوات من تصنيعها، وفقا لإحصاءات جمعتها "فوكس دوت كوم" من ماكينزي والأمم المتحدة ةمؤسسة إلين ماك آرثر والبنك الدولي والنقابات العمالية الدولية.
تفسير الحرق اللامنطقي
ومع تزايد الظاهرة، يبزغ سؤال حول منطقية حرق السلع الفاخرة رغم قيمتها العالية.
فعلى سبيل المثال، حرقت بربري بضائع فاخرة بأكثر من 90 ليون جنيه إسترليني خلال 5 سنوات فقط، فيما اضطرت شركة ريتشمونت إلى التلخص من ساعات بقيمة 430 مليون جنيه إسترليني خلال عامين.
البعض يرى أن تلك الشركات يمكنها إجراء خصومات قليلة كأن تبيع مثلا الحقيبة مقابل 3000 دولار بدلا من 3500 دولار وتحقيق الربح بدلا من الخسارة التامة.
وهنا يقول ريسانين: "سعر التجزئة لمنتج فاخر لا علاقة له بقيمته الفعلية، عندما تشتري شيئًا من شانيل أو جوتسي وتدفع مبلغا باهظا فهو في الواقع يكون ثمنا للحملات الإعلانية الضخمة.. إذا دمرت شانيل فستانًا حاولت بيعه مقابل 1200 دولار فلن تخسر حقًا 1200 دولار.. لا أعتقد أن شانيل دفعت حتى 100 دولار لصنع هذا الفستان".