هل تمنح بلاغة "قاضي المنصورة" قبلة الحياة لقاتل نيرة أشرف؟
نالت كلمات المستشار المصري بهاء الدين المري، رئيس دائرة الجنايات بالمنصورة، التي أدانت الطالب محمد عادل استحسان الرأي العام في مصر، بسبب تعاطف الشارع مع الطالبة المقتولة نيرة أشرف.
وقبل نحو عشرة أيام فجع المجتمع المصري بجريمة قتل شنيعة، كان بطلها طالبا وطالبة في الصف الثالث بكلية الآداب جامعة المنصورة، بعد أن أقدم الطالب محمد عادل على قتل زميلته نيرة أشرف على أبواب الجامعة أثناء ذهابها لأداء الامتحان.
ووبخ القاضي الذي وصفه رواد مواقع التواصل الاجتماعي "بأديب القضاة"، القاتل بكلمات قاسية تليق بما ارتكبه من جريمة في حق الفتاة والمجتمع بأسره.
وتضمنت عبارات القاضي مصطلحات وجملا بلاغية، كـ"والمؤنسِاتُ الغالياتُ صِرن في نظر المَوتُورينَ سِلعة، والقواريرُ فواخير"، و"ونَــفـسٌ تَــدثـَـرت بــرداءِ حُــبٍ زائفٍ مَكذوب. تأثرت بثقافةِ عَـصر اختَـلطت فيه المَفاهيمُ".
كما تدوال المتابعون مقولته "الـرغبةُ صَارت حُبًا، والقتلُ لأجلهِ انتصارًا، والانتقامٌ شَجاعةً، والجُرأةَ على قِـيَم المُجتمع وفُحشِ القَـولِ والعلاقاتُ المُحـرَّمةُ، تُسمَّى حُـريةً مَكفولة".
بلاغة القاضي التي كان محل إعجاب للكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، كانت محل بحث أيضاً لدى قطاع من فقهاء القانون.
حيث ذهب فريق منهم إلى أن القاضي أعلن عن عقيدته قبل إصدار قراره بإحالة الأوراق إلى مفتي الديار المصرية، لاستطلاع الرأي قبل إصدار حكم الإعدام والذي حدد له جلسة في شهر يوليو/ حزيران المقبل، وهو ما يفتح الباب أمام نقض الحكم من قبل محكمة النقض المصرية.
فيما ذهب رأي آخر إلى أن العرف الدارج والمتبع هو منح القاضي سلطات في توبيخ المجرم، باعتبار أن للقاضي دورا اجتماعيا لا يمكن أن ينصرف عنه، ومقدمته قبل صدور قرار إنما هي جزء من الحكم، وعقيدته قد شكلت بالفعل.
ولحسم الجدل القائم بين الفريقين، استطلعت "العين الإخبارية"، رأي المستشار أحمد عبد الرحمن، النائب الأول لرئيس محكمة النقض المصرية الأسبق، الذي أيد الرأي الثاني، مرجعاً الأمر إلى العرف القضائي الذي بات اعتيادياً لا سيما أن القاضي كون عقيدته بالفعل بعد أن ناقش المتهم واستمع إلى دفاعه.
ويؤكد عبد الرحمن، أن حديث القاضي لا يعني بالضرورة انحيازاً أو انشغالاً لصالح طرف على حساب طرف، بل يعني في المقام الأول أن القاضي شكل عقيدته وكونها، ولأن القضية لها أبعاد اجتماعية كبرى وهزت الرأي العام، فكان لزاماً عليه بعد أن منح المتهم حقه الكامل في الدفاع عن نفسه أن يوبخه أمام الجميع لتحقيق التوازن المطلوب.
ولا يعتقد عبد الرحمن أن يكون بلاغة القاضي سبباً لنقض الحكم، والمرجح أن يلجأ دفاع المتهم إلى مخرج آخر لنقض الحكم بإعدام موكله، ومن المتوقع أن محاميه سيعمد إلى فكرة عدم وجود عمدية في إزهاق روح الفتاة، رغم أن القاضي فند ذلك كله بسؤاله على عدد الطعنات الكثيرة والتي تؤيد بتقرير الطبيب الشرعي.
في السياق نفسه يرى القاضي السابق والمحامي بالنقض طاهر الخولي، أن القاضي لم يتجاوز في إبداء رأيه في القضية وتوبيخ المجرم القاتل، لا سيما أن عقيدة القاضي تحققت وصدر قراره بالفعل والدليل على ذلك إحالة أوراق المتهم إلى المفتي وهو إجراء لا يتحقق إلا إذا كان الحكم الذي سيصدر هو حكم الإعدام.
وأوضح الخولي في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن القاضي كان سيؤاخذ لو أنه أقدم على خطبته البليغة قبل السماع لمرافعة الدفاع، أو قرر من تلقاء نفسه توبيخ المتهم أثناء إجراءات المحاكمة.
ويدلل الخولي على حديثه بأن حكم الإعدام يعتبر باطلاً إذا لم يلجأ القاضي لاستطلاع رأي المفتي، ولهذا يعتبر هذا القرار جزءا من إجراءات الحكم، وحديث القاضي أثناء قراره إجراء قانوني محض لا يمكن أن يبني عليه الدفاع لنقض الحكم.