الإرهاب يضرب شمال مالي.. هل ورط الجيش نفسه؟
في تحد بات عليه مواجهته بمفرده، وجد الجيش في دولة مالي نفسه، أمام عمليات "إرهابية" تزايدت وتيرتها، بعدما أبعد القوات الفرنسية والأممية، من مساحة واسعة لا يسيطر عليها بالكامل.
ذلك التحدي أصبح مؤشرًا على احتمال تدهور الأوضاع بشكل أوسع في مالي، ورجح فرضية تحول هذا الملف إلى أن يكون أشد سخونة مع اقتراب نهاية 2023 وقرب انسحاب الأمم المتحدة من معسكر كيدال، المدينة التي تعد معقلا للطوارق.
فماذا حدث يوم الثلاثاء؟
في أول عملية واسعة تشنّها منذ توقيع اتفاق سلام عام 2015، هاجمت مجموعات مسلحة يهيمن عليها الطوارق المؤيدون للانفصال أو الحكم الذاتي في شمال مالي، مواقع للجيش في بلدة بوريم.
ورغم أن الجيش يؤكد السيطرة على هذه المواقع، إلا أن كل طرف يقدّم رواية يصعب التحقق منها وتناقض ما يرويه الآخر بشأن حصيلة المعارك ومن خرج منتصرا فيها.
ففيما يقول الجيش إنه فقد عشرة جنود وقام في المقابل بـ"تحييد" 46 من "الإرهابيين"، تؤكد المجموعات المسلحة أنها قتلت 97 جنديا وأسرت خمسة وخسرت تسعة من عناصرها.
اللاعبون الرئيسيون
"تنسيقية حركات أزواد" هي الطرف الرئيسي في مقلب التمرد. وهي تحالف لمجموعات يهيمن عليها الطوارق الذين قادوا أكثر من انتفاضة ضد السلطات المركزية اعتبارا من العام 1962.
هذه المجموعات عاودت حمل السلاح في العام 2012 للمطالبة بالاستقلال أو الحكم الذاتي. وبعد إبرام اتفاق لوقف النار في 2014، وقعت في العام التالي اتفاق سلام مع الحكومة والفصائل الموالية لها عرف بـ"اتفاق الجزائر"، بات حاليا في حكم المنتهي.
ومهّد تمرّد العام 2012 الطريق أمام مجموعات مرتبطة بتنظيم القاعدة للتمدد في جزء أساسي من مناطق شمال مالي، ما دفع فرنسا إلى التدخل عسكريا وأدخل منطقة الساحل الأفريقية في نزاع حصد الآلاف من القتلى.
وتنشط "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بالقاعدة في قسم كبير من شمال مالي ووسطها وصولا إلى أطراف باماكو. وفي الشمال الغربي، عزّزت مجموعات مرتبطة بتنظيم "داعش" حضورها في منطقة ميناكا.
ماذا يعني الهجوم؟
يسود اعتقاد واسع بأن الهجوم يؤذن باستئناف العمليات العسكرية المفتوحة في شمال مالي وطي صفحة اتفاق 2015.
وأوضح مركز الدراسات الاستراتيجية الأفريقية، ومقره في الولايات المتحدة، أن "جزءا كبيرا من شمال البلاد بات بحكم الأمر الواقع تحت سيطرة مجموعات من المقاتلين الإسلاميين".
وبعد الانقلاب العسكري المزدوج في 2020 و2021، دفع المجلس العسكري القوات الفرنسية التي كانت تنفذ مهاما ضد "الإرهابيين"، إلى مغادرة البلاد في 2022، وبعدها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) في 2023.
ما تأثير الانسحاب الأممي؟
من المقرر أن ينتهي انسحاب القبعات الزرق بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول، بعد أن تعرضت قوة "مينوسما" لانتقادات واسعة بسبب محدودية دورها في مواجهة التنظيمات الجهادية.
ورغم ذلك، إلا أنها كانت الوحيدة القادرة على التدخل بين الانفصاليين الطوارق والجيش المالي، مما يعني أن انسحابها التدريجي قد يساهم في تصاعد أعمال العنف في الشمال.
وتقوم قوة الأمم المتحدة بتسليم معسكراتها الى السلطات المالية. لكن في ظل النزاع الدائر في الميدان، يرى الانفصاليون أن المواقع الأممية يجب أن تصبح تحت سيطرتهم بعد انسحاب القبعات الزرق. ويرجح أن يصبح هذا الملف أشد سخونة مع اقتراب نهاية 2023 وقرب انسحاب الأمم المتحدة من معسكر كيدال، المدينة التي تعد معقلا للطوارق.
ديناميات النزاع
تقاتل "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" والجماعات المرتبطة بتنظيم "داعش"، الجيش في مالي. وفي حين تُحجِم هذه المجموعات عن مهاجمة التجمعات المدنية، تتنافس فيما بينها للسيطرة على الموارد (المائية، مناجم الذهب، فرض الخوات)، ما يتسبب بمعارك دامية ونزوح واسع للسكان.
من جهتها، تقاتل مجموعات الطوارق، الجهاديين، وعادت على ما يبدو إلى خوض المواجهات ضد الجيش.
في ظل هذا التداخل، ينسج مختلف الأطراف تحالفات تكون أقرب إلى حلف الضرورة من تفاهمات المنطق. وفي هذا السياق، تطرح أسئلة عن تحالف مرحلي بين الانفصاليين وجماعة النصرة.
وأكد مسؤول في تنظيم مسلّح طلب عدم كشف اسمه: "يمكن لحلفاء ظرفيين أو موقتين، أن يتواجهوا مستقبلا. عدوّنا الفعلي هو القوات المسلحة المالية"، مشددا على رفض التحالف مع "الإرهابيين".
سيناريوهات مستقبلية
وضع المجلس العسكري الحاكم في باماكو استعادة الأراضي الخارجة عن سيطرته هدفا رئيسيا له، وهو يميل للحل العسكري. وعلى رغم امتلاكه التفوق الجوي، لكن فتح جبهة جديدة يهدد باستنزاف الجيش المنهك أصلا في غير مكان، في وقت تكرر السلطة الحاكمة التأكيد أنها ستعيد ضبط الوضع الأمني.
وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية الأفريقية، فإن مالي "تتجه لتسجيل أكثر من ألف حدث عنف مرتبط بالمجموعات المسلحة في 2023، وهو ما سيتفوق على مستوى العنف القياسي المسجّل العام الماضي، ويشكّل زيادة بثلاثة أضعاف تقريبا مقارنة بتاريخ سيطرة الجيش على الحكم في 2020".
aXA6IDUyLjE0LjE2Ni4yMjQg جزيرة ام اند امز