كسوة الكعبة من الجاهلية إلى "زفة المحمل"
مرت رحلة كسوة الكعبة المشرفة بالعديد من المراحل عبر التاريخ منذ الجاهلية وحتى يومنا هذا.
مرت رحلة كسوة الكعبة المشرفة بالعديد من المراحل عبر التاريخ منذ الجاهلية وحتى يومنا هذا، إذ مثلت كسوة الكعبة تشريفاً وتبجيلاً للقبائل والدول التي كانت تقوم بصنع كسوة الكعبة كل عام قبل موسم الحج بأيام قليلة، إذ أصبح مناسبة تقام لها الاحتفالات، حيث تتجه أنظار المسلمين في كل دول العالم إلى مكة المكرمة في هذا اليوم.
وتختلف العديد من كتب التاريخ والسير حول شخصية أول من كسا الكعبة في الجاهلية فتقول بعض الروايات إنه إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وتقول روايات أخرى إنه عدنان أحد أجداد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، في حين ترجح رواية ثالثة أن تبع الحميري ملك اليمن كونه أول من كسا الكعبة قبل الإسلام بعد أن زار مكة، حيث كساها مستخدماً "الخصف" وهو ثوب من النوع الغيظ، ثم كساها بالملاء وهو ثوب رقيق من نسيج واحد، ثم تبع ذلك كساء الكعبة باستخدام الوصائل وهو ثوب من اللون الأحمر.
وتذكر كتب التاريخ أنه منذ ذلك الوقت واصل الملوك الذين جاءوا بعد تبع الحميري كساء الكعبة وصار تقليداً منذ ذلك الوقت، وتفنن الكثيرون في استخدام نوعية النسيج الذي كان يستخدم في عمل الكسوة ومنه على سبيل المثال استخدام الجلد والقباطي.
وانتقلت كسوة الكعبة بين العديد من القبائل وكانت تغير كلما بليت، إلى أن تولاها" قصي بن كلاب" الجد الرابع للرسول والذي جمع القبائل على أن يتعاونوا فيما بينهم لكسوة الكعبة حسب مقدرة كل قبيلة منهم.
أما كسوة الكعبة بعد دخول الإسلام فتورد بعض الروايات أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من كساها بعد احتراقها على يد امرأة كانت تسعى إلى تبخيرها، فقام الرسول الكريم عقب تلك الواقعة بكسائها باستخدام الثياب اليمانية، ثم واصل الخلفاء الراشدون من بعده الأمر، ومنهم أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما.
وفي عهد بني أمية كانت تكسى الكعبة مرتين في العام، وفي عهد العباسيين كذلك استمرت كسوة الكعبة مرتين في العام حتى عهد الخليفة العباسي المأمون إذ تم كساء الكعبة ثلاث مرات خلال العام بألوان مختلفة، إلى أن كسيت باللون الأسود في عهد الناصر لدين الله أبو العباس أحمد واستمرت تكسى بهذا اللون حتى يومنا هذا.
ويرجع تاريخ تصنيع مصر لكسوة الكعبة إلى عهد الدولة الفاطمية، حيث باتت ترسل الكسوة سنوياً من مصر، واستمر ذلك الأمر في عهد الدولة المملوكية إذ كان سلاطين وملوك الدولة المملوكية يعتبرون أن إرسال الكسوة من مصر شرف لهم وتشريف لا يمكن أن ينافسهم فيه أحد مهما بلغ من قوة، فتذكر بعض المراجع التاريخية أن ملك اليمن" المجاهد" أراد في عام 751 هجرية أن ينزع كسوة الكعبة المصرية ليكسوها من اليمن، فلما علم بذلك المماليك استشاطوا غضباً وألقوا القبض عليه وأرسل إلى القاهرة مكبلاً في الأغلال.
ولأن تكلفة كسوة الكعبة كانت مرتفعة للغاية، فقد أمر السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون حاكم مصر بوقف خراج قريتين هما قرى باسوس وأبو الغيط.
واستمرت مصر ترسل كسوة الكعبة سنوياً وبانتظام بعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية، فقد اهتم السلطان سليم الأول بتصنيع كسوة الكعبة وكسوة الحجرة النبوية وكذلك كسوة مقام إبراهيم الخليل، واستمرت كذلك كسوة الكعبة يحملها سنوياً أمير الحج معه في قافلة الحج المصري.
كما أمر السلطان سليمان بوقف خراج 7 قرى أخرى إلى جانب القريتين اللتين كانتا في عهد المماليك ومع ذلك لم يكف العائد فتم رفع الضرائب على أهالي تلك القرى، إلى أن آل الحكم في مصر للوالي محمد علي باشا الذي أمر بأن تخرج نفقة تصنيع كسوة الكعبة من خزينة الدولة التي آلت إليها كل الأوقاف، وتأسست لهذا الشأن دار الخرنفش بحي باب الشعرية بالقاهرة لتصنيع الكسوة عام 1233 هجرية، وهو حي عريق لا يزال يحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة داخلها.
وكان الاحتفال بخروج المحمل الشريف والذي كان يحمل كسوة الكعبة من القاهرة قاصداً بلاد الحجاز من أكثر الاحتفالات بهجة على المستويين الرسمي والشعبي، حيث كانت رحلة المحمل تنطلق من مقر وزارة المالية داخل صناديق إلى "وكالة الست" بالجمالية وتنقل جزءاً من كسوة الكعبة من مصنعها بالخرنفش إلى المصطبة بميدان صلاح الدين حيث يقام هناك احتفال كبير كان يعرف باسم" زفة المحمل" حيث كان يلتف حولها العوام تقديساً للكسوة وتبركاً بها.
وفي عهد محمد علي باشا توقفت مصر عن إرسال الكسوة بعد الصدام بين أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الأراضي الحجازية وقافلة الحج المصرية عام 1222 هجرية ولكن أعيدت مرة أخرى إلى مصر عام 1228 هجرية.
وظلت كسوة الكعبة تصنع سنوياً في مصر حتى عام 1962م/1381 هجرية، حيث وصلت الكسوة إلى ميناء جدة على متن إحدى البواخر فحدث خلاف أدى إلى عودة الكسوة إلى مصر، ونظراً لضيق الوقت فقد كلف وزير الحج وقتها بإعداد كسوة من القطع المحفوظة بمستودع الحرم، حيث صبغت وكسيت بها الكعبة في موعهدا في العاشر من ذي الحجة.
وفي العام التالي 1382 هجرية صنعت كسوة ثانية في مصنع الكسوة في مكة المكرمة وأهداها الملك سعود إلى الكعبة المشرفة، إذ كتب عليها نص الإهداء التالي:" صنعت هذه الكسوة في مكة المكرمة وأهداها إلى الكعبة المشرفة خادم الحرمين الشريفين سعود بن عبد العزيز آل سعود تقبل الله منه سنة 1382هـ".
aXA6IDMuMTQuMTMyLjE3OCA=
جزيرة ام اند امز