ماو تسي تونج.. زعيم ثار على التقاليد فقاد الصين لمعجزة
من بوابة "تيان إنمين" أضيئت بالعاصمة بكين قبل 73 عامًا شعلة تأسيس جمهورية الصين الشعبية، أمام حشد من 300 ألف شخص، على يد ماو تسي تونج.
فبالعلم الصيني الجديد، أعلن الزعيم الراحل ماو تسي تونج في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1949 تأسيس دولة الصين، والتي تحيي بكين ذكراها اليوم، بالتزامن مع قفزات اقتصادية واجتماعية وعلمية حققتها البلاد.
تلك الذكرى الـ73 استبقتها بكين بتدشين سلة عملاقة من الزهور والفواكه تُعرض في ميدان "تيان آن من" بقلب العاصمة الصينية، والذي شهد قبل أعوام عديدة "خطاب التأسيس".
فالبلد الذي تعود حضارته إلى 4 آلاف سنة، وابتكر العديد من أسس العالم المعاصر، بات بعد أكثر من 7 عقود على تأسيس جمهورية الصين الشعبية، واحدًا من أسرع دول العالم نموًا وأكبرها من حيث الصادرات على الإطلاق.
فماذا نعرف عن اليوم الوطني الصيني؟
تحتفي الصين في الأول من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، بتأسيس جمهورية الصين الشعبية، في احتفالات شعبية في الساحات العامة بجميع أرجاء الصين ترعاها الحكومة، والتي تستمر قرابة 7 أيام.
ويطلق على تلك الاحتفالات، والتي تعطل فيها المصالح الحكومية والمدارس والجامعات، بـ"الأسبوع الذهبي"، والذي يتضمن العديد من الفعاليات الضخمة لإحياء ذكرى ضحايا الثوار الذين فقدوا حياتهم لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
وما إن أُسست تلك الجمهورية، والتي على 73 عامًا قاد فيها الحزب الشيوعي الشعب الصيني، لتحقق بكين فيها "معجزة اقتصادية"، انتشلت أكثر من 800 مليون شخص من براثن الفقر.
فماذا نعرف عن مؤسس الصين الشعبية؟
ولد ماو تسي تونج في 26 ديسمبر/كانون الأول من عام 1893 في قرية شاوشان في مقاطعة هونان بالصين وتوفي في 9 سبتمبر/أيلول من عام 1976 في العاصمة الصينية بكين، بحسب دائرة المعارف البريطانية التي تعرف الزعيم الراحل بأنه "رجل الدولة الذي قاد الثورة الشيوعية في بلاده".
ومنذ صغره عرف عن الزعيم الراحل "تمرده" على التقاليد؛ ففيما كان والده فلاحا صارما بنى نفسه حتى أصبح تاجر حبوب، أراد ماو كذلك، إلا أن الفتى الصغير كان يرغب في مزيد من جرعة التعليم؛ فترك البيت في سن الـ13 من العمر ليذهب إلى مدرسة ابتدائية في منطقة مجاورة.
وفي العام 1911 وصل ماو عاصمة الإقليم تشانجشا ليدخل مدرسة عليا، ليتخرج بعد سبعة أعوام في مدرسة للمعلمين 1918، ليقرر بعدها الذهاب للدراسة في الجامعة والتي لم يكن حينها لديه ما يكفي من المال، ليقرر العمل في مكتبة الجامعة 6 أشهر، عاد بعدها إلى نشانجشا ليمتهن التدريس.
وفي عام 1921، تعرف على عميد الكلية تشن تو هسيو وأمين المكتبة لاي تا تشاو، مؤسسي الحزب الشيوعي، ليقرر في العام نفسه الزواج بيانج كاي هوي ابنة معلمه التي أعدمها الحزب القومي (الكومنانج) عام 1930.
محطات "هامة"
وقبل عامين من واقعة الإعدام، كان ماو تعرف على فتاة صغيرة هي هو تسو تشن التي أنجب منها 5 أطفال حتى طلقها عام 1937، ثم تزوج الممثلة تشيانج تشينج التي كان لها دور رئيسي في الثورة الثقافية فيما بعد.
وكان ماو بين العامين 1920 و1921، ينظم الطلبة والتجار والعمال لمعارضة سيطرة اليابان على الامتياز الألماني في إقليم شاندونج، أحد شروط معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى، والتي اعتبرها "إهانة" للسيادة الصينية.
وفي العام 1923 طلبت الشيوعية الدولية (الكومنترن) من الشيوعيين الصينيين التحالف مع الحزب القومي (كومنتانج) بزعامة صن يات سن الذي كان يسعى للتخلص من ملاك الأراضي الكبار وتوحيد البلاد، لينتقل ماو بعدها بعام إلى شانغهاي كمسؤول للكومنتانج.
وفي العام 1925، عاد إلى هونان لينظم احتجاجات الفلاحين، لتنطلق معها أفكار ماو، التي عرفت فيما بعد بـ"الماوية" والتي ترى أن الثورة لا يمكن قصر القيام بها على الطبقة العاملة بل يمكن ذلك بالفلاحين، وهو ما حققه عمليا.
وفي العام 1927 قاد ماو مجموعة من الفلاحين من إقليم هونان إلى إقليم جيانجزي الجبلي، حيث كون هناك وأعضاء آخرون من الحزب الشيوعي حكومة على النمط السوفياتي، وبدؤوا تكوين جيش كان نواة الجيش الأحمر الذي هزم القوميين بعد 22 عاما ودحرهم إلى جزيرة تايوان.
وفي العام 1934 هاجم تشيانج معقل الشيوعيين في جيانجزي فاضطروا للفرار لتبدأ المسيرة الكبرى الشهيرة، التي كان ماو تسي تونج على مدى 10 سنوات تلت، الزعيم بلا منازع.
أسس الصين
وفي تلك الفترة وضع ماو ورفاقه عمليًا الأسس التي بنيت عليها الصين الشعبية فيما بعد؛ إذ احتضنهم الفلاحون بعد توزيعهم الأراضي، وفي 1937 غزت اليابان الصين وجدد القوميون والشيوعيون تحالفهم بتشجيع من القوى الجمهورية في البلاد ومن الكومنترن.
وفي تلك الفترة وصلت قوات الجيش الأحمر إلى مليون عنصر، فيما بسط ماو سيطرة الشيوعيين لتصل إلى حوالي 100 مليون صيني، وبعد عام واحد من انسحاب اليابان، دخل الصينيون في حرب أهلية مجددا حسمت في عام 1949 بهزيمة القوميين، وأصبح ماو تسي تونج رئيس الحزب الشيوعي الصيني ورئيس جمهورية الصين الشعبية.
وفيما بات ماو رئيسًا للجنة العسكرية التي تقود جيش التحرير الشعبي، بدأ ورفاقه في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني جهود إعادة بناء الصين عبر خطط تنمية وثورات بعد ثورات.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه عندما نجح الشيوعيون في بسط سيطرتهم على السلطة في الصين، سافر ماو في ديسمبر/كانون الأول عام 1949 إلى موسكو، في زيارة نجح خلالها، وبعد شهرين من المفاوضات الشاقة في إقناع ستالين بالتوقيع على معاهدة مساعدات متبادلة مصحوبة بمساعدة اقتصادية محدودة.
خطة خمسية
ووضع ماو خطة خمسية بتوجيه من الاتحاد السوفياتي، دخلت حيز التنفيذ في عام 1953، وشملت المساعدة التقنية السوفياتية عددا من المنشآت الصناعية الكاملة، وعبر مبادرات وخطوات أنجز ماو الإصلاح الزراعي والتعاونيات الزراعية وبسط مظلة الخدمات الصحية وغيرها.
وبين عامي 1966 و1967، أطلق ماو "الثورة الثقافية"، بهدف تطهير البلاد من العناصر "غير النقية" وإحياء الروح الثورية، بعدها أعلن سياسة "دع مئة زهرة تتفتح"، أي حرية التعبير عن العديد من الأفكار المتنوعة، المصممة لمنع تطور مناخ سياسي قمعي في الصين مشابه لذلك الذي كان قائما في الاتحاد السوفياتي تحت حكم ستالين.
وشهدت سنوات ماو الأخيرة محاولات لبناء جسور مع الولايات المتحدة واليابان وأوروبا؛ ففي عام 1972، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الصين والتقى بماو.
وفيما اختار ماو الذي توفي في 9 سبتمبر/أيلول من عام 1976، شخصية وسطية لقيادة البلاد من بعده هو هوا جو فنج، إلا أن إرث الزعيم الراحل لا يزال حاضرًا في البلد الآسيوي؛ فجميع العملات النقدية الصينية لا زالت تحمل صورته، فضلا عن انتشار تماثيله في كل مكان، كما لا يزال جثمان ماو تسي تونج محنطا ومسجى داخل ضريحه بميدان تيان آن مين في قلب العاصمة الصينية بكين.
aXA6IDE4LjExOS4xMTkuMTE5IA==
جزيرة ام اند امز