في كايس.. «إرهاب اقتصادي» لتطويق «كنز مالي»

أحيانا، لا يحاصرون المدن بشكل ظاهر لكنهم يشلون شرايينها فيعزلونها ويفجرون براكين الغضب بنفوس سكانها.
هذا ما يحدث في كايس، «مدينة الذهب» الواقعة غربي مالي، على الحدود مع السنغال وموريتانيا، هناك حيث أصبحت المنطقة هدفا استراتيجيا لـ«جماعة نصرة الإسلام»، ذراع القاعدة الإرهابي.
ولأن الفصيل المتطرف عادة ما يبحث عن «مناجم الذهب» لتأمين مصادر تمويله، توفر هذه المدينة أكثر من ذلك: فموقعها على الحدود مع جارتين يجعلها نقطة مهمة لتعطيل الإمدادات وبالتالي إشعال فتيل الاحتقان الشعبي تمهيدا لهدف أكبر وهو عزل العاصمة باماكو وزيادة الضغط الاقتصادي على النظام العسكري الحاكم.
ومنذ 3 سبتمبر/أيلول الجاري، يطوق الإرهابيون مدينتي كايس ونيورو، حيث أوقفوا وأحرقوا مركبات النقل والشحن، واختطفوا ركابا.
لكن بتدخل الجيش، خف الحصار الظاهري المفروض من الإرهابيين عقب تكثيف العمليات والدوريات لتأمين الطرق، خصوصا أن التوتر الأمني يتزامن مع موسم الأمطار الذي غالبا ما يساهم بدوره في تعطل حركة النقل.
وبدخول الجيش على الخط، لجأ الإرهابيون لأسلوبهم المعروف وهو محاولة خنق «مدينة الذهب» عبر تعطيل ومنع دخول الإمدادات إليها.
«إرهاب اقتصادي»
توصيف استخدمه معهد تمبكتو، وهو مركز أبحاث مقره العاصمة السنغالية داكار، في دراسة نشرها اليوم الجمعة عبر موقعه الإلكتروني، تُحلّل استراتيجية «جماعة نصرة الإسلام».
وبحسب الدراسة التي اطلعت عليها «العين الإخبارية»، أصبحت منطقة كايس «هدفا استراتيجيا رئيسيا للجماعة الإرهابية، والتي تعتبرها منطقة حيوية".
كما تشير إلى أن الإرهابيين يعتزمون تعطيل إمدادات البلاد لـ«زعزعة استقرار الاقتصاد المالي أو حتى خنقه، وعزل العاصمة باماكو، و"زيادة الضغط الاقتصادي على النظام الانتقالي المالي».
وتلفت إلى أن ما يقرب من 80% من ذهب مالي، موردها الرئيسي، يُنتج في منطقة كايس، وأن 30% من واردات مالي البرية، وخاصة الوقود والحبوب، تمر عبر الطريق الوطني رقم 1، الذي يربط ميناء داكار بباماكو، عبر كايس.
منطقة استراتيجية
تعكس الهجمات المنسقة التي شنها إرهابيون في أوائل يوليو/تموز الماضي على مواقع عسكرية على طول الحدود السنغالية والموريتانية، والهجوم الذي استهدف أواخر أغسطس/آب المنقضي مشروع تجديد طريق على الطريق الوطني رقم 1، وما تلاه من قطع للإمدادات، «رغبة في شل حركة التجارة»، وفقا لمركز الأبحاث.
وفي الوقت نفسه، تتابع الدراسة: «تعزز الجماعة قبضتها على وسط البلاد، وتُعد باستمرار إجراءات جديدة لتحسين استهداف طرق التجارة الاستراتيجية»، فيما وصفه الباحثون بـ«السيطرة الاقتصادية الموازية».
وبخصوص الهجمات على شاحنات الصهاريج في أنحاء مختلفة من البلاد، يشير معهد تمبكتو إلى أن الوقود "ضروري للعمليات العسكرية"، ويتوقع أن يؤدي ذلك، بالنسبة للمدنيين، إلى زيادة تكاليف النقل و"دفع الجهات الفاعلة الاقتصادية إلى شبكات غير رسمية، غالبا ما تفرض عليها الجماعة الإرهابية ضرائب.
وحذرت الدراسة من أن ما تقدم يشكل ضربة مزدوجة لصالح الإرهابيين الذين يُضعفون اقتصاد البلاد ويجمعون التمويل في الوقت نفسه، معتبرة أن الجماعة «تسعى إلى إقامة سيطرة اقتصادية موازية».
ويُحلل الباحثون أيضا أنه «بفرضها لوائح على الوقود والنقل، تُرسخ الجماعة نفسها كسلطة فعلية، مما يُقوض شرعية الحكومة المالية».
وفي بيان سابق، أشار الجيش المالي إلى أنه نفّذ غارات جوية ليلة 10 سبتمبر/ أيلول الجاري في مناطق كايس وييليماني ونيورو، وأصاب بنجاح "عدة مواقع استراتيجية لقادة إرهابيين، فيما لم يُعلن عن عدد القتلى.
خوف وتشتيت
ويرى معهد تمبكتو أن «جماعة نصرة الإسلام» ضاعفت بالفعل هجماتها في منطقة كايس 7 مرات بين عامي 2021 و2024، قبل التكثيف الملحوظ منذ بداية يوليو/ تموز الماضي.
وبالأشهر الأخيرة، لم تعد هذه الهجمات تستهدف المواقع العسكرية أو الحكومية فحسب، بل استهدفت أيضا العديد من المواقع الصناعية والتعدينية التي تديرها شركات أجنبية، وخاصة الصينية منها، كما هو الحال في مدينة بافولابي.
وخلال تلك الهجمات، اختطف الإرهابيون ما لا يقل عن ثلاثة هنود رهائن، وهي التطورات التي سيكون لها بلا شك تداعيات وخيمة على الاستثمار الأجنبي.
أما على الصعيد العسكري، فكثفت الجماعة عملياتها في منطقة كايس دون تخفيف الضغط في بقية أنحاء البلاد، وخاصة بمناطق الوسط.
وتهدف هذه الاستراتيجية، وفقا للدراسة، إلى «تشتيت القوات المسلحة المالية، وإضعاف قدرتها على حماية باماكو».
وفي ختام الدراسة، أعرب الباحثون عن قلقهم إزاء العواقب على موريتانيا والسنغال المجاورتين، سواء من حيث «تعطيل التجارة عبر الحدود» ولكن أيضا في ما يخص «خطر زعزعة الاستقرار الأمني».