مالي و"أزواد" وجها لوجه.. مفاتيح التوتر
ما الذي يحدث في مالي حتى تستأنف مجموعات مسلحة حمل السلاح ضد الحكومة؟ وهل سقط اتفاق السلام بالفعل بما يشي بمرحلة بالغة التعقيد؟
المشهد يبدو متأرجحا على رمال متحركة، والتوتر بلغ أشده لدرجة أن المجلس العسكري ألغى احتفالات عيد الاستقلال وخصص ميزانيتها لمواجهة الإرهاب في الشمال.
تطورات تمضي على صفيح ساخن في بلد لم تهدأ وتيرة القتال فيه بين المجموعات المسلحة والحكومة إلا لفترة وجيزة خلال سريان اتفاق سلام هش وقع بالجزائر في 2015.
لكن في ظل الخلافات المستعرة حول طرق تفعيل الاتفاق، انتهى الأمر ببعض المجموعات المسلحة بإعلان تعليق مشاركتها فيه، في ورقة ضغط كانت تأمل في أن تقود نحو مفاوضات جديدة، لكنها انتهت بخلق جبهات قتال جديدة.
والخميس، قرر قائد المجلس العسكري في مالي الكولونيل أسيمي غويتا إلغاء احتفالات عيد استقلال البلاد، وذلك على خلفية تجدد المعارك في الشمال.
كما ناقش مجلس الوزراء في البلاد أيضا إمكانية استدعاء جنود الاحتياط.
فما الذي يحدث حتى تعود مالي إلى المربع الأول؟
الجماعات الانفصالية استأنفت عملياتها العسكرية في شمال مالي، لتضع الجيش بذلك أمام تحدّ متزايد وخصم إضافي يتوجّب عليه مواجهته بمفرده بعدما أبعد القوات الفرنسية والأممية، وعلى مساحة واسعة لا يسيطر عليها بالكامل.
هجوم الثلاثاء
هاجمت مجموعات مسلحة يهيمن عليها الطوارق المؤيدون للانفصال أو الحكم الذاتي في شمال مالي، مواقع للجيش في بلدة بوريم، في أول عملية واسعة تشنها منذ توقيع اتفاق سلام عام 2015.
واستعاد الجيش السيطرة على هذه المواقع، لكن كل طرف يقدّم رواية يصعب التحقق منها وتناقض ما يرويه الآخر بشأن حصيلة المعارك ومن خرج منتصرا فيها.
فالجيش يقول إنه فقد 10 جنود وقام في المقابل بـ"تحييد" 46 من "الإرهابيين"، بينما تؤكد المجموعات المسلحة أنها قتلت 97 جنديا وأسرت 5 وخسرت 9 من عناصرها.
ويسود اعتقاد واسع بأن الهجوم يؤذن باستئناف العمليات العسكرية المفتوحة في شمال مالي وطي صفحة اتفاق 2015.
اللاعبون
"تنسيقية حركات أزواد" هي الطرف الرئيسي فيما يحصل، وهي تحالف لمجموعات يهيمن عليها الطوارق الذين قادوا أكثر من محاولة انفصال ضد السلطات المركزية اعتبارا من عام 1962.
عاودت هذه المجموعات حمل السلاح عام 2012 للمطالبة بالاستقلال أو الحكم الذاتي. وبعد إبرام اتفاق لوقف النار في 2014 وقعت التنسيقية في العام التالي اتفاق سلام مع الحكومة والفصائل الموالية لها عرف بـ"اتفاق الجزائر"، بات حاليا في حكم المنتهي.
مهّد تمرّد عام 2012 الطريق أمام مجموعات مرتبطة بتنظيم القاعدة للتمدد في جزء أساسي من مناطق شمال مالي، ما دفع فرنسا إلى التدخل عسكريا وأدخل منطقة الساحل الأفريقية في نزاع حصد الآلاف من القتلى.
تنشط "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بالقاعدة في قسم كبير من شمال مالي ووسطها وصولا إلى أطراف باماكو، وفي الشمال الغربي عزّزت مجموعات مرتبطة بتنظيم داعش حضورها في منطقة ميناكا.
وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية الأفريقية، مقره في الولايات المتحدة، فإن "جزءا كبيرا من شمال البلاد بات بحكم الأمر الواقع تحت سيطرة مجموعات من المقاتلين المتشددين".
وبعد الانقلاب العسكري المزدوج في 2020 و2021 دفع المجلس العسكري القوات الفرنسية التي كانت تنفذ مهام ضد الإرهابيين، إلى مغادرة البلاد في 2022، وبعدها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) في 2023.
ديناميات النزاع
تقاتل "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" والجماعات المرتبطة بداعش الجيش في مالي، وفي حين تُحجِم هذه المجموعات عن مهاجمة التجمعات المدنية، تتنافس فيما بينها للسيطرة على الموارد (المائية، مناجم الذهب، فرض الخوات)، ما يتسبب بمعارك دامية ونزوج واسع للسكان.
من جهتها، تقاتل مجموعات الطوارق الجيش، وعادت على ما يبدو إلى خوض المعارك ضده.
وفي ظل هذا التداخل، تنسج مختلف الأطراف تحالفات تكون أقرب إلى حلف الضرورة من تفاهمات المنطق. وفي هذا السياق تطرح أسئلة عن تحالف مرحلي بين الانفصاليين وجماعة النصرة.
وأكد مسؤول في تنظيم مسلّح لوكالة فرانس برس، طالبا عدم كشف اسمه "يمكن لحلفاء ظرفيين أو مؤقتين أن يتواجهوا مستقبلا. عدوّنا الفعلي هو القوات المسلحة المالية"، مشددا على رفض التحالف مع المتشددين.
آفاق
وضع المجلس العسكري الحاكم في باماكو استعادة الأراضي الخارجة عن سيطرته هدفا رئيسيا له، وهو يميل للحل العسكري. وعلى رغم امتلاكه التفوق الجوي لكن فتح جبهة جديدة يهدد باستنزاف الجيش المنهك أصلا في وقت تكرر السلطة الحاكمة التأكيد أنها ستعيد ضبط الوضع الأمني.
وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية الأفريقية، فإن مالي "تتجه لتسجيل أكثر من ألف حدث عنف مرتبط بالمجموعات المسلحة في 2023، وهو ما سيتفوق على مستوى العنف القياسي المسجّل العام الماضي، ويشكّل زيادة بثلاثة أضعاف تقريبا مقارنة بتاريخ سيطرة الجيش على الحكم في 2020".
aXA6IDE4LjE5MS4yMDIuNDgg جزيرة ام اند امز