"ماريو الخارق".. هل ينقذ إيطاليا من العاصفة؟
أدى ماريو دراجي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، اليمين الدستورية، السبت، رئيسا لحكومة الوحدة الإيطالية الجديدة.
ويتعين موافقة البرلمان الإيطالي على الحكومة الجديدة برئاسة الخبير الاقتصادي الذي يبلغ من العمر 73 عاما، وينظر إليه الشعب الإيطالي بوصفه جالبا للحظ في مساره المهني لكثير من المؤسسات التي مر منها.
ويهدف تعيين دراجي رئيسا للوزراء إلى وضع حد لأزمة سياسية استمرت نحو أربعة أسابيع، في تلك البلاد التي ضربها وباء فيروس كورونا المستجد بقسوة.
دراجي الذي يُنسب إليه الفضل في إنقاذ منطقة اليورو من أزمة الديون العام 2012، هو رجل معروف بتكتّمه وجديّته وتصميمه.
الرجل حصل على درجة الدكتوراة في الاقتصاد من "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" (إم آي تي)، الجامعة الأمريكية المرموقة.
تلك الصفات وغيرها جعلت "ماريو دراجي" الشخصية الأفضل لقيادة السفينة الإيطالية في خضم بحر الأمواج المتلاطم الذي يضرب البلاد.
وتوجهت الأنظار إلى دراجي بعد الشكوك التي أثارتها الأزمة السياسية حول قدرة إيطاليا على إدارة أزمة جائحة فيروس كورونا، وتنفيذ خطّة نهوض اقتصادي بقيمة 222,9 مليار يورو يتعين على روما تقديمها إلى بروكسل بحلول 30 أبريل/ نيسان.
من هو ماريو دراجي؟
ماريو دراجي الملقب بـ "ماريو الخارق" أو "منقذ اليورو" قضى 8 سنوات على رأس البنك المركزي الأوروبي، أدار خلالها سياسات نقدية ومصرفية تتكئ على الكثير من الحنكة والدراية خاصة خلال أزمة الديون بمنطقة اليورو.
الرجل الذي ولد عام 1947 في إيطاليا، شغل منصب محافظ المصرف المركزي الإيطالي، وقبل ذلك كان أحد مديري بنك جولدمان ساكس بلندن، وحقق نجاحات هامة على صعيد تخفيض حجم الدين الإيطالي، وأسهم في الإصلاح الاقتصادي في روما.
ومنذ تقلده منصب المدير التنفيذي للبنك الدولي (1984 -1990) ممثلا لبلده، في أكبر مؤسسة مالية في العالم، وهو شاهد على عدد من برامج التقويم الهيكلي لبلدان كانت تعيش أزمات اقتصادية، اضطرت لأخذ تمويلات من البنك الدولي، وساعدها ماريو في ذلك.
وللرجل الكثير من المحطات التي تشهد على جدارته وكفاءته، ففي 2012 شهد اقتصاد منطقة اليورو، تراجعاً ترافق مع هزّات قوية في أسواق السندات عملت على توطين مشاعر القلق في المحافل الاقتصادية لدول التكتّل، حيث ارتفعت تكاليف الاقتراض إلى أعلى مستوياتها، حينها قرر دراجي أن الوقت قد حان لمعالجة هذا الوضع المضطّرب.
وفي 2014 اختارته مجلة Forbes الثامن في قائمة أكثر الشخصيات نفوذا، وشغل منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي خلفا لـ جان كلود تريشيه في 1 نوفمبر 2011 حتى 31 أكتوبر 2019.
تحديات كثيرة
ومنذ تكليفه في 3 فبراير/ شباط الجاري أجرى دراجي مشاورات مع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان التي سمحت له بتشكيل فريق متنوع من الحزب الديمقراطي "يسار وسط" والرابطة "يمين متطرف" بزعامة ماتيو سالفيني وحزب فورتسا إيطاليا "يمين" الذي يتزعمه سيلفيو برلوسكوني.
والخميس، في اللحظة الأخيرة أعطت "حركة 5 نجوم" المناهضة للنظام حتى وصولها إلى السلطة، موافقتها أيضا خلال تصويت إلكتروني لناشطيها، ما أسقط آخر عقبة لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
لكن الصعوبات في بدايتها بالنسبة إلى دراجي، حيث تأمل إيطاليا التي سجلت مائة ألف وفاة تقريبا بكورونا، الحصول على حصة الأسد ،نحو 200 مليار يورو، من صندوق الإنعاش الأوروبي الذي أنشئ في يوليو/ تموز، لكن عليها عرض خطة إنفاق مفصلة لبروكسل بحلول نهاية أبريل/ نيسان.
ويواجه ثالث اقتصاد في منطقة اليورو صعوبات جراء الآثار المدمرة لجائحة كورونا، وسجلت إيطاليا في 2020 واحدا من أسوأ التراجعات لإجمالي الناتج الداخلي في منطقة اليورو بمعدل 8.9 %.
وقال فابيو بامولي أستاذ الاقتصاد في معهد التجارة في ميلانو، لقد "فاقمت جائحة كورونا الأزمة، وتبقى إيطاليا الرجل المريض في أوروبا".
وعلى مرور الأعوام تراكمت ديون ضخمة على إيطاليا قدرها 2600 مليار يورو "2.6 تريليون يورو" أي 158 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي نهاية 2020 وهو أعلى معدل في منطقة اليورو بعد اليونان.
وعلى رأس الأولويات تسريع حملة التلقيح، التي تأثرت كما في دول أوروبية أخرى جراء بطء في تسليمها. ولقح حتى الآن 1.2 مليون إيطالي فقط من أصل 60 مليونا.
وثمة ملفات أخرى قديمة تعود إلى عقود، سيضطر دراجي إلى معالجتها وهي تسريع عمل القضاء وتصحيح البيروقراطية لتصبح الإدارة أكثر فاعلية، وإطلاق عملية التحول البيئي التي ستنسقها وزارة مخصصة لهذه الغاية، الأولى من نوعها في إيطاليا.
حتى لو يستفيد حاليا من هالة "منقذ الأمة"، فإن دراجي سيضطر إلى إظهار مهارة عالية للبقاء في السلطة على المدى الطويل في مواجهة أحزاب سياسية، التي ستتقلب مواقفها مع اقتراب الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في عام 2023.
وحذر موقع "بوليسي سونار" للتحليل السياسي قائلا "في السياسة كما في الطبيعة هناك دورات، من شهر العسل إلى القمة فالأفول، حتى دراجي عاجز عن تحدي هذا القانون، مؤكدا أنه الآن في مرحلة "شهر العسل"، ولن يتجرأ أحد على تحديه في الأشهر المقبلة.
aXA6IDMuMTM5Ljg3LjExMyA= جزيرة ام اند امز