النجاح في الرياضة كما في السياسة والاقتصاد ومختلف مناحي الحياة لا يأتي صدفة ولا يخضع لقواعد الحظ، إنما للتخطيط السليم والإدارة الجيدة، وقبل ذلك وبعده الرؤية الطموحة الحاكمة والموجهة للمشروع برمته.
من هذا المنطلق يمكن تفسير أسباب نجاح نادي مانشستر سيتي الإنجليزي ليس فقط في الفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا الأخيرة ولا ببطولتي الدوري وكأس الاتحاد الإنجليزيتين ليكمل ثلاثية تاريخية لم يسبقه لها إلا عدد قليل من الأندية الأوروبية.. مرشحة بدورها لتصبح خماسية باعتباره المرشح الأوفر حظاً في الفوز ببطولة كأس السوبر الأوروبي ضد فريق إشبيلية الإسباني وكأس العالم للأندية.
وإنما للتفسير والإجابة عن سؤال: كيف لنادٍ ليس جماهيرياً في بلاده وليس لديه رصيد من البطولات محلياً وقارياً أن يتحول في أقل من عقد ونصف العقد من الزمان إلى فريق كرة القدم الأكثر إمتاعاً وإبهاراً والأكثر حصداً للبطولات خلال تلك الفترة في أشهر وأصعب منافسات كرة القدم على الإطلاق وهي بطولة الدوري الإنجليزي.
وتحطيمه لكثير من الأرقام القياسية في المنافسات الكروية الإنجليزية مثل تحقيق كل الألقاب المتاحة في إنجلترا عندما فاز في موسم 2018/2019 بالدوري وكأس الاتحاد وكأس رابطة الأندية المحترفة وكأس الدرع الخيرية، في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل ولم تتكرر بعدها.
قبل انتقال ملكيته إلى مجموعة أبوظبي المتحدة للاستثمار والتطوير في عام 2008 لم يكن مانشستر سيتي قد حقق خلال عمره الطويل المقدر وقتها بـ128 عاماً سوى 12 بطولةً فقط منذ نشأته عام 1880، بمعدل بطولة كل 11 عاماً تقريباً.. كلها ألقاب محلية ومنها فقط لقبان للدوري مع استثناء لقب أوروبي وحيد وقديم وغير مؤثر وهو كأس الكؤوس الأوروبية عام 1970.
أما في الـ15 عاماً الأخيرة فقد هيمن النادي على كل المنافسات المحلية وأصبح الفريق الأكثر تتويجا بكل البطولات التي خاضها ومن بينها 7 ألقاب للدوري الأهم في العالم من بينها 5 ألقاب في آخر 7 سنوات، وهو معدل مذهل لم يفعله أي فريق آخر في أوروبا.
وأخيراً كلل النادي نجاحه وهيمنته محلياً بالفوز بكأس دوري أبطال أوروبا عقب فوزه على نادي إنتر ميلان الإيطالي في نسخة هي الأصعب منافسة، استطاع فيها إقصاء كبار القارة، مثل ريال مدريد وبايرن ميونخ، بعد أن ألحق بهم هزائم قاسية لا تحدث كثيراً في مثل هذه الأدوار المتقدمة من المنافسات في البطولة القارية الأعرق والأهم.
هذا النجاح القاري لمانشستر سيتي الذي تحقق أخيراً أكاد أجزم بأنه سيستمر طويلاً.. وستنتقل هيمنة النادي خارج حدود إنجلترا لتشمل القارة الأوروبية وكل منافساتها.. لا سيما دوري الأبطال.
فدائماً ما تكون البطولة الأولى هي أصعب البطولات التي تفتح بعدها طريق التتويج المستمر لأنها تعطي الثقة وتمنح الفريق شخصية البطل وهي عامل حاسم في كسب البطولات.
هذا التوقع ليس تنجيماً ولا رجماً بالغيب وإنما هو استشراف لمستقبل يمكن توقعه بناءً على خبرة الحاضر ودروس الماضي، وبناء على ما يمكن اعتباره سر النجاح الذي تساءلنا عنه.
وهنا لا أتحدث عن أسباب النجاح فهي كثيرة ولكن أتحدث عن سر النجاح الذي يتجاوز المسألة الكروية والأمور الفنية. وفي تقديري أن هذا السر يكمن في الإدارة.. فالإدارة الجيدة هي التي توفر أسباب النجاح.. فالمال وحده ليس سبباً كافياً للنجاح.. فهناك أندية في أوروبا تنفق أكثر بكثير من مانشستر سيتي وبعضها يضم أغلى نجوم العالم في كل المراكز لكنها لم تحقق شيئاً يذكر في عالم الكبار.
إذن الإدارة الذكية هنا هي التي صنعت الفارق عندما وضعت الرؤية ووفرت أسباب نجاحها وخلقت بيئة من التناغم بين جميع مكوناتها وتركت المهمة لأصحابها دون أدنى تدخل في عمل الأجهزة والطواقم الفنية والإدارية واختياراتها.
فلا تجد ملاك النادي يظهرون أمام الإعلام يتحدثون في الأمور الفنية أو يتحدثون باسم الفريق.. بل تجدهم في مقاعد الجمهور يتابعون المباراة كأي مشجع آخر، تاركين المهام الفنية للمدرب وطاقمه دون أي تدخل أو محاولة تأثير.
على عكس رئيس نادٍ فرنسي شهير يظهر في الإعلام أكثر من نجوم فريقه ويتحدث في الأمور الفنية أكثر من المدرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة